مدونة حلمي العلق

سورة الأحزاب من آية 50 إلى آية 52

 | ayat | alahzab

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾ [50]

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾ حكم خاص للنبي متعلق بأزواجه، والزوجة كلمة عامة تشمل المطلقة منها، والله عز وجل يقول للنبي أنه أحل له أزواجه، فمنه نفهم أن هؤلاء الزوجات هن اللائي انفصلن عنه بطريقة العزل كما تشير إليه الآية التالية. وحتى تحل له بعد العزل فإن الله عز وجل يوجهه بإتيانهن أجورهن، وهنا يخرج هذا الزواج من صيغته العامة الاعتيادية إلى صيغة أخرى حيث أصبح يتعامل مع زوجاته المعزولات بنفس قانون التعامل مع ملك اليمين التي تؤتى أجرها عند التمتع فقط، وبهذا يصبح للنبي تعامله وحكمه الخاص مع زوجاته.

﴿ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ ﴾ تحدثت الآية الأولى عن فئة من النساء اللاتي أحلهن الله إليه بإتيان الأجور، ويضيف إلى تلك الفئة فئة أخرى هي ملك اليمين، وملك اليمين هن النساء اللائي يؤويهن المؤمن من أجل الرعاية والحفظ، فقد تفقد المرأة عائلها ومسكنها وتفتقر لمن يؤيها ويرعى شؤونها لأي سبب من الأسباب، فتلجأ لأن تكون في عهدة أحد المؤمنين، لتتمع بالسكن والمأكل والمشرب في ظل رعايته، فتدخل في حصانة ذلك المؤمن، ويسميها القرآن تبعًا لذلك الإيواء محصنة. والآية المباركة تصف ملك اليمين بأنهن مما أفاء الله على النبي، والفيء في هذا السياق هو الغنيمة التي يغنمها من قوم آخرين بسبب قتالهم أو بسبب إخراج الفئة المؤمنة من جهة كفار معادين، فيدخلن على النبي وهن لا يملكن المأكل ولا المأوى، فيدخلن في عهدة النبي أو عهدة أحد من المؤمنين القادر على توفير متطلباتهن.

﴿ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ﴾ هنا يضيف إلى ملك اليمين أقاربه من الدرجة الأولى من النساء اللاتي هاجرن معه، وتخصيصهن بصفة المهاجرات يعطي دلالة على أن الحكم نازل للنبي بخصوص كونه نبي وقد تحمل مسؤلية عدد من النساء بسبب موقفهن الديني من الرسالة، فإيمانهن به يحتم عليهن الانفصال من المشركين، وذلك لكون المشركين في حالة عداوة مع الرسول والرسالة، وهؤلاء هاجرن مع الرسول، فالرسول يتحمل مسؤوليتهن ليكونوا تحت عهدته، فهو أولى بهن من غيره بسبب القرابة، وحتى يرعاهم النبي يحل الله له نكاحهن أو الدخول عليهن بهذا الحكم الخاص.

﴿ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ يضيف إلى تلك الفئات فئة أخرى من عموم المؤمنات، وهي امرأة مؤمنة ترغب في أن تكون تحت عهدة النبي، فتقدم نفسها للنبي بالوهب، قائلة : وهبتك نفسي يارسول الله، وهي طريقة عكسية للزواج، فالزواج العادي هو أن يتقدم الرجل بطلبة الخطبة من المرأة، فتوافق عليه، ثم تنكحه نفسها وتهب نفسها له بعد أن يتقدم لها بما يرغبها في الزواج منه، ولكن في هذه الحالة فإن هذه المرأة تهب نفسها للرسول، وهو بدوره يستنكحها أي يطلب منها النكاح. وهذا الوهب له دلالات منها أن هذه المرأة تشعر بالأمان مع رسول الله، وتشعر بالعدالة والرحمة من جانبه، وكذلك حبًا في نيل شرف القرب منه (ص).

أما تعقيب الآية بقولها ﴿ خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ فهو عائد للمرأة التي وهبت نفسها، فهي تعلم أنها ستكون خالصة للرسول من دون المؤمنين، فلا يشاركه فيها احد من بعده لأنها ستكون أم المؤمنين ، فلا ينكحها أحد بعد الرسول لا في حياته ولا من بعد وفاته (ص).

﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ هي عبارة اعتراضية مخاطبة الرسول لرفع الحرج عن نفسه بسبب هذه الأحكام الخاصة الذي اختص بها من دون المؤمنين في هذا الشأن وامتاز بها عنهم في موضوع النكاح، والعبارة رد على ما قد يبطنه الرسول في نفسه، وكأنه يقول (ص): ولكن هذا الحكم يختلف عن المؤمنين! فترد عليه الآية بقولها نحن نعلم ما فرضنا عليهم من أحكام في أزواجهم وما ملكت أيمانهم، فلهم حكمهم ولك حكمك، وهذا : ﴿ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾.

ولقد رفع هذا الحكم الحرج عن الرسول كونه يتعامل مع بنات عمه وبنات عماته وبنات خالة وبنات خالاته اللاتي هاجرن معه وهو لا يتمكن من نكاحهن لأنه قد تجاوز العدد المسموح للمؤمن في النكاح وهو أربع نساء، ولكن هذه الآية أحلت له نكاحهن بالأجر، وأحلت له ملك اليمين، وكذلك المؤمنة التي تهب نفسها له، فكل أولئك سيكونون زوجاته، ولا حرج عليه في التعامل معهن أمام الناس، والآية التالية تبين طريقة التعامل مع كل هذه النساء حسب حكم الحلية هذا، وتبين أيضًا غرض الحلية هذا من جهة النساء أنفسهن.

﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً ﴾ [51]

﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ﴾ ترجي من تشاء أي تؤجل من تشاء في إيوائها عندك كزوجة من الفئات التي ذكرت في الآية السابقة، وتؤوي إليك من تشاء أي تقرر من تأخذها كزوجة لمدة مؤقتة، وهذا ناظر إلى كون العدد المسموح به من الزوجات هن أربع نساء، فإذا آوى إليه أربع نساء، كانت البقية في عداد المرجأة، أي المنتظرة لدورها في المعاشرة، فإذا جاء دور البقية، عزل الأوائل من النساء فلا يتعامل معهن، ثم آوى إليه أربع نساء أخريات، وهكذا. ولذا فالآية تكمل بقولها ﴿ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ﴾ أي إذا ابتغيت إعادة النساء اللاتي عزلتهن من قبل فلا جناح عليك، بعزل الموجودات ومعاشرة السابقات.

ثم تبيّن الآية الكريمة غرض هذه الحلية التي خصصها الله عز وجل للرسول من جهة نساء الرسول بقولها ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً ﴾ أي من أجل ارضاء نفوس النساء اللاتي ارتبطن بالرسول، فلا يحزن لأنهن انعزلن بعد أن دخلن عليهن نساء أخريات فاضطر النبي أن يأويهن عنده بسبب الهجرة وظروف أخرى مشابهة، فيرضين بما آتاهن الرسول من أجر، وبإعادتهن إليه، والله عز وجل يعلم ما في القلوب، وهو يعلم بما في قلوب نساء النبي، والآية المباركة تشير إلى أن هذا الحكم هو "أدنى أن تقر أعينهن .." أي أقرب لأن تقر أعينهن ويرضين، وهي بذلك تلفت النظر إلى أن إرضاؤهن وتخفيف عبء الهجر عليهن غاية يمكن للرسول بناءًا على هذا الحكم أن يجتهد في تحقيقه.

﴿ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ﴾ [52]

﴿ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ﴾ الآية المباركة تغلق الحلية لتكون مقتصرة على الفئات التي ذكرت سابقًا، وعلى الفترة الزمنية التي تتحدث فيها، فلا يحل بعد ذلك أن يضيف لهؤلاء النساء غيرهن، ثم تغلق الآية أيضًا تبديل أي منهن بأزواج غيرهن، لكي لا يكون معنى الاغلاق على العدد، فلو كن 9 نساء، فليس مسموح بأن يطلق إحداهن ويأتي بغيرها فيبقى العدد 9 كما هو، فعدم الحلية تغلق الباب على هؤلاء النساء ليصبحن أمهات المؤمنين، ولا زيادة عليهن ولا نقصان. الآية المباركة تؤكد وظيفة الحلية التي أشارات إليها الآياتين السابقتين، فالغاية في الآية الأولى كانت رفع الحرج عن الرسول، وفي الثانية إقرار عين النساء، وبهذا تغلق الباب أمام الرسول في أن ينكح ما يعجبه من النساء بعد اللاتي خصصن له. ويستثني من حرمة التبديل ملك اليمين ﴿ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾ فيمكنه تبديلها ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ﴾.


الحلية

كيف أحل الله عز وجل للنبي أزواجه؟ من ذلك نفهم أنهن كن نساءه ولكنه عزلهن بسبب دخول فئات جديدة من النساء عليه، والله عز وجل أحل له العودة إلى أزواجه بالأجر، وهذا يعني أنه يتعامل معهن بنفس حكم ملك اليمين، فنكاح ملك اليمين يكون بالأجر على الاستمتاع، وهنا أيضًا يحلهن له بإيتاء الأجر، ويضيف إلى عهدة النبي نساء أخريات، ويتعامل معهن بالأجر كذلك. وقد خص النبي بهذا الحكم لأن زوجاته أمهات المؤمنين ومحرمات عليهم من بعده، لذا لا يمكن للرسول أن يطلق أحدًا من أزواجه، ولكنه يستطيع أن يعزلها فقط كما أشارت لذلك الآية ، مع النظر إلى أن على الرسول أن لا يأخذ أكثر من أربع زوجات كما هو مقرر في بداية سورة النساء، ولذا فإن الآية تعالج هذه المشكلة بهذا التعامل الخاص، حيث يمكن للرسول أن يرجي من يشاء من هؤلاء النساء أي أن يؤخر الدخول عليها، ويؤي إليه من يشاء بحيث لا يتجاوز العدد عن أربع نساء، ومن ابتغى ممن عزل وأبعده عنه في وقت من الأوقات، بإمكانه أن يعيد التعامل معهن بعد مدة، والآية تبين أن الغرض من ذلك أن يرضين كلهن، فلا يشعر بعضهم بالعزلة وابتعاد الرسول عنهن.

إرضاء المرأة

يلحظ في هذا الحكم تأكيد القرآن الكريم على أن تكون الزوجة راضية قريرة العين بعيدة عن الحزن، وهذه زاوية يجب الالتفات إليها وإن اشتبه المشهد لكثرة النساء اللاتي يتعامل معهن الرسول، إلا أن الموقف يحمله مسؤوليتهن ورعايتهن، ثم إن إغلاق العدد على الموجودات من الزوجات يؤكد أن المسألة لا تتعلق بإرضاء النبي وإنما هو من أجل علاجُ مشكلة خاصة بزوجاته والمهاجرات معه وماملكت يمينه مما أفاء الله عليه. فإذا كانت الآيات تشدد على إيجاد حل لمشكلة النساء اللاتي في حوزة النبي حتى يرضين وتقر أعينهن فلا ميزة في هذ الحكم للرسول على غيره من المؤمنين بل إنه بهذا الحكم يتحمل أعباء هؤلاء النساء وتبعات التحاقهن به.