مدونة حلمي العلق

الشاهد والشهيد

 | Writing-the-Quran

مقدمة

تعرفنا في الحلقة الأولى على قاعدة اللطف التي تعني أن الله عز وجل غالبٌ على أمره، لا يعجزه شيء، أما في الحلقة الثانية فقد بحثنا عن تعريف القرآن الكريم من الناحية الاجتماعية، فوجدنا من الآيات أنه وصية الله الباقية، أما في الحلقة السابقة فبحثنا عن تعريف تاريخي للقرآن الكريم فوجدنا أنه كان حدثًا مشهودًا، ولم يكن كباقي الكتب، وإنما هو مجموعة من الأحداث المشهودة في زمن الرسالة والتي شهدها أغلب من عاصر تلك الحقبة الزمانية، حيث كانت آيات القرآن معروفة بين المؤمنين والمنافقين والمشركين، وقد وصلت بعض رسائله إلى عرب شبه الجزيرة العربية في تلك الحقبة من الزمان وقبل وفاة النبي محمد (ص).

أول ما وصل القرآن للناس وصل مسموعًا، وكان ذلك السماع بمثابة البلاغ أو الإعلان لعدد كبير، ويمكننا أن ندرك من خلال فهمنا لهذا التعريف صعوبة أن يتم اختزال أو تبديل أي جزئية منه، فشهادة الناس عليه تعصمه من العبث فلقد كان مشهودًا بين المؤمنين وغيرهم، فكيف يتمكن أحد من تغيير شيء من معناه؟ فالكل شاهد عليه، فعبثًا يحاول المغرض فالتغيير مكشوف أمام الجميع، لأننا نقف أمام شهادة جماعية للناس على بعضهم البعض على ما شهدوا وسمعوا، وقد مثلت تلك الشهادة المجتمعية حصانة أولية للقرآن من أن تمتد له يد العبث من الزيادة أو النقصان! لكن الكتاب السماوي وصية إلهية يجب أن تكون باقية للأجيال اللاحقة وليس للجيل الذي عاصر أحداثه وحسب، فكيف يمكن لهذه الوصية أن تبقى فلا تندثر أو تتبدل؟

نعلم مدى حرص القرآن على حفظ الوصية البشرية من ناحية عدم التبديل، حيث يقول الله عز وجل في هذا الشأن : ﴿ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ البقرة (181) ، ولكي يضمن نقل الوصية البشرية إلى أهلها سالمة من التبديل في حال الابتعاد عن المسكن فقد أكد على ضرورة أن يحضرها الشهود، ليشهدوا على بعضهم البعض ﴿ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ ﴾ المائدة (107) ، وعلى الرغم من أن الوصية البشرية التي يوصي بها الإنسان قبل رحيله من هذه الدنيا لها أهميتها لعدد محدود من البشر هم أبناءه وأهل بيته، إلا أن القرآن أولى تلك الوصية أهمية كبرى، فكيف يكون الأمر بالنسبة لوصية ربانية تبديل أي جزئية منها يؤثر على أمة بأسرها؟! فكيف يكون حرص القرآن لهذا الأمر؟ لا شك في أن حرصه أجلى وأكبر.

وقد علمنا من ناحية أخرى حرص القرآن على إثبات حقوق الدائن أمام المدين في عملية المداينة من خلال التوثيق والكتابة، بل وإحضار شهداء يشهدون على تلك المداينة (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ ) البقرة [282]، بل ويؤكد على اختيار أولئك الشهداء ليكونوا ممن نرتضيهم لمثل هذه المواقف، هذا في شأن شخصين في موضوع مداينة؟ فكيف يكون الحرص على التوثيق والتدوين في موضوع الدِّين؟ من المتوقع أن يكون أكبر من ذلك بكثير.

في كلا الحالتين وجدنا بروز أهمية الشهداء في نقل الوصية وفي المداينة، وللمقاربة التي نجدها بين هذين الموضوعين وحفظ القرآن الكريم كونه وصية ربانية خالدة، ندرس في هذه الحلقة ارتباط الشهادة بالعلم، ثم الفارق بين الشاهد والشهيد، ثم ندرس ارتباط الشهداء بالكتاب السماوي في حلقات لاحقة إن شاء الله.

