مدونة حلمي العلق

طوبى لمن كان له واعظاً من نفسه

فُطرت النفس البشرية على حب الخير ورفض الشر ، وقد أودع الخالق سبحانه في الإنسان ضميراً يمانع ويعلن الرفض في حالة اقتراف الذنوب أو اجتراح الأخطاء . ويعجز العدو اللعين ابليس الرجيم من إزلاق المؤمن في المعاصي إذا ما كان يقظ الضمير منتبهاً لما قد يجره التهاون في السير حول حما المعصية، لذا يلجأ هذا العدو اللعين في بعض أساليبه لسياسة التبرير والتي يوحي فيها للمؤمن بأنه بعيد عن المعصية وأن هدفه أسمى من ذلك ويزين له الاقتراب لغرض آخر غير مخالفة أمر الله ، فإن وافق المؤمن وخطا خطوة نحو تحقيق ذلك المرام بدأ الشيطان بخلط المعاني وتزييف الحقائق ليجره نحو الخطوة التالية ، وشيئاً فشيئاً ، خطوة بخطوة وعلى مدى أيام طويله يندرج الانسان في المحظور حتى يكون سباقا إلى مخالفة أمر الله أو التهاون فيه.

وإذا نجا الإنسان من مطبات ابليس الرجيم فإن نفسه عدو متربص به وأساليبها لا تقل خطورة من الشيطان . ففيها من العلل ولديها من الحيل ما قد يعجز عنه ابليس . وفي شأن التبرير في مخالفة ما تؤمن به النفس يقرر علماء النفس حقيقة مهمة مفادها أن النفس تتبع أساليب ملتوية في تبرير ما قد يرفضه الضمير النابض في قلب الإنسان، وإذا ما أراد فرد القيام بشيء يقلل من اعتباره لذاته اتخذت النفس خطاً دفاعياً وذلك بما يسميه علماء النفس (سيكلوجية التبرير) و يقرروا بأنه ما من أحد ينجو من هذه السياسة النفسية إلا من كان صادقاً مع نفسه وربه . ومن ذلك أن يبرر من يتقاعس عن أداء فريضة الحج بعدم قدرته على مشقة السفر وشدة الحرارة أو أن لديه في هذا العام من الأشغال ما يمنعه من أداء الواجب، أو يبرر من يتأخر في أداء فريضة الصلاة بكثرة الأشغال التي تمنعه من إتيانها في وقتها . وتتم هذه العملية في مستوى خفي أي أن المرء لا يدرك أنه يمارس الكذب على نفسه، و يصل الأمر في هذه السياسة النفسية إلى أن يعتقد المرء في صحة الأسباب الكاذبة التي تسوقها له النفس . وهكذا فالمقصر في حق نفسه و تجاه آخرته ودنياه يجد المضاد الحيوي الناجع والذي يفرزه جهاز المناعة الذاتي بما يسوقه من تبريرات لإسكات حديث الضمير الداخلي . وقد أشار القرآن في غير آية إلى جملة من التبريرات التي حالت دون أن يفوز المؤمن بالدرجة الرفيعة أو كانت سبباً في خسارته خسارة لا استئناف فيها، منها : شغلتنا أموالنا .. بيوتنا عورة ، لو نعلم قتالاً لاتبعناكم ، كما أشاد بأولئك الذين لا تقف العلل أمامهم في السعي لرقي أسمى الدرجات تماماً كما بين في أمر الذين تفيض أعينهم من الدمع حزناً أن لا يجدو ما ينفقون بعد أن أخبرهم الرسول بأنه لا يجد ما يحملهم عليه للقتال.