مدونة حلمي العلق

سورة آل عمران من آية 64 إلى آية 71

 | ayat | alimran

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64))

بعد الحوار الذي تم بين النبي وبين أهل الكتاب حول حقيقة نبي الله عيسى(ع)، هذا أمر من عند الله سبحانه وتعالى إلى النبي محمد(ص) أن يوجه الخطاب إلى أهل الكتاب بأن يتحدوا في كلمة سواء، هذه الكلمة موجودة لدى النبي في القرآن ولدى أهل الكتاب في كتبهم السماوية في التوراة والإنجيل وهي أن لا تتخذوا أحداً رب من دون الله، وهو يقول ذلك بعد أن لم يقتنع أهل الكتاب بأن عيسى ليس ابن الله، فذهب إلى المستوى الثاني وهو أن هناك من يتحدث بإسم عيسى ويحرف في الدين، فتعالوا نعتمد هذه القاعدة الهامة والتي هو من أساسات الملة بأن لا نقول على الله إلا الحق ولا نقول الكذب على الله، وهذا الأساس موجود كوصية بأن لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا عن هذه الدعوة فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون لله في آياته وفي كتابه.

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (65))

هو خطاب لأهل الكتاب تعقيباً على الآيات السابقة، كل من الطائفتين يدعي أن نبي الله إبراهيم إلى الملة التي هم عليها، هي محاججة على أساس أبوة نبي الله إبراهيم عليه السلام، لو أخذنا هذه الآية على موضوع ادعاء بنوة عيسى (ع) فهي تؤخذ من جانب الأصل في الملة هو إبراهيم وليس لغيره من أبناءه من الأنبياء من بعده، والمبالغة هي التي تغير هذه المركزية التي هي لإبراهيم، وتغير بعنوان أن إبراهيم وهو الأب وهو الإمام والأساس أنه تابع للملة اللاحقة، وهذا لا يصح عقلاً ، أفلا تعقلون.

(هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (66))

هم حاججوا في عيسى (ع) على أساس أنه ابن الله والله يقول في القرآن خلاف ذلك أنه عبد من عبيد الله، والله يقول لهم إذا كنتم حاججتم في عيسى على أساس أنه لديكم علم به، فماذا تحاجون في الذي ليس لكم به علم وهو نبي الله إبراهيم وفي حقيقته ماذا كان، وكيف كان؟ والله يعلم أي أن ما يطرحه الله في كتبه السماوية هي الحقيقة عن إبراهيم وماذا كان؟

(مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (67))

هذا هو أصل موضوع الآيات السابقة، فالمجادلة كانت حول إبراهيم وكان رد الله سبحانه وتعالى هو أنه لم يكن يهودياً ولا نصرانيا ولكن كانا حنيفاً مسلماً وماكان من المشركين.

(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68))

أولى الناس بالحديث عن نبي الله إبراهيم هم الذين اتبعوه، وهذه الكلمة تأت لإخراج أولية النسب لنبي الله إبراهيم ولكن الأولية هي للاتباع، وتعني اتباع القيم والدين المنزل عليه، وليس لأنكم أيها اليهود والنصارى ترجعون بنسبكم إلى نبي الله إبراهيم فهذا يعني أنكم أولى بالحديث عنه. وهذا يشير إلى أن نبي الله إبراهيم هو رمز للقيم والدين وليس أب نسبي، ولا يحق لأبناءه من بعده استغلال اسمه من أجل طائفيتهم. وقوله تعالى " وهذا النبي" هي إشارة إلى النبي محمد (ص) وتأكيد على أن النبي محمد لم يأت بملة جديدة وإنما هو متبع لملة إبراهيم.
والله ولي المؤمنين، فالله هو الذي يتولى المؤمنين لأنه يخرجهم من الظلمات إلى النور من خلال الكتاب السماوي الذي أنزله الله سبحانه وتعالى عليه.

(وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69))

بدأت الآية تخاطب المؤمنين وتتحدث لهم عن حقيقة مكمونة في أنفس طائفة من أهل الكتاب وهي رغبتهم في أن ينحرف النبي والذين آمنوا معه عن ملة إبراهيم الخالصة من الإضافات التي أضافتها هذه الطوائف. وهذه الرغبة قد تكون حاضرة عبر العصور، وإضلال الآخر يتوجب أن يقتنع الضال بضلاله أولاً ثم هو يحاول أن يقنع الآخر بهذا الضلال، وبهذا هو يضل نفسه أولاً، ولن يستطيع أن يضل أحد.
الآية تأت في سبيل كشف وفضح حقيقة طائفة من أهل الكتاب.

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70))

أهل الكتاب هم عموم الذين أنزل عليهم التوراة والأنجيل وليس بالضرورة أن يكونوا متبعين له، والله سبحانه وتعالى يقول لهم: كيف تكفرون بهذه الآيات التي تنزل على النبي محمد في القرآن الكريم حول هذه الحقائق، وأنتم تشهدون من خلال كتابكم السماوي أن كلام القرآن مصدق لما معكم.

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71))

إلباس الحق بالباطل هو تزيين ذلك الباطل بلباس يجعله حق ويراه الرائي لأول وهلة أنه الحق، ولكن الممحص لذلك الملبس يكشف حقيقته الباطلة، وهذا كله محاولة لتثبيت ما لم يقره الله سبحانه وتعالى في القرآن من عقائد في عيسى وغيره. والآية تقول أن مرجعيتكم العلمية من الكتب السماوية تثبت الحقائق التي يقولها نبي الله محمد من خلال القرآن عن حقيقة عيسى (ع).
وهؤلاء من الذين يخاطبهم القرآن من أهل الكتاب يدعون لأنفسهم ولا يدعون إلى الله.