سورة الأعراف من آية 10 إلى آية 26
| ayat | alaraf(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (10))
يمن الله سبحانه وتعالى على الإنسان بنعمه أن مكنه ووفر له سبل العيش على الأرض، فالشكر حق المنعم وحقيقة الشكر تتمثل في الطاعة والامتثال لأوامر المنعم على أساس شرعه المنزل وليس شرع غيره.
لقد مكن الله سبحانه وتعالى هذا الإنسان بالذي لم يعط لأي مخلوق آخر، وليس بذكاء الإنسان أو عبقرية منه ولكنه بتمكين من عند الله سبحانه وتعالى ، كل الأعمال التي يقوم بها الإنسان هي تمكين كما مكن سبحانه وتعالى نبي الله سليمان وسخر له الريح هذا على مستوى عال ، ولكن الإنسان مكن في مستويات أقل من ذلك و أعلى من بقية المخلوقات.
وجود المعايش : الأرض فيها معايش بحيث يعيش الإنسان بيسر ، ولو شبهنا أنه في كوكب آخر فلا يجد ما يعيش به.
قليلاً ما تشكرون: الشكر هو العمل بما أوجبه الله عملياً بطاعة الله في آياته، والإنسان لأنه ممكن فليس عبثاً، الإنسان الذي يشعر أنه معطى لهذه الإمكانيات يشعر بالمحاسبة ، أما الذي يشعر أنه متمكن من ذاته فهو لا يشعر بالمحاسبة، الشكر هو عمل ، والعمل يكون بمقتضى ما أمر الله في كتبه السماوية.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (11))
التسلسل الحقيقي لخلق الإنسان هو أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ثم صوره، ثم قال للملائكة اسجدوا لآدم. ومن هنا يكون آدم منتخب من كل المخلوقين وقد خلق معهم. وهذا يتنافى مع عقيدة عالم الذر والتي تنص على أن الله خلق آدم أولاً ثم خلق بقية البشر كأرواح.
خلقناكم : خلق صورة بني آدم
ثم صور: بعد ذلك أعطى لكل شخص صورته
ثم قال للملائمة اسجدوا لآدم إلا إبليس لم يكن من الساجدين:
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12))
هل ابليس من الملائكة؟
قال أنا خيرمنه : الخليفة المنتظر هو آدم ، وإبليس يعلن خيريته على هذا الخليفة بأن خلقته أقل في التكوين.
الفائدة من هذه الآية : عندما يقول الله سبحانه وتعالى ( وبالوالدين إحسانا ) المؤمن قد لا ينفذ هذا الأمر لأنه في وضع يقارن بينه وبين هذا الذي أمر الله أن يحسن إليه أو أن يتواضع له.
( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ (13))
كان إبليس في مكانة في هذه الجنة ، هبوط ابليس ما يكون لك أن تتكبر في هذه الجنة وفي هذا المكان ، دائماً تسير الأمور عكس ما يبتغي المخلوق ، فلأنه تكبر أصبح من الصاغرين ، ولكنه لو استسلم وتواضع لتغير وضعه.
( قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ (15)
متى علم إبليس أن الإنس والجن سيبعثون حين طلب الإنظار لذلك اليوم ؟
إنظار الله سبحانه وتعالى إلى إبليس فيه حكمة، وواضح أن إبليس ابتغى الدنيا وابتغى الشيء العيني أمامه وهو المكانة في الدنيا ، وهذا الأمر ينطبق لكل من يرتدي عباءة الدين، فهو هنا الآن يريد الفرصة والإنظار حتى يثبت أن رأيه على حق في أنه
( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16))
بسبب أنك أغويتني بسبب هذا الموقف وطردتني من الجنة سينتقم من الإنسان بالشكل التالي
( ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17))
هدف الشيطان هو أن لا يكون الإنسان شاكراً لربه، بمعنى أن يجعله ناسكاً ولكن بشرع غير الله.
( قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18))
الشيطان أخرج من الجنة في هذه الفترة، وهي منزلة لأننا سنرى فيما بعد أنه لا زال في الجنة مع آدم يغويه، لمن تبعك منهم : أي أن الله يهدد من يتبع الشيطان. العاصي يعمل عمل الشيطان في أنه يجذب الناس للمعاصي.
( وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ (19))
المخاطب هو آدم، وتتبعه في ذلك زوجته ، هذه الشجرة : تدل على قرب الشجرة منهما على الرغم من أنه في آية آخرى يقول تلكم، الغاية من عدم القرب من الشجرة هو ابعادك عن الأكل من الشجرة .
( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ (20))
استخدم الشيطان الوسوسة من أجل أن يسقط عن آدم وزوجه كرامة اللباس، فيبدو لهما بسبب المعصية ما ووري عنهما من سوآتهما،وقال الشيطان لهما في وسوسته: أن الأكل من هذه الشجرة يجعلكما في مصاف الملائكة، فقد كذب وأظهر معصية الأكل من الشجرة المحرمة وسيلة توصلهما إلى درجة عالية عند الله.
صوت الشيطان وسوسة وهذا يفرق عن الوحي، وهو نفسه حديث النفس، ولذلك إذا تحدث الشيطان فإنه يتحدث للنفس، الإبداء للشيء الموارى ، غاية ابليس من تلك الوسوسة هو الإبداء، وهو يعلم هذه النتيجة بسبب هذه الوسوسة، ويبدو أن الشيطان لديه تجربة في هذا الأمر من قبل أي أنه ذهب بما وروي عنه، ووري عنهما انه مبني للمجهول أي أن الله هو الذي وارى هذه السوءة .
وقال الشيطان : ( إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ) هي أهداف عند الإنسان وهي أن يكون من الملائكة أو أن يكون من الخالدين. وقد استغل الشيطان هذه الرغبة عند آدم وزوجه.
يبدو أن آدم لم ينسى نهي الله عن الاقتراب من هذه الشجرة، ولكن ابليس دخل بطريقته في تغيير الحكم الشرعي من خلال معرفة العلة، الإنسان يخدع من أي أحد يتحدث بإسم الدين ويزين العمل ومن ثم يحرف الحكم .
( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ (21))
من أجل أن يحكم الشيطان الكذبة التي كذبها عليهما، أظهر لهما النصح، وأقسم لهما أن حقيقة نيته التي يحملها داخل نفسه هي الخير.
الاستعجال أحد ملامح الشيطان ، يحاول الشيطان هنا أن يجر آدم إلى العجلة في اتخاذ القرار مباشرة دون إطالة التفكير فقد يكون آدم بدأ يعيش الصراع في نفسه بين الأمر الصريح والواضح من عند الله، وبين الأسلوب الناصح في أكل الشجرة ،
(فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22))
دليل الشيطان للإنسان هو الغرور، إذ لا دليل ولا سلطان لديه فيما يأمر إلا أن يأتي للإنسان من باب الأمنيات ليعمي بصيرة قلبه فلا يسأل: "هل أمر الله بهذا ؟"، " هل يسمح الله بهذا؟".
وعندما ذاق آدم وزوجه من الشجرة خالفا أمر الله، وكانت نتيجة هذه المعصية مباشرة، فقد نزعت منهما كرامة اللباس، تماماً كما تمنى الشيطان. وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، فبعد أن حرما من نعمة اللباس كان لزاماً أن يبدأ العناء وتبدأ الحركة من أجل ستر العورة.
وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟ وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين؟ سؤال يظهر قمة العدل عند الحق سبحانه وتعالى، فهو يسأل آدم وزوجه رغم أنه يعلم الحقيقة.
( قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (23))
يمكننا أن فهم هذه الكلمات من خلال آية سورة البقرة ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه )، وهنا علم الله آدم كيف يستغفر الله سبحانه وتعالى ، موضوع الاستغفار للتو قد بدأ في الدنيا وآدم لا يعلم كيف يستغفر فعلمه الله سبحانه وتعالى ، وهنا نرى تلازم الرحمة والمغفرة في آيات كثيرة.
