مدونة حلمي العلق

سورة آل عمران من آية 130 إلى آية 148

 | ayat | alimran

( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132))

طاعة الرسول في خصوصية الحرب التي تتحدث عنها الآيات، فقد يأمر الرسول ولكن بعض المؤمنين يجد أن هناك طريقة أو أسلوباً غير الذي أمر به الرسول في تنظيم المواجهة مع العدو.

(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133))

أمر إلى المؤمنين بالمسارعة إلى المغفرة وإلى الجنة، والمسارعة تبدأ بعدم التباطؤ وعدم التوقف وتتواصل بالحركة الجدية القوية في تنفيذ الأمر، تلك الجنة أعدت للمتقين، والتقوى في تنفيذ تلك الأوامر الربانية التي يقود حراكها الرسول (ص).

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134))

هذه هي صفات المقصودين بالتقوى في الآية السابقة، وهذه صفات عالية، وتبدأ بالحرص على الإنفاق في السراء والضراء، أن ينفق الإنسان في السراء فهذا شيء متوقع من المؤمنين، ولكن الإنفاق في الضراء هذا أمر مميز جداًً، لا يحققه إلا ذو عزم وإيمان. هذه الصفة وهذا الفعل هو مشابه للأفعال التي تليها في أن الإنسان يقاوم نفسه ويقاوم رغباته، فالإنفاق في الضراء أمر صعب، يشابهه كظم الغيظ الذي يحتاج إلى تحمل، والعفو عن الناس في اعتداءاتهم هو أيضاً من الأفعال التي يأتي بها الإنسان على نفسه.
ما الفرق بين كظم الغيظ وكتم الغيظ؟

كظم الغيظ يعني حبس الغيظ بدون تعب مع قدرة على المواصلة، بينما كتم الغيظ هو حبسه بتعب وعدم قدره على المواصلة وقد يخرج الغيظ المكبوت لأي سبب.أما الكظم لا يخرج أبداً.

(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135))

تضيف الآية إلى صفات المؤمنين المعنيين في الآيات السابقة بصفات مهمة وهي أنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله، والفاحشة هي تجاوز الحد في تحقيق الرغبات بالزيادة أو الاعتداء. ظلم النفس هو الإنقاص من حقها، وفي هذا دلالة على أن الإنسان إذا أذنب وخالف أوامر الله إنما ينقص الحق من نفسه، وبالنسبة للمؤمن المتقي الذي تصفه الآيات فهو إن وقع في فعل الفاحشة أو ظلم النفس ذكر الله، وغير المتقي ينسى الله فيتمادى فيما هو فيه من فاحشة أو ظلم للنفس، وذكر الله هنا يعني التراجع عن هذا الفعل، وبادر بالاستغفار وطلب العفو من الله سبحانه وتعالى، ويوجهون طلب المغفرة من عند الله لأنهم يعتقدون أن لا مغفرة إلا بالتوجه التام لله لا لغيره.
تختم الآية الحديث عن هؤلاء المؤمنين المتقين بصفتهم بعدم الإصرار على الذنب، وذلك الإصرار هو صفة مخالفة لطبيعة المجتمع الذي يحث الإنسان على الإصرار على المواقف.

(أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136))

هو سبحانه وتعالى يعطي هؤلاء مغفرة لظنهم فيه أنه هو الغفور لا غيره سبحانه، ويجزيهم بجنات تجري من تحتها الإنهار خالدين فيها، وهذا هو أجر لهم ونعم أجر العاملين.

( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137))

تذكر أيها المؤمن أن من قبلكم عاشوا في حياة ذات تفاصيل كثيرة، وكانوا يعيشون كل المشاعر التي يعيشها أي إنسان من حب وكراهية ورغبات وطموحات ثم بعد ذلك انتهوا وانتهى تاريخهم، الله سبحانه وتعالى يأمر المؤمنين أن يسيروا في الأرض من أجل تتبع تلك الآثار وتلك المنازل الخالية من أهلها، وخصوصاً تلك الأقوام التي كذبت الرسل، تلك الأقوام التي واجهت رسلها بالعناد وعدم التجاوب، انظروا أيها المؤمنون لهذه الأقوام الآن، هل لهم مقام؟ وهل لهم قيمة بعد كل هذا العناد، لقد سجل الرحمن ردود أفعالهم ثم انتهوا وغابوا عن هذه الحياة وسوف يعودون يوماً ما ليحاسبهم الله على كل صغيرة وكبيرة، وسيحاسبهم في الآخرة كما حاسبهم في الدنيا. " فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين"، انظروا أيها المؤمنون إلى المكذب الذي يخالف الرسالات.

(هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138))

ما تذكره الآيات في هذه الآيات بيان لكل الناس، والبيان هو توضيح وإعلان رباني لكل الناس، وهو أيضاً لهذا الكلام خصوصية للمؤمن المتقي، لأن فيه موعظة وهدى للمتقين.

( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139))

أمر رباني للمؤمنين في حادثة مواجهة المؤمنين في حرب المعتدين عليهم، لا تتهاونوا لا يهون عليك الأمر الرباني الذي أنتم خارجون من أجله، ولا تحزنوا نتيجة للخسارة أو نتائج الخسارة الدنيوية، أو عدم الحصول على ما يتوقعه، " وأنتم الأعلون " تذكروا أنكم أنتم الجهة العليا في هذه المواجهة إن كنتم مؤمنين.
من أكثر الأشياء التي تؤثر على الإنسان هو الجانب النفسي للأمر الذي هو مقبل عليه، فإن كان حزيناً فإن لذلك الحزن أثره على قلبه وعلى حركته، وإن كان مطمئناً فلذلك الاطمئمنان أثره أيضاً في مواجهة الصعوبات.

(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140))

المساس هو شيء داخلي في داخل النفس وليس في خارج الجسد، والقرح هو الصعوبات التي تواجه الإنسان في المواجهات الكبيرة كالحرب، الآية تقول " فقد مس القوم قرح مثله" بما يعني بأن الألم الذي تعايشه الآن هو الآن موجود في الطرف الآخر لأن المواجهة تؤلم الجميع المعتدي ومواجه الإعتداء، فلا تهنوا يا مؤمنين لأنكم تحملون قضية كبرى ودعوا الهوان على الطرف الآخر المعتدي الذي لا يقاتل على أساس من الحقيقة.
وتداول الأيام بيد الله لأن النصر بيده سبحانه، هو الذي يحدد من هو الذي تكون له الدولة في قادم الأيام، "وليعلم الله الذين آمنوا" من خلال هذا القرح ومن خلال هذه الصعوبات، الذين صدقوا حقاً في إيمانهم، "ويتخذ منكم شهداء" أي أن الصعوبات التي مر بها المؤمنون هي محط اختبار لفرز المؤمنين حقاً، ومن أجل إعطاء شارة " الشهادة " لمن صدق في ادعاءه بالإيمان، وهؤلاء الشهداء هم الذين يشهدون الأحداث الهامة في الرسالة، والذين يختار الله منهم رسل للرسالة الربانية.

(وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141))

التمحيص هو الاختبار الذي يفرز الصادق في ادعاءه للمبدأ الذي ادعاه، المؤمن يدعي إيمانه بالله، والمواقف الصعبة في طريق الإيمان هي التي تثبت صدق دعواه تلك، وهذا الذي حصل للمؤمنين في البلاء حين مسهم القرح الذي تتحدث عنه السورة هو من أجل أن يعلم من هو المؤمن الحقيقي (هو سبحانه يعلم الحقيقة ولكنه ليقيم الحجة ) ومن أجل أن يمحص المؤمنين ويبرز مواقفهم الصادقة في هذا الطريق. "ويمحق الكافرين" المحق هو عكس النمو، ومحق الكافرين هو التخلص منهم وإزالتهم بالتدريج.
الانتصار لله يحتاج إلى ثلة مؤمنة تم تمحيصها وانتخابها، وهذا الانتخاب يكون بالاختبارات والمواقف، وبعد التمحيص وحين يتم فرز تلك الفئة المؤمنة فبها يكون محق الكافرين وبها يكون النصر.

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142))

هذه هي سنة الله سبحانه وتعالى وهي التمحيص من أجل معرفة المجاهد حق الجهاد في سبيل الله، والصابر حق الصبر في سبيل الله، وهذا هو هدف التمحيصات التي يمر بها المؤمنون وهو الوصول إلى صدق ما ادعوه.

(وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143))

الآية تخاطب المؤمنين حول ادعاءهم في وقت السلم بأن إيمانهم وصل بهم إلى درجة تمني الموت في سبيل الله، فهي تخاطبهم الآن وتقول: ها أنتم رأيتم الموت أمامكم في هذه الشدة التي وقعت والتي تذكرها سورة آل عمران. في هذه المواجهة رأيتم الموت أمام أعينكم تنظرون إلى الموت أمامكم بأعينكم حين مواجهة العدو، وفي هذا إشارة للفارق الذي يكون بين ما يدعيه الإنسان وبين صدقه في ادعاءه.