الشاهد والشهيد

أولًا : ارتباط الشهادة بالعلم

الشهادة مرتبطة بعلم الإنسان، فالإنسان يشهد بما يعلم كما قالت الآية عن إخوة نبي الله يوسف (ع) ﴿ ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ ﴾ يوسف [81]، وقد يشهد الإنسان بما لايعلم فتكون شهادة باطلة، ويبين القرآن الكريم أن مصدر العلم هو من عنده، يقول الله عز وجل في شأن عقيدة قريش في الملائكة والتي اعتمدت على تصورات لا على علم:

﴿ وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ۝ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ۝ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ﴾ الزخرف [19]-[21]

عبدت قريش الملائكة اعتقادًا منهم أنهم بناتُ الله ويشفعون لهم عند الله، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرا، الآية تقول أنهم نسبوا الملائكة إلى الله، ووصفوهم بأنهم بنات الله، (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً ﴾ ولم يكن ذلك من عند الله في كتاب منزل، بل نبع من أهوائهم، ثم تعقب على ذلك بقولها ﴿ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ لقد اعتبرت الآية الكريمة هذا القول بمثابة الشهادة، لأنهم يقومون بإيصالها للناس على أساس ديني، والآية تستنكر متساءلة : ﴿ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ﴾ ؟ والآية تشير للشهادة الحضورية وتتساءل: هل كانوا حاضرين أثناء خلق الملائكة ليحصلوا على العلم؟! فعلموا من ذلك أنهم كانوا بنات؟ ثم تتوعد بالقول ﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ إذ اعتبرت ذلك القول منهم شهادة في الدين وسيحاسبون عليها، لأنها شهادة زور وباطل.

ما يؤكد ارتباط الشهادة الحق بالعلم في ذات السياق هو الآية التالية حيث تقول ﴿ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾، ليس لهؤلاء الذين يفترون هذه الأكاذيب أي علم بما يقولون وإنما هي افتراءات يسوقونها اتباعًا لأهواءهم، ثم تأت الآية التالية لتحدد مصدر العلم : ﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ﴾، إذ لو كان لهم كتاب يتدارسونه ويأخذون منه العلم لكان قولهم بالعلم شهادة حق، لا شهادة باطل، والآية تعترض على عقيدتهم بأنهم لم يتمسكوا بكتاب منزل من عند الله، ولكنهم ذهبوا إلى معتقدات ما أنزل الله بها من سلطان. إذًا الحديث في العقائد أو الأحكام هو شهادة، والشهادة الحق تكون بعلم من الكتاب المنزل، ومنه نستنتج علاقة الشهادة بالكتاب.

ثانيًا : الشاهد والشهيد

فهمنا ارتباط الشهادة بالعلم، ولنا في هذا الصدد وقفة هامة أخرى، إذ نحتاج فهم الفارق بين الشاهد والشهيد من ناحية استخدام القرآن لهتين الكلمتين، لمعرفة أهمية لفظة الشهيد في هذا الموضوع، ولماذا لم تستخدم كلمة أخرى ككلمة الشاهد؟ كتلا الكلمتين تصدران من فعل ثلاثي واحد وهو "شهد"، هناك من يشهد وهو شاهد، وآخر يشهد وهو شهيد. فما الفرق بينهما؟

الشاهد هو الفاعل للشهادة فهو يدلي بما يعلم في قضية ما، لمرة واحدة وقد لا تتكرر، أما الشهيد فهو فعيل للشهادة من الكثرة، أي كثيرًا ما يشهد أو كثيرًا يطلب منه العلم على قضية ما، ولن يحتل أحد هذه المرتبة بين الناس إلا إذا اتصف بصفات الحفظ والصدق وحمل الأمانة مهما كانت العقبات، فهو معني بحفظ ما يعلم وإيصاله كأمانة إلى من أوصي بإيصالها إليه، وعليه سيكون الإنسان جديرًا باستحقاقه لمقام الثقة لما يتمتع به من تحمل للمسؤولية، وسينظر إليه في المواقف التي تتطلب تلك الصفات، أما لفظة "الشاهد" فهي كلمة عامة لكل من يقوم بعملية الشهادة سواء بحفظ العلم أو الإدلاء به.

نأخذ مثالًا قرآنيًا على كل كلمة:

أ- مثال على كلمة الشاهد:

في قوله تعالى :

﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ التوبة [17]

هؤلاء المشركون يعلمون أنهم كفرة بالرسالة ، وهم يشهدون على أنفسهم بالكفر من خلال أقوالهم وأفعالهم، ولكن هذه الشهادة لا تتعدى كونها حقيقة واحدة، ولا ترتقي لأن تكون أمانة، ولا يُطلب منهم أن يدلوا بها حين يطلب منهم ذلك، فقط هي شهادة، وهذا لا يعني أن الشاهد لا يمكن له أن يكون أمينًا، ولكننا نقصد بأن ما يدلي به لا يعدو كونه خبرًا أو حدثًا أو علمًا عامًا.

وقد يكون الشاهد شاهدًا في موقف، وشهيدًا في موقف آخر، نعلم أن الرسول شاهد وشهيد، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ﴾ الأحزاب (45)، وفي آية أخرى ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ البقرة (143)، فهو شاهد في المواقف العامة، وشهيد في تأدية الرسالة.

وفي العموم عندما نتحدث عن الشهيد فإننا نتحدث عن موقع مسؤولية ولابد للشهيد أن يكون متحملًا لها فيدلي بما يعلم حين يطلب منه ذلك، وعليه أن يتحمل الأمانة ويؤديها، وإن لم يفعل فيُعد ذلك تقصيرًا منه، نأخذ لذلك مثالًا من القرآن الكريم في الآيات التالية.

