سورة الأعراف من آية 148 إلى آية 158
| ayat | alaraf(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148))
اتخذ قوم موسى من بعد ذهاب موسى إلى الموعد مع الله سبحانه وتعالى العجل إله، صنعوا بالحلي التي كانت معهم عجلاً، وهذا العجل أصبح يخرج له صوت وهذا الصوت يجذب بني إسرائيل ويغريهم ويؤيدهم بأنه هو الإله الذي يكلم موسى. اتخذوه وكانوا ظالمين، أي أن هذا الاتخاذ جاء بظلم لأنه بدون أمر من عند الله.
لماذا تم اتخاذ العجل؟ هل للعجل مكانة في نفوس بني إسرائيل بسبب حياتهم في مصر، هل للعجل مكانة في مصر؟
(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (149))
يسقط العجل في أيديهم أي أصبح بين أيديهم فانكشفت كذبة ا لعجل، فمادام الشيء بعيد عنك تتصور أن له قيمة كبيرة وإذا وقع بين يديك صغرت قيمته، لربما حقيقة الصوت الذي يحدثه العجل بأنه كذب، واكتشفوا أنهم قد ضلوا.
(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150))
رجع موسى وهو بعلم بما هم عليه لأن الله أخبره، لذا رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً على ذلك الوضع، وقال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم: أي هل تعجلتم على أمر الله في الرؤية التي طلبتموها وصنعتم عجلاً لتروا ربكم. وأول ما وصل نبي الله موسى إلى قومه ألقى الألواح من شدة الغضب، ثم أخذ برأس أخيه من اللحية ومن الرأس، واللحية موضع حساس عند شده، ومع ذلك فإن موسى فاقد لشعور الألم الذي يشعر به أخوه وهو في حالة الغضب يجر أخيه إليه، فرد عليه هارون برد يخفض من ردة فعل موسى، فقال: ياابن أم.
(قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151))
هذه الآية تشير إلى أن الوحيد الذي لم يعبد العجل هو هارون، وأما البقية فقد وقعوا في فتنة العجل. لأن موسى دعا بالمغفرة لنفسه ولأخيه لعل الله يستنقذهم من غضب الله على هذا الأمر. وموسى عندما طلب المغفرة له ولأخيه لأنه شعر بأنه أخطأ، أخطأ بالغضب وبالشيء الذي ارتكبه في أخيه عندما جر أخيه من رأسه ولحيته، وشعر
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152))
انقسم أتباع موسى إلى طائفتين طائفة كفرت وافترت على الله الكذب وقالت بأن هذا العجل هو إله موسى واتخذته إله، وطائفة تبعتهم بعد هذا الابتداع وتابوا بعد اتخاذهم العجل وبعد أن وجدوا أنفسهم أنهم ضلوا. والطائفة الأولى التي ابتدعت العجل هي التي سينالها غضب وذلة في الحياة الدنيا.
(وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153))
(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154))
لما سكت الغضب عن موسى تشير إلى أن الغضب هو الذي كان يتحدث عنه وهو الذي يسيطرعليه، بأن وفي نسختها أي في نقشها المنقوش،
(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155))
بعد الفتنة التي حصلت بسبب العجل، انفرز بني إسرائيل إلى من استكبر في أمر العجل ومنهم من تاب إلى الله، وبعد هذه القضية اختار موسى قوماً مكون من سبعين رجلاً من أجل الذهاب لميقات ربهم الذي وعدهم إياه من قبل، فلما وصولوا إلى الميقات أخذتهم الرجفة أي تزلزلت الأرض من تحتهم،
(وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156))
هذه هي الفرقة من قوم موسى والذين تابوا عن عبادة العجل، واختارهم موسى من بعد التوبة، وبعد أن وقفوا أمام الله سبحانه وتعالى في المعياد أخذتهم الرجفة فطلب موسى من الله العفو، وهذه الآية تكمل حديث هذه الفرقة وطلبها من عند الله، وتقول لله سبحانه وتعالى واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك.
هدنا إليك تعني تبنا إليك بعد أن وقعنا في فتنة العجل، بفهم أن هناك فرقة أخرى هي الأغلبية قد تركها موسى، هي التي عبدت العجل وأصرت على ذلك وعاندت ولم تتب، ولكن هناك فرقة أخرى تابت هي التي اختار منها موسى ووقف معها يتحدث مع الله. فكان رد الله سبحانه وتعالى لهم "عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون" وهنا أعطى الشروط الأساسية للإيمان وهي التقوى وإيتاء الزكاة والتي تشمل الصلاة والإيمان بآيات الله.
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157))
تنتقل هذه الآية إلى زمن النبي محمد (ص) مؤكدة أن الهدى سيأتي لؤلئك الذين كانوا مع موسى في ذلك الموقف ثم بعد هذه الأجيال أصبح أبناؤهم في موقف الإيمان بالرسول النبي محمد (ص)، وأن منهم من سيؤمن بهذه الرسالة ويتبعها فتكون له هدى.
كما أن الآية تؤكد
( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158))
الخطاب موجه للنبي محمد (ص) أن يوجه الخطاب لليهود الذين يؤمنون بالتوراة والذين انحدرت ديانتهم من نبي الله موسى (ع) الذي كلمه الله في جبل الطور والذي أنزلت عليه التوراة، وهو المبشر برسالة النبي محمد (ص)، والمطلوب منهم الآن هو الإيمان بهذه الرسالة.
هذا الرسول يقول لهم "إني رسول الله إليكم جميعاً" إلى جميع الطوائف إلى جميع الديانات التي وجدت في زمان النبي محمد في شبه الجزيرة العربية. " الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت" هو لديه قدرة الإحياء والإماتة وليس لغيره، والموت بيد الله وهو دلالة على سيطرة الله على الإنسان حتى وهو خفي عنه، وهذا هو معنى القرب من الناس وليس كما يظن أنه بعيد عنه.
" فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي" هو نبي أمي ومع ذلك جاء بقصة نبي الله موسى كاملة بكل تفاصيلها كما هي لديكم في تاريخكم المحفوظ. " الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون"، هو تأكيد على أن هذا النبي مؤمن بالتوراة التي لديهم .