مدونة حلمي العلق

سورة الأعراف من آية 189 إلى آية 206

 | ayat | alaraf

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ (189))

الخلق يتبعه الملك فمن يخلق يملك، والآية تثبت أحقية الله سبحانه وتعالى في الملك وتثبت أحقية الله في الربوبية، وربوبية الله في تشريعه.
الآية تتحدث عن أصل خلقة الإنسان وهي أنها بدأت من نفس واحدة، هذه النفس هي آدم التي خلق الله منها زوجها وجعله زوجها ليسكن إليها، لتكون هي السكن له. " فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به" هذه هي مرحلة الأشهر الأولى من الحمل التي يكون فيها الحمل خفيف لا ثقل له على الأم. " فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين" في هذه المرحلة التي ثقلت فيها الأم أي مرحلة ظهور ملامح الحمل على الأم بدأ الدعاء بأن يكون هذا الابن صالح، والصلاح من جميع الجوانب الجسمانية والبر بهما وغيره، وعاهدا الله بأن يكونا من الشاكرين لله، والشكر هو تنفيذ الأوامر.

(فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190))

ولكن المشكلة هي أنه عندما تحقق لهما الأمر في إنجاب ولد صالح، " جعلا له شركاء فيما آتاهما" وجعل الشركاء هو الاعتبارات التي يجعلها الإنسان إلى غير الله في الطاعة، فالإنسان يقر بأن الخالق واحد، ولكنه في ناحية النهي والأمر لا يقر بها إلى واحد، وهنا تكمن المشكلة في الشرك، لأن عدم الطاعة لآمر واحد تجعل للمالك الواحد شريك في ملكه، لأننا بذلك نكون مكنا أحد غيره.

(أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191))

الآية تتساءل: كيف يشركون في الأمر إلى أحد آخر، ولأن الخلق لواحد فإن الأمر لواحد وليس لإثنين، فلماذا تأتمرون بآخر غير الله ولم يخلق أحد غيره.

(وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192))

النصر عنوان عام يتعلق بالعون في شؤون الحياة والآخرة، وهذا بيان على أن من تثقون فيهم.

(وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ (193))

الآية تقصد الذين توجهوا لغير الله في العبادة، فلا ينفع مهم توجيه الحقيقة من عند الله.

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194))

المقصود في هذه الآية هم الجهة الغيبية التي يتوجه لها المشركون، وهؤلاء المُشَركْ بهم هم شخصيات بشرية أموات غائبة غير مشهودة، "فادعوهم فليستجيبوا لكم" خطاب موجه للذين يشركون بهم وتأكيد أنهم يستجيبوا لكم، "إن كنتم صادقين" في دعواهم عن هؤلاء.

(أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195))

عندما تتحدث الآية عن إمكانيات هذا العبد الذي أشرك به المشركون، من ناحية القدرة على الحركة أو من ناحية البطش أو البصر، وعندما تتساءل فهي تؤكد أنك إذا تعلقت بشخص مادي يجب أن تكون نتائجه مادية أيضاً، أي من المفترض أن تكون له حركة وقول وبطش وبصر. " قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون"، ادعوهم بالكيد الذي تصنعوه من افتراض أنهم يسمعونكم ثم يجيبون لطلباتكم.

(إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196))

الآية تتحدث عن ولاية عامة، فالله هو الذي يتولى شؤون الإنسان بالكامل في شتى شؤون الحياة، ومن هذه الولاية العامة يمكننا أن نفهم ولاية الإنسان في موضوع الهداية، الذي نزل الكتاب هو الذي يهدي من الكتاب نفسه، وهذا الكلام يقال للذين اتخذوا شركاء في الدين، واتخذوا ولاية من عند غير الله.

(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (197))

في المقابل هناك قوم يأخذون ولاية من عند غير الله، بحيث أن هؤلاء الذين أشركوا في الشرع بسبب الاعتقاد شخصيات دينية هم في الأساس يعتبرون أولئك الأشخاص الذين يتم الشرك بهم لهم مرتبة عالية، وهذه المرتبة العالية تؤهل لأن يتم الدعاء بهم.

(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198))

إن تدعوهم إلى الهدى : أي إلى كتاب الله ، ومافيه من حقائق .

البصيرة تشمل رؤية آيات الكتاب و شكل الإنسان الذي يدعو ، بمعنى أن الطرف الاخر يرى فيك البساطة في الشكل وعدم انتماؤك إلى أي طائفة (من خلال الشكل).

وإن تدعوا هؤلاء الذين يشركون بالله سبحانه وتعالى فلا يسمعوا للقول الذي يقال لهم من كتاب الله، هم بدأوا في الشرك بسبب خروجهم من ولاية الله إلى ولاية غير الله، وهذا هو أصل الشرك، في أنك تخرج من ولاية الله إلى ولاية غير الله بسبب اتخاذك أوامر من عند غيره وتخالف الكتاب. "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" وهذا وصف عجيب في كونهم لا يبصرون ما أمامهم ولا يبصرون الرسول، ووجود الرسول الداعي إلى الله حجة عليهم أن جاءهم رسول يدعوا إلى الله، ولا يبصرون كلام الله.

(خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ (199))

خذ العفو : أي اتخذ منهج العفو أي منهج اللين مع المخالف الذي أمامك

الأمر بالعرف : أي أأمر بما هو متعارف عليه

وأعرض عن الجاهلين : هناك من يخالف بجهل

العفو في قبال الاعتداء الذي يتعرض له الإنسان من الجاهلين، إذاً هي قاعدة للتعامل مع المخالفين الذين يعتقدون أنهم على صواب ويعتدون على الرسول الذي جاء ليدعوهم لخلاف ماهم عليه. وعندما يقول خذ العفو، هو أن يعفو عن الجهال وعن الاعتداءات وعن الافتراءات التي توجه للرسول فقط لأنه جاء يدعوا إلى الله وحده.

(وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200))

النزغ : هو استثارة شيطانية الهدف منها التحفيز على مواجهة الجاهل الذي يتجاهل في التعامل معك في الحوار بسبب الاختلاف في الرأي.
أما في حال تمكن الجهلاء من خلال عدوانيتهم من استفزاز النفس، ومن أن يكون سلوكهم الاستفزازي من أن يكون باباً من أبواب الشيطان الذي ينزغ في النفوس من أجل المواجهة والاعتداء ورد السلوك بالمثل فالله يوصي بالاستعاذة من الشيطان الرجيم ومن نزغه فالله سميع عليم.

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201))

الشيطان يطوف على الإنسان، أي أنه كالطيف العابر ولكنه يصر على استفزاز المؤمن

الطائف من الشيطان هي الأفكار التي تراوح على الإنسان بإلحاح ولا تشعر بها في نفس الوقت، وهي حركة شيطانية تحاول إيقاع المؤمن في الخطأ. وهذا الطائف يمس الإنسان، والمساس يؤثر على نفس الإنسان من الداخل، والآية تخاطب من يتأثر بعدوانية الجهلاء كما في الآية 199، وهذه العدوانية تتيح فرصة للشيطان أن ينزغ في صدر الإنسان، وهذا النزغ يفقد الإنسان بصيرة. وهذا المساس قد يخفى عن الإنسان ولكن المؤمن يتذكر ويتعرف على أفعال الشيطان، وهذا التذكر يعيد له بصره ويعيد من تماسك نفسه وإطفاء نائرة الغضب التي تشعل نار الحقد والكراهية والإنتقام.

(وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202))

إخوان الشياطين يمدون بالغي والضلال

وإخوان الشياطين، يمدونهم الشياطين بالغي وهو الزيادة في الضلالة، بحيث يبعدونهم عن الحق ولا يقصرون أي لا يألون جهداً في غيهم، وإبعادهم عن الرشد والهدوء والحق.

(وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203))

الآية بخصوص الحديث عن الذين يطالبون النبي محمد (ص) بإحضار آية تثبت أنه رسول من عند الله، فيقولون "لولا اجتبيتها"، وتبدأ بالقول " وإذا لم تأتهم" وكأنها تعقب على الآيات السابقة بأن أولئك الذين يستفزون النبي بسبب الخلاف في العقيدة والشريعة هم الذين يقولون للنبي هذا القول " لولا اجتبيتها" لولا اجتبيت لنا آية تثبت صدق ما أنت عليه.
" قل إنما أتبع ما يوحى إليّ من ربي " : وهذا هو الرد المناسب للرسول إلى هذا الطلب يمليه الله سبحانه وتعالى لرسوله، ثم يقول : " هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون"، وهذا هو إشارة إلى القرآن الكريم وما فيه من آيات بينات بأن هذه الآيات هي بصائر من الله، وفي هذا القول كفاية للطلب الذي يطلبه المخالفون والمعارضون للرسالة، يكفي أن ترى هذه الحقيقة يكفي أن ترى هذه البصيرة من القرآن الكريم، يكفي أن ترى أن الرسول على هدى وعلى حق حتى تتبع هذه الرسالة. ولكن هذه البصيرة لن ينالها إلا المؤمنون بالله حق الإيمان.

(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204))

دعوة سلمية،عالية من قبل الله سبحانه وتعالى، النبي لم يجبر أحداً
الله سبحانه وتعالى يؤكد بأن الاستماع للقرآن الكريم يقود إلى الرحمة الربانية، وهذا هو البديل عن طلب الآية المعجزة،

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ (205))

التضرع هو الذي يكون في حالة العسر، والخيفة هي شعور بالخوف من الله سبحانه وتعالى، وهاهنا الآية تأمر بذكر الله سبحانه وتعالى في النفس في حالة من التضرع والخيفة دون أن يكون جهراً من القول، في وقتين مهمين هما الغدو والآصال، والغدو هو غدو الشمس وهو الوقت الذي يكون بعد ظهور نور الشمس بشكل قوي حتى الغداة وهو فترة الظهيرة، أما الفترة الثانية فهي الآصال وهي انكسار الشمس باتجاه الغروب بعد الظهيرة وحتى وصولها إلى مغرب الشمس.

(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206))

وبالمقارنة تقول هذه الآية أن الذين عند الله كالملائكة لا يستكبرون عن عبادة الله في طاعته وتسبيحه، وله يسجدون في إشارة إلى حالة الصلاة الدائمة التي يعيشها من هم عند الله.
الصلاة هي ذكر وفي الذكر تسبيح وقرآن.
أساس التسبيح هو الشعور، وأساس الشعور هو الاعتراف بالنعم التي أولاه الله بها.