سورة القلم من آية 34 إلى آية 47
| ayat | alqalam(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)
تقرير بأن للمتقين الذين نفذوا أوامر الله سبحانه وتعالى جنات النعيم، والتساؤل افنجعل المسلمين كالمجرمين ؟ ما لكم كيف تحكمون؟ من هم المسلمين ومن هم المجرمين، كلا الوصفين متعلق بآيات الله، المسلم هي صفة من أسلم وليس إسماً، كما قال الله سبحانه وتعالى (فلما أسلما وتله للجبين) أسلم نبي الله إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل في نفس الوقت ونفذا الأمر طواعية بلا حرج في نفسيهما ( ولا يجدوا حرجاً في أنفسهم مما قضيت ويسلموا تسليما)، فالإسلام للآيات هو تماماً كإسلام نبي الله إبراهيم في أشد أمر أمر به وهو ذبح ابنه قرباناً، تقول الآية الشريفة ( وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81))، ولنا في قصة ملكة سبأ خير مثال يوضح معنى الإسلام فحين ألقي إليها كتاب كريم من سليمان (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)) أسلمت له وذهبت له طائعة بلا مقاومة وحين أراها عرشها ماثلاً أمامها أسلمت لله رب العالمين (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)). في المقابل فإن المجرمين هم أناس كفروا بآيات الله وسعوا في أن يصدوا الناس المؤمنين عنها بالمكر والخديعة، رفضاً لأن تسود هذه الحقائق وتلقى لها قبولاً في نفوس الناس.
إذاً الآية تتساءل هل نجل الشخص الذي أسلم لآيات الله واستقبلها بقلبه ونفذها طائعاً دون حرج، كذاك الشخص الذي جحد بالآيات ومكر مكره من أجل أن يبتعد الناس عن كتاب الله؟ فمالكم كيف تحكمون، وهذا التساؤل إن دل فإنما يدل على أن هناك من جعل هذا المجرم في منزلة المسلم، وهذا الجعل لم يكن بمسماه الحقيقي، أي أن الذين جعلوه مسلماً لا يعترفون أنه مجرم ولكن القرآن يعرفه بحقيقته.
((36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ (38))
الآية تتساءل: هل عندكم كتاب فيه تدرسون ونحن لا نعلم به؟ وهذا تقرير بأن الطريق الصحيح لإقرار أي عقيدة أو حكم شرعي هو من الكتاب السماوي، وأن الوسيلة الصحيحة لأخذ العلم منه هو دراسته.
إن لكم فيه لما تخيرون؟ هل قيل في هذا الكتاب المفترض أن اختاروا ما تريدون من العقائد ومن الشريعة واعتمدوها ومن يفعل ذلك فإنه مسلماً عند الله؟
(أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39)) سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)
وهنا التساؤل الثالث: هل أعطاكم الله عهداً بأنكم احكموا في الدين بما شئتم ثم اتوا يوم القيامة آمنين؟ اسألهم أيهم يزعم ذلك ؟ أيهم يدعي أن الله عهد له أنه يحكم بما يشاء أن يقضي بما يشاء ثم يأت آمناً يوم القيامة ، لأن الحكم لله والشرع لله يحكم به على عباده بما يشاء، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.
(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41))
التساؤل الرابع: الآية تؤكد أنه لا يوجد لهم شركاء، والشركاء هم الذين يشرعون في الدين، ولكن المشكلة هي أنه لديهم شركاء، ولكن الآية تنفي الشراكة الحقيقية، هي شراكة مفترضة من قبلهم ولكنها ليست حقيقية أي أنهم ليس لدى أي أحد الحق في التشريع لأن مشرع الدين حق للخالق وليس لغيره، وعلى هذا الأساس نرى أن كثير من الآيات تنفي وجود من شارك الله في الخلق حتى تنفي أحقية غير الله في التشريع، وهذه الحالة ليست مشترطة بوجود صنم أو حالة سجود حقيقية لهذا الشريك يكفي الانصياع له بالطاعة.
(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43))
الآية تذكر مشهد يحصل يوم القيامة وهو الكشف عن ساق للماء في ذلك اليوم، وفي تلك الحالة يدعون إلى السجود لله طاعة لله، ولكنهم لا يتمكنون من فعل ذلك، وقد كانوا يدعون إلى السجود في الحياة الدنيا وهم في حالة من السلم ودون إكراه ولكنهم لا يستجيبون لذلك الأمر.
(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45))
تهدد هذه الآية من يكذب بهذا الحديث وهو هذا القرآن الكريم، وهذا يعني أن هؤلاء المخاطبون بهذه التساؤلات كذبوا بهذا به لأنه يخالف أهواءهم وشرائعهم التي ابتدعوها بإسم الدين وتدينوا بها، والتكذيب بالقرآن يتطلب أن يكون الإنسان واع ومدرك لما فيه من آيات بينات.
وتهدد الآية أنه سيتم استدراجهم من حيث لا يعلمون، أي أن فسادهم سيزداد مع الأيام وبعدهم عن آيات الله ستأخذ طور بعد طور بالإملاءات التي هي من خارج الكتاب، وهذه الإملاءات إنما هي إملاءات شيطانية ولكن الله سبحانه وتعالى استدرجهم حتى يأخذوا منها ويتدينوا بها ليقعوا في أسوأ حالة، وتختم الآية بقولها أن كيد الله في هذا الأمر متين فلا يفلت منه الكافرون.
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46))
التساؤل الخامس: هل تسألهم أجراً على دعوتك لهم لهذا الكتاب حتى يكون هذا الأجر غرامة ثقيلة لا يستطيعون تأديتها.
(أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47))
التساؤل السادس: هل عندهم الغيب فهم يكتبون، هل أنتم متصلون بالسماء وتعلمون حقائق الغيب التي ستحصل يوم القيامة فكتبتم هذه الغيبيات واعتمدتم عليها أم أنتم ترجمون بالغيب؟