مدونة حلمي العلق

سورة العلق من آية 1 إلى آية 19

 | ayat | alalaq

(بسم الله الرحمن الرحيم)

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5))
الآيات تحث على قراءة القرآن، وتعلمه والتفكر فيه وإعمال العقل باستخدام القلم، وكرم الله سيكون لهذا الذي يرغب في التعلم، وهو أكرم الإكرمين.

(كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8))
هنا تتحدث الآيات عن ما يمنعه من القراءة، وما الذي يمنعه من القراءة، الذي يمنعه هو الطغيان.

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْداً إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَه (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19))
هل الصلاة مقتصرة على الأفعال المعروفة من قيام وركوع وسجود، هي علاقة عامة بين العبد وبين الله سبحانه وتعالى بنيت على أساس هذه القراءة. ولكن السؤال ما المصلحة في أن يقطع أحد هذه الصلة بينه وبين الله، المصلحة هي في أن يصنع هذه الطبقية في أن لا تكون هناك علاقة مباشرة مع الله، ولكن العلاقة تكون من خلال أحد وهو ذلك الأحد.
"أرأيت إن كذب وتولى" ماهو الكذب؟ المقصود هنا هو الكذب على الله،

القرآن صلاة، والقراءة بوعي هو جهد يتطلب التفكر والتأمل، ولماذا بدأ الأمر بالقراءة بعد أن ذكر حقيقة الإنسان المتمثلة في العلقة؟ هذا الجسم الحقير الصغير الذي لا يكاد يرى بالعين، لا ذكر له ولا كيان ولا مقدار بين الناس؟!
إنه تذويب لقدر الإنسان المغرور أمام الله، إنه إنزال من العلو الذي يتوهمه الإنسان إلى الحقيقة الدونية التي كان عليها، إنه كان كذا ( علقة ) واليوم هو هذا الإنسان الممتلىء بما هو فيه من قدرة وعلو وسمعة ومكانة وأمر ونهي، وبهذا تكون القراءة قراءة المتلاشي المعدم أمام الواهب المعطي الخالق، إنه تذكير بالمقام ، لأن القراءة هنا ليست قراءة عادية ، ولا يمكن لهذه القراءة أن تؤتي ثمارها إلا بعد تعديل المقام، يجب أن تكون قراءة الذي يشعر أنه فعلاً كان عدماً ثم وهبه الوهاب الحياة، ليقرأ الآن كلمات من ليس من وهبه الحياة فقط، بل الذي وهبه الكرامة من بين المخلوقات.

وهذا الهبوط من العلو إلى مقام العلقة والعدم يجسده السجود، وحين يقول له " اسجد واقترب " فلن يقترب الإنسان من خالقه ما لم يقترب من حقيقته، لن يعرف ربه ما لم يعرف نفسه، ولن تكون المعرفة الحقة ما لم يسجد لله، وما هو السجود؟ هو التصاق في أدنى مقام ، أدنى درجة، فالسجود أيضاً اعتراف بالمقام، وهو شعور طبيعي يتبادر لدى من يشعر بأنه كان عدماً، فلا يملك إلا أن يتصاغر أمام من وهبه الكيان إن حدثه أو أنزل إليه كلمات.

ومن هنا تكون الناصية التي وهبها الله كل هذه الكرامة وهذا الوقوف وهذه النعمة ثم لم تنزل من علوها ولم تقدر خالقها في كلماته تكون ناصية كاذبة، لأنها لا تستحق هذه الرفعة، ولا تستحق هذا العلو أمام خالقها، وهي بذلك تستحق السفع والإذلال يوم القيامة.

كم ينبغي لنا أن نقدر كلمات الله وأن نستجيب لها؟ بنفس هذا القدر الذي نشعره حين نقف أمام الخالق الواهب الرازق المكرم. وبأي درجة علينا أن نستجيب ونشعر بأننا مربوطون برباط العبودية مع هذه الكلمات؟ بنفس المقدار الذي نستشعر فيه حقيقة هذه الكلمة " كلا لا تطعه " ، هذه الكلمة وحدها تربطك بالقرآن برباط العبودية، وهذه العبودية يجب أن تحررك من أي عبودية أخرى، لأنها عبودية مع الله وتأخذك للحرية مع أقرانك من البشر، وحين يأمرك أحد بخلاف التقوى وخلاف الهدى عليك أن تسمع هذا النداء في قلبك " كلا لا تطعه "، وحين يسحبك الكذاب بالأكاذيب بعيداً عن حقيقة الله وحقيقة الدين وحقيقة الآخرة يجب أن تسمع الصوت في أذنك " كلا لا تطعه" ، وحين تريد أن تتخلص وبصورة حقيقية عن تلك العبوديات البشرية التي تنازع عبوديتك لله عليك أن تستعين بالله " وتسجد وتقترب " .

إنك بعد أن تقرأ القرآن تسجد، وحين تسجد تقترب وحين تقترب تعي ما تقرأ وتهتدي بما تقرأ، وإلا ما فائدة القرب؟ ما فائدة أن تكون صلتك بالله قائمة؟ وما معنى أن الله يريد من المؤمن أن يكون قريباً منه؟ لماذا نحن محرومون من هذا القرب؟ هل لأن الله ليس قريب؟ من كذب علينا بهذا؟
يقول الله سبحانه "اسجد و اقترب" القرب مقترن بالسجود، افعل السجود وفي السجود اقترب، انزل إلى مقامك لترى مقام الله، وحين ترى مقامك وحقيقتك أمام الله فأنت تقترب، حين ترى نفسك علقة صغيرة أنت تقترب، حين لا تتعالى ولا تتكبر وتسبّح وتقرأ كلمات الله أنت تقترب، وحين تقترب فأنت مع الذي لا يعجزه شيء، ولا يحجبك عنه شيء، وبهذه الكلمات التي تصلي بها وتقرأها سوف يوصلك للهداية التي تطلبها وتسأل عنها.