(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144))

الارتباط بالله وليس ببشر وليس بشخص، والله سبحانه وتعالى يريد من المؤمنين أن يتعلقوا به لا بشخص الرسول (ص)، فإذا غاب الرسول وابتعد عن الواقع كان الانقلاب والشعور بنهاية هذا المشروع الذي بدأ به الرسول في رسالته.
انقلاب المؤمنين على الأعقاب هو العودة عن الطريق الذي مضوا فيه مع وجود الرسول، فما الذي يجعل المؤمن ينقلب على عقبيه في غياب الرسول؟ إلا إذا كان ذلك المؤمن متعلق بشخص الرسول، الآية تؤكد أن القضية متعلقة بالله، والله سبحانه وتعالى موجود في كل مكان وفي كل زمان، " وما محمد إلا رسول؟" هو مجرد رسول يوصل رسالة ويؤدي أوامر الله، وحقيقة الأمر أنه من عند الله فقط.
يبدو من الآية أن المؤمنين عاشوا حالة أشيع فيها خبر موت الرسول الأمر الذي أدى إلى ارتباكهم في مواجهة العدو، والآية بصيغة العتاب، أنه لماذا ترتبكون إن مات النبي أو قتل؟ أليس، ما الذي تعتقدونه في هذا الشخص؟ ما هو إلا رسول، والأمر هو الله سبحانه وتعالى وليس لغير الله، والمشروع هو مشروع الله وطريق الله والله حي لا يموت.

(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145))

الموت ليس باختيار الإنسان، والموت هو بإذن الله سبحانه وتعالى، فإن كنتم مرتبطين بالله، وسمعتم بموت أحد فاعلموا أن موته بإذن الله وليس باختيار أحد ما، فالموت كتاب مؤجل من عند الله، أي أنه شيء مكتوب على الإنسان محدد الوقت.
يختلف مفهوم الموت لدى كل فرد ويؤثر ذلك على حركته وحقيقة الموت كما يعرضها الله في كتابة ليست حاضرة لدى كل مؤمن وفي بعض الأعمال الإيمانية لا تظهر حقيقة كل فرد وهي عند الله، " ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها" ، من لا يؤمن بهذه الحقيقة يرد ثواب الدنيا من متاع وغرور، ومن يؤمن بتلك الحقيقة يطلب ثواب الآخرة، يطلب ما عند الله من ثواب في الآخرة وليس في الدنيا العاجلة. " وسنجزي الشاكرين" من يعمل عملاً من أجل الآخرة، فعمله هذا شكر لله، والله يؤكد بأنه سبحانه سيجزي الشاكرين.

(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146))

تكلمة للآية السابقة تقول الآية السابقة أن الله يجزي الشاكرين، ثم تخبر هذه الآية أن الذين يقاتلون مع النبي إذا كانوا ربيون بمعنى "ربانيون" وهم الذين عرفتهم آية سابقة (79) وهم الذين يدرسون الكتاب دراسة حقيقية ويتبعون شرائعه وأحكامه. هؤلاء الربانيون الذين يقاتلون مع أنبيائهم تكون سلوكياتهم أثناء الأزمات هي أنهم لا يصيبهم الوهن، ولا يضعفون ولا تصيبهم الإستكانة، والله يحب الصابرين، كل تلك هي صفات الصابرين.

(وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147))

استكمالاً للآية السابقة التي تحدثت عن الربيُّون الذين يقاتلون مع النبيين الذين لم يهنوا لما أصابهم في سبيل الله، فتضيف هذه الآية قولهم أثناء تلك الأزمات والصعاب وهو طلب المغفرة من عند الله وطلب المغفرة على الإسراف على النفس على حساب أمر الله، وطلب تثبيت الأقدام وطلب النصرة من الله على القوم الكافرين. الآية تؤكد أنهم لم يقولوا غير هذا القول، على أنهم لم يُبدوا استياءً أو تضجراً ولكنهم كانوا يطلبون العفو والمغفرة وتثبيت الأقدام.

(فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148))

نتيجة لهذا العمل وهذا الثبات وهذا الإيمان، آتاهم الله ثواب الدنيا والذي يشمل النصر والغلبة، وثواب الآخرة وما فيه من رضوان الله وعز ودخول الجنة.