سورة آل عمران من آية 190 إلى آية 195
| ayat | alimran(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190))
تبدأ الآيات في مقطع جديد من الآيات تتحدث فيه عن تعامل المؤمن الحقيقي مع آيات الله الكونية، وأن المؤمن الحقيقي هو من أولي الألباب، واللب هو جوهر الشيء وحقيقته والذي يفهم من خلاله الإنسان ماوراء القوانين الطبيعية، فأولوا الألباب هم الذين ينظرون إلى قواعد الغيب ذلك هو اللب لهذا الظاهر الذي تنشغل به العين المادية، وحتى النظر إلى آيات الخلق في السماوات والأرض، وآيات اختلاف الليل والنهار لا يكفي فيها البصر بل تحتاج إلى بصيرة وهي النظر إلى ألباب الأمور وحقائقها الغيبية.
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191))
الذكر الحقيقي لله سبحانه وتعالى وليس الذكر السطحي الذي ليس له مردود حقيقي في حياة المؤمن، والذكر المتواصل تعني عدم وجود الانقطاع مع الله، هم يذكرون الله قيامًا وقعودًا وهذه هي أفعال الصلاة، هم يذكرون الله في حالة القيام لله وهذه الحالة تشمل القيام والركوع، وقعودًا وتشمل الجلوس والسجود، أما قوله " وعلى جنوبهم " فهي هذه حالة خارج الصلاة فهي تكون قبيل النوم أو بعد النوم، أو تكون حالة المؤمن الذي لا يستطيع أن يقوم للصلاة لعارض أو لمرض يمنعه من القيام.
"ويتفكرون في خلق السماوات والأرض" منبع هذا الذكر هو تفكرهم في خلق السماوات والأرض وهذا التأمل وهذا التفكر أوصلهم للاعتقاد الحقيقي بأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا الكون باطلاً، وخلق الكون بالباطل يعني أنه بلا قانون وبلا عقاب، وهذا ما يدفعهم لأن يقولوا " سبحانه فقنا عذاب النار" لاعتقادهم أن الله سبحانه وتعالى لن يتغاضى عن أحد في الحساب لأي اعتبار من الاعتبارات أو لأي معتقد من المعتقدات التي يضيفها الإنسان من أجل أن يخفف اعتقاده في العقوبة الأخروية.
(رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192))
تتمة الدعاء في الآية السابقة هنا، فهؤلاء الذين يعتقدون بالقيامة وبالنار حق الإعتقاد يخشون الله حق الخشية، هم يشعرون بخوف حقيقي من الخزي الذي ينال الإنسان حين يدخل النار، فلا خزي بعده، وقد أصبح هذا هو همهم ا لأكبر في الحياة. " وما للظالمين من أنصار" إشارة إلى الذين ظلموا في ذكر الله والذين ظلموا في حقائق الكون وحقائق الكتاب واعتقدوا أن هناك من سينصرهم يوم القيامة، وهذا الاعتقاد شرك، والشرك ظلم عظيم.
(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193))
هذا الدعاء يعبر عن حالتهم مع النبي محمد (ص)، ولقد عبرت الآية عن النبي أنه منادي للإيمان، وأنهم استجابوا لداعي الله بصورة عامة وليس بخصوصية للنبي من يكون! وهذه إحدى مشاكل الإنسان، من يكون الرسول؟ وهي ذات المشكلة التي وقع فيها أهل الكتاب الذين كذبوا بالرسول، لأنه لم يأت عظيماً على بغيتهم، ولكن المؤمنين حق الإيمان لا ينظرون إلى شخص المتحدث ولكن ينظرون إلى المتحدث عنه، إلى ماذا كانت الدعوة؟ الدعوة كانت لله، إلى الرب.
(رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194))
ما وعد الله سبحانه وتعالى المؤمنين من أن من آمن بهذا الكتاب وآمن بهذه الدعوة فإن له الجنة وأن الله سبحانه وتعالى سينجيهم من النار، والخزي هو في القرار الصادر لحظة إصدرار القرارات يوم القيامة في من سيدخل الجنة، ومن الذي سيدخل النار؟
" إنك لا تخلف الميعاد " إيماناً منهم أن هذا هو وعد الله وليس خدعة من أحد.
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195))
الآية تتحدث عن ما سيحصل يوم القيامة، بأن الله استجاب لهم هذا الدعاء وأن الله لن يضيع عمل عامل منكم أنتم الذين دعوتهم بهذا الدعاء أنتم الذين وقفتم هذا الموقف مع الرسول أنتم الذين صدقتم هذا الرسول وتعرضتم بسبب هذا الإيمان إلى الأذى وأدى ذلك بكم إلى الهجرة والإخراج من الديار والأذية في سبيل الله، ثم وصل الأمر إلى أنكم قاتلتم في هذا السبيل.
" لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الإنهار"
وأن الله سبحانه وتعالى يؤكد أن هذا الدعاء الذي دعوه في الدنيا قد تحقق لهم في الآخرة.
" ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب"
وهذا الثواب هو عكس ذلك الخزي الذي كانوا يخشونه ويدعون الله بأن لا يصابوا به يوم القيامة، والله عنده حسن الثواب، ثواب حسن تقر به الأعين.