ب- مثال على كلمة الشهيد

يقول الله عز وجل في آية المداينة بخصوص توثيق الدين وإحضار الشهود:

﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ ﴾ البقرة [282]

نلاحظ كيف استخدمت آية الدَّين في سورة البقرة لفظة "شهيد" على أساس أنه قد تُطلب منه الشهادة في يوم ما على هذه المداينة، والآية نفسها تؤكد على المؤمنين أن يختاروا ممن يرضون من الشهداء، والرضا في هذا المقام متعلق بما نعلمه من هذا الإنسان من صدق وصلاح وتقى وتأدية للأمانة و حسن استجابة حين يدعى للشهادة. فالشهيد أعلى مرتبة من الشاهد في هذا الجانب. وأن الشهيد هو شخص ينتخب للقيام بمهمة الشهادة في أمر ما.

ولأننا نتحدث عن موضوع حفظ القرآن الكريم، وقد علمنا مدى تشابه هذا الموضوع بالوصية البشرية، ندرس ارتباط الشهادة بهذا الموضوع :

ثالثًا: ارتباط الوصية بالشهادة

يقول الله عز وجل في شأن نقل الوصية من خلال الشهداء:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ ﴾ المائدة [106]

يتضح من هذه الآية الكريمة الحرص على انتخاب من يشهد في موضوع الوصية، على أساس أن يكون ذو عدالة فلا يظلم وبالتالي لا يبدل من الوصية شيئًا، والآية تتحدث عن ظروف خاصة حيث الابتعاد عن المسكن والوطن، فمن الممكن أن نجد من تتوافر فيه صفة الأمانة ممن نعلمهم، ومن الممكن عدم الحصول على من نثق في عدالتهم ليكونوا شهداء، فتكون الشهادة بينية، أي أن الكل يشهد على الكل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ ﴾ وهؤلاء الجماعة ينتخبون من بينهم اثنين ذوا عدل منهم ﴿ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ وهذا ما يؤكد أهمية توافر صفات العدالة في الشاهد الذي يحضر لحملها كأمانة ثم تطلب منه فيدلي بها فيما بعد، وقد قُدم هذين الشاهدين العادلين على غيرهما في حال توافرهما، أما في حال عدم وجودهما نضطر لأخذ شاهدين لا نعرفهما من غير المجموعة المؤمنة ﴿ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ ﴾. ثم أن الآية تعطي تفاصيل كيفية إعدادهما لأخذ الشهادة على الوصية تأكيدًا على أن لا يتبدل منها شيء.

مما فهمناه من هذه الآية الكريمة، وما نفهمه من القرآن كونه وصية ربانية، أن الوصية هي محط اهتمام ورعاية التشريع الرباني حتى في أصعب الظروف التي يمر بها الإنسان، وينتخب لها شهداء ذوا عدل لحملها كأمانة إلى أهلها، هذا في حال كونها وصية بشرية تخص عددًا محدودًا من البشر، فكيف يكون الحال بالنسبة للوصية الربانية؟! النازلة من عند الله عز وجل، وتحتل مرتبة أعلى بكثير من أي وصية أخرى، وتستهدف البشرية جمعاء! وهي حجة الله على خلقه! لابد وأن يكون لها اختصاص واهتمام أعلى بكثير، ولابد وأن تبرز فيها أهمية الشهداء الأمناء عليها.

الخاتمة

تحدثنا في هذه الحلقة عن ارتباط العلم بالشهادة وخصوصًا في الدين، ثم عن الفارق بين الشاهد والشهيد، ووجدنا أن الشهيد أكبر مرتبة من الشاهد، إذ إنه يتحمل مسؤولية نقل الأمانة، وأخيرًا رأينا كيف حرصت آية نقل الوصية على انتخاب شهداء عدول لضمان نقل الوصية البشرية بلا تبديل أو تغيير.

وقد علمنا قبل ذاك أن الكتاب السماوي هو وصية الله التي يراد لها الخلود والبقاء عبر الأجيال، وقد علمنا من الحلقة السابقة أن القرآن الكريم هو حدث مشهود، وقد شهد حدثه مجتمع الجزيرة العربية آنذاك، كل حسب موقعه، والسؤال المطروح هو : هل اكتفى القرآن لحفظه بحصانة الشهادة الجماعية هذه؟ ليصون القرآن من التبديل؟

الإجابة على هذا السؤال: لا، لم يكتف بذلك، ولهذه الوصية شهداء يشهدون على مافيها، ويحملون أمانتها، وستتأكد أهمية الشهداء عليها في الجيل الأول منهم، أولئك الذين استلموا الكتاب من الرسول مباشرة، قبل ذاك نحن بحاجة لدراسة ارتباط الشهداء بالكتاب السماوي، في الحلقة القادمة إن شاء الله.