ادخلوا في السلم
| afala-yatadabron# مقدمة
السلم هو خلاف الحرب، وحالة اللاعداوة مع الآخرين، أحد أسباب العمى عن كتاب الله وعدم الأخذ به هو التعصب للفكرة أو العقيدة التي يتبناها الإنسان، والتعصب يتغذى من الكبر ومن وجود عدو يحاربه الإنسان في فكره، (أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد).
يصف القرآن الكريم الهدى الذي يأتي من آياته الكريمة بسبل السلام:
﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)﴾ ، ويصف القرآن الكريم آياته البينة بالسلم ، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة في آية ( 208 ).
# ادخلوا في السلم كافة
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ البقرة (208)
**1- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ **
خطاب موجه لعموم الذين آمنوا ،الآية الشريفة تأمرهم أن يدخلوا في السلم كافة، والآية بهذا النداء تخاطب طوائف قد تفرقت وتباعدت عن أصل دعوتها وعن أصل ما أنزل الله، فجاء القرآن الكريم مخاطبًا الجميع أن اقتربوا وعودوا إلى نقطة الأصل التي منها انطلقتم، عودوا إليها عودة من يريد السلم، فادخلوا في السلم الذي خرجتم منه وابتعدتم عنه إلى حالة العداوة والتنافر.
2- ﴿ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾
وهنا تشير الآية إلى مشروع الشيطان الأكبر وهو ابعاد الناس عن البينات والتأسيس للعداوات، والشيطان عدو مبين، وتتضح عداوته في النهج لا في الشكل، فلا أحد يرى شكل الشيطان، ولكن يمكننا أن نرى افعاله، فهو بيّن النهج، هناك نهج رباني يجمع الناس ويدخلهم في السلم، وهناك نهج شيطاني يدخل الناس في العداوات والحروب والشتات ويفرق بينهم، فالشيطان بيّن في النهج الذي يقود للشتات والفرقة والابتعاد عن أصل الملة.
﴿ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ سورة البقرة (209)
الآية الكريمة تقول فإن زللتم، وكأنها تقول لا ينبغي أن تزل قدم بعد نزول هذا الهدى وبعد ثبوت القدم على الحق، بعد أن علمتم أن هذا هو كلام الله وهذه آياته وهذه هي بيناته لا ينبغي أن تبتعدوا عن الهدى. وكلمة الزلل تستخدم في الخطأ الصغير، وجاءت تعقيبًا على التحذير من خطوات الشيطان، والابتعاد عن الحق يأتي بالاستدراج، ولو بزلة قدم، فزلة القدم خطوة، والخطوة تتبعها خطوات، ولا ينبغي للمؤمنين أن يقعوا في هذه الزلة بعد أن أنزل الله لهم البينات.
(فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) فاعلموا أنما يدعوكم الله سبحانه وتعالى ليس لحاجة به إليكم ولا لإيمانكم، فلن ينقص من عزته إن كفرتم، ولن يزيد منها إن آمنتم فهو الغني عنكم، ولكنه يدعوكم لحكمة عنده سبحانه وهو الحكيم في أفعاله والحكيم في قوله ودعوته.
# وقفات
1- البينات والسلم
الآية الأولى تقول(ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ )، وهي دعوة من الله عز وجل إلى كافة الناس أن يأخذوا بهداه ويدخلوا في السلم، أما الآية التالية فتقول : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَاتُ )، والتي تأتي في موقع (فإن لم تستجيبوا لدعوة الله لكم)، ماذا نفهم من هذا التقابل؟
البينات هي صفة الآيات المنزلة في كتاب الله المجيد، ومن هذا التقابل يمكن أن نفهم أن الدخول في السلم هو الأخذ بالبينات وعدم الابتعاد عنها، و الآيات الشريفة تصف طريقين الأول هو طريق السلم، أما الثاني فهو الخروج عن جادة السلم، وذاك ما أسمته الآية الزلل عن البيّنات، إذًا الاستجابة لدعوة الله بالالتزام بآياته البينات هو دخول في السلم، و الزلل عن هذا البيّن الواضح هو خروج من السلم.
2- لماذا سمي التمسك بالبينات دخول في السلم؟
دعت الآية الشريفة الذين آمنوا كافة، ومن كلمة (كافة) نفهم أنهم طوائف مؤمنة متفرقة لا تعيش السلم فيما بينها، والذي فرقهم هو ابتعادهم عن كتبهم السماوية، وتمسك كل فرقة منهم بأفكار خاصة خارج الكتاب، ولأن كل أمة منهم تريد أن تعلو على الأخرى فهي فرحة بما عندها، وتتفاخر به على الأمة الأخرى، من هنا يمكننا أن نفهم أهمية لفظة (السلم) الذي استخدمته الآية كصفة مميزة لمن يريد أن يأخذ بهذه الآيات البينات، وقبل ذاك يجب أن ندرك السلم من جهتين الأولى مع الذات والأخرى مع الآخر ، والذي يقود تحقيقهما إلى السلم مع كتاب الله وآياته.
لقد جاء القرآن الكريم ليصحح مسار تلك الفرق، ويعيدها إلى جادة الصواب، والاستجابه لكتاب الله هو هبوط لعزة الذات ومكانتها، فالنفس المتكبرة المتعالية لا تقبل أن توسم بالخطأ، وبالتالي لا تقبل التصحيح، والنفس المتكبرة هنا هي العدو الأول للحق، فإن استسلمت وهبطت كانت تلك أول عقبة يتجاوزها المؤمن ليدخل السلم مع الذات.
أما العقبة الأخرى فتتمثل في الآخر الذي حاولت كل فرقة أن تثبت ذاتها أمامه لزمن طويل، فكيف بها اليوم وهي تدعى لأن تترك ما لديها من أفكار وتعود لكتاب الله؟ وتعترف بأنها كانت مبتعدة عن كتابها، وهنا طلب لهبوط الأنا الكبرى أمام الآخر، فإن تنازلت النفس هنا فقد اقتحمت العقبة الثانية ودخلت في السلم مع الآخر.
ولن يتم هذا الهبوط إلا إذا كانت سلطة الله في النفوس أكبر من سلطة الذات وكبريائها أو قوة نظرة الآخر عليها، ومن هذا نفهم أن الاستجابة لدعوة الدخول في السلم التي توازي الدعوة للإسلام تتم بتنازل النفوس عن كبريائها، ادخلوا في السلم بتعظيم كلام الله العظمة التي تصغر معها أي نظرة من أي فرقة من الفرق التي تتحاربون معها لإثبات ذواتكم، لن تأخذوا بهذا البيّن ولن يكون بينًا أمامكم وأنتم تعيشون هذه الحرب وتعيشون حالة اللا سلم مع أنفسكم ومع الآخرين.
3- القرآن والسلم
من يرى الأهمية لذاته ولعلوه لا يستجيب لهذا النداء، ويضاد كتاب الله بلوي أعناق الأدلة لصالحة نصرة لذاته ولكي يبقى عاليًا منتصرًا في حربه الدائمة مع الآخر. صراع النفس مع الإيمان يتجسد في غلبة النفس وفي هبوطها من كبريائها أمام غلبة أمر الله الذي يجب أن تكون له الكلمة العليا. إذا أردنا نأخذ بالقرآن الكريم فعلينا أن ندخل من بوابة السلم والقلب السليم ، يجب أن ننهي كل الحروب التي نعيشها مع أنفسنا ومع الآخر حتى نعيش السلم مع آيات الله ونقبل عليها إقبال المسلم والمستسلم لها والحمد الله رب العالمين.