الاعتراف بالذنب هو بداية الاستغفار ، وبدون اعتراف لا تتم المغفرة . اعتراف آدم بالخطئية، وبظلمه لنفسه، وطلبه المغفرة كان سبباً في أن يقبل الله سبحانه وتعالى توبته على عكس الشيطان الذي استكبر على التوبة، ولو لم يغفر الله لآدم لكان من الخاسرين.
قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24))
قال اهبطوا هو حديث لجماعة أي أكثر من اثنين، يعني المقصود هو آدم وحواء والشيطان ، إلى حين تعني إلى أجل محدد ، هل كان ابليس يعلم بوم البعث ، والعداوة هي بين هؤلاء الثلاثة أو بين الأبناء فيما بعد.
الهبوط من درجة الكرامة العلياً في الجنة، إلى أرض العناء والنصب من أجل توفير المطالب الأساسية للمعيشة.
(قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25))
في هذه الآية يفهم منها ، نحن نعيش في الأرض ونموت فيها ،
( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26))
هذا خطاب إلى بني آدم جمعاء، بأن هناك وسائل للبس ، وهناك لباس اسمه لباس التقوى ، السوأة هي من كلمة سوء ، والإنسان يساء إليه من خلال ظهور هذا الجزء من الجسد. السوءة هي ضعف للإنسان ،
ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون: مع هذا العطاء الكبير فقد يفقد الإنسان هذه الذكرى، هذا اللباس تعبير قوي عن مكانة الإنسان.
يخاطب الله سبحانه وتعالى أبناء آدم، ويذكرهم بنعمة اللباس التي ميزتهم عن بقية المخلوقات حتى لا يظن الإنسان أنه مختلف عن بقية المخلوقات من ذاته، بل بتكريم منه سبحانه وتعالى. فهذا اللباس هو آية من آيات الله، وعلى الإنسان أن يتذكرها ولا ينساها حتى لا ينسى نفسه، وينسى حقيقته ، ويخطئ في تقديراته.
ويذكره الله سبحانه أن لباس التقوى خير، إذ أن التقوى هي التي تديم عليه هذه النعمة إلى يوم القيامة، ففي يوم القيامة ينزع عن العاصين لباسهم وكرامتهم.
تعطي الآيات مثالاً على أسلوب الشيطان في إخراج الإنسان من ولاية الله، وتظهر النتيجة الحتمية لهذا الخروج. إذ أن الشيطان لا يأت للإنسان بالمعصية بشكل مباشر، لكنه يعمل الفتن ليخدعه ويقول له أني لك من الناصحين.
يأت الشيطان وأولياءه للمؤمن من باب الخير، فيقسمون له انهم له من الناصحين. ولن يهدأ لهم بال حتى يبعدوا المؤمنين عن آيات الله ويجعلوهم يحكمون بغير ما أنزل الله.
يغرر الشيطان وأولياءه بالإنسان،ويأمرونه بالمعصية ويقولون له إنك بهذا العمل ستكون من المقربين والمحببين، تماماً كما غرر بآدم وزوجه إذ قال لهما أنكما ستكونا ملكين أو تكونا من الخالدين.
الشجرة الخبيثة والملعونة في قصة آدم هي رمز لكل المحرمات في القرآن الكريم والكتب السماوية، واجتهاد الشيطان هو في أن يوقع الإنسان في الخطأ وفي الفتنة، وهو يسعي السعي الحثيث من أجل أن يرى الإنسان منزوع الكرامة يوم القيامة، وأن يعيده إلى أصل خلقته بلا كرامة وبلا لباس كبقية الحيوانات والمخلوقات كما كان قبل التكريم.
ولأن الحساب قد تأجل فلا يتم نزع لباس الإنسان في الدنيا حين يقع في الخطأ وبشكل مباشر كما فعل مع آدم، لكن ذلك سيكون للعاصين في يوم القيامة وفي النار.