مدونة حلمي العلق

سورة الشعراء من آية 176 إلى آية 277

 | ayat | ashuara

(كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ (184))

دعوى نبي الله شعيب عليه السلام هي التقوى التي تتجسد في صلاح الظاهر في التعاملات المادية، وهو بأن لا يبخسوا الناس أشياءهم حين الكيل وأن يزنوا بالقسطاس المستقيم، ثم قول لهم نبي الله شعيب اتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين، اتقوا خالقكم، فهل هذه دعوة تستدعي الشك أو التكذيب؟ والجبلة الأولين إشارة إلى الأعداد الهائلة من البشر التي سبقتهم، وإشارة إلى أنهم هالكون كما هلكت تلك الأمم وسيكونون في تاريخ الإنسانية كما أولئك أصبحوا من ماضيها. وهذا الخطاب يجب أن يستحث في المؤمن أن يراعي ردود أفعاله جيدًا فاللحظة التي يدعى فيها للتقوى والخوف من الله، هناك توثيق غيبي مباشر لردود أفعاله تجاه هذه الدعوة، والمذكر بهذه الدعوى يذكر بتقوى الخالق الذي خلقكم وخلق من قبلكم الكثير، الذي اختبركم واختبر من قبلكم الكثير وليس بعزيز عليه كفركم ولا ما تذهبون إليه من تبجح وتكبر.

فماذا كانت ردة فعل قوم شعيب؟ لقد انشغلوا عن الدعوة وعن قيمتها وعن ما تحويه من مبادئ وتوجه لله وإصلاح للنفس إلى من هو القائل؟ هل يستحق هذا القائل أن يتبوأ هذا الموقع؟ هل يستحق هذا الشخص البسيط أن يكون داعيًا لله وداعيًا لدين الله؟ هل دين الله رخيص لهذه الدرجة حتى يكون شرعة لكل وارد؟ ذلك لأنهم لا يستطيعون رؤية الله في كل حدث، لا يستطيعون تمييز الغيب في كل لقطة من لقطات الحياة، ولأن الله غائب في قلوبهم لذلك يتعاملون على أساس أن الله غائب في واقعهم كذلك، ولأن قول هذا الرسول قيم وتحتاج هذه القيمة إلى تفسير، فلم يجدوا تفسيرًا لها إلا أن يكون مسحورًا

(قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنْ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189))

الله سبحانه وتعالى يترجم الواقع، وليس بالضرورة أن ينقل نص الكلام، وإنما يترجم القول بما يحويه من فحوى ومضمون بنظرة الغيب ونظرة الحقيقة، فعندما يقولون أسقط علينا كسفًا من السماء فهذا ليس لأنهم يعتقدون أنهم يقوون على العذاب، ولكن لأنهم يعتقدون أن كل ما يقوله شعيب وهم ولا يمت للواقع بصلة، ومن المستحيل أن يرسل الله بشرًا مثل شعيب حتى يكون حاملًا لرسالة الله، ويكون منذرًا حقيقيًا لعذاب الله، وقد يكونوا بادروه بالإعراض وعدم الاكتراث وبالتقليل من شأن قوله، وكأنهم يقولون، نحن لا نكذب الرسالات، ولكن هذا ليس شكل رسالة! ليست هكذا تكون رسل الله! فكان رده على عدم اهتمامهم بدعوته والتقليل منها هو " قال ربي أعلم بما تعملون " ، هو وحده الذي يعلم حقائق ضمائركم وهو الذي يترجم ما تتضمنه صدوركم من حقيقة أنكم تريدون الله أو لا، ولكن الحقيقة أنهم مكذبون واستحقوا بذلك عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم.

الآيات تؤسس لمفهوم مهم حتى يكون مقدمة للحديث عن رسالة النبي محمد الذي تم تكذيبه هو الآخر، وهو أن قيمة الرسالة في قيمة الدعوى إلى الله، في الحقيقة التي تحملها، وفي البيان الذي تلمسه الفطرة السليمة وليس في قيمة الشخص، فمتى ما تم إشعار القلب بالحقيقة كانت عليه الحجة بالغة يوم القيامة.

وكذلك تبين هذه الآيات الشريفة بساطة التكذيب بالرسول، فبهذه السهولة التي استهانت بها الأقوام السابقة استحقت العذاب الأليم، والموقف ليس بعيدًا عن الأقوام اللاحقة، هو أمر واقع وهي سقطات إيمانية كبيرة يستهين بها الناس ولا يعلمون أنها موطن من مواطن غضب الله سبحانه وتعالى وسخطه، وعلى هذا أسست الآيات السابقة لموقف جديد وهو موقف الناس من رسالة النبي محمد (ص)، فهو ذات الموقف وهي ذات السقطات على الرغم من تكرارها وعلم الناس بها في تاريخ الرسالات:

(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195))

هنا تتحدث الايات وكأنها ترد على من استهان بالقرآن حين تنزيله، وبالحقيقة التي نزلت على النبي محمد (ص)، وبعد أن أسست الآيات السابقة إلى أن ما مضى من وضع الرسل السابقين إنما هو آية لمن جاء من بعدهم، إلا أن أكثرهم لا يؤمنون! ثم تعقب الآية التالية لها بأن الله سبحانه وتعالى هو العزيز الرحيم.
ثم تمضي الآيات مؤكدة أن هذا الذي نزل على النبي محمد إنما هو تنزيل من رب العالمين، ذلك لأن الذين تكبروا لا ينكرون الله لكنهم ينكرون كلامه وبلسانكم ولكن الحجب كانت في القلب عن استيعاب الحقيقة.

(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209))

يجب الالتفات في هذا المقطع إلى أن المخاطبين هم أهل كتاب، هم ممن يؤمنون بالديانات وليسوا من الملحدين الذين لا يمؤمنون بالله، أو لا يمؤمنون بحقيقة إرسال الرسل، بل هم على دين ولديهم كتبهم ، والآيات الشريفة تتحدث على أساس أن ما جاء به القرآن الكريم هو في زبر الأولين، أي في كتبهم السماوية، فما يحويه القرآن هو ما حوته الكتب السماوية السابقة، فإذا كان الحديث هو الحديث، والقول هو القول، وبشهادة من علماء بني إسرائيل فما الذي دعاهم إلى الكفر به؟ هنا مصداق على أن الذين يكفرون بالرسالات لا ينظرون إلى المضمون ولا إلى الحقيقة ولا يريدون أن ينظروا إليها حتى لا تتحقق صدق دعوى من جاء بالحق، وإنما ينظرون إلى القائل، فقلوبهم في انشغال بعيد عن الحق إلى الشخص وإلى من يختاره الله، ففي اعتقادهم أن الرسالة وقعت عند الشخص الخطأ لذا فهي ليست من عند الله.

ويبين الله سبحانه وتعالى أن لآياته سلوك، هي تنفذ في القلوب المؤمنة به، ولكنها تنصرف وتبتعد عن قلوب المجرمين الذين أجرموا في دين الله، فلا يؤمنون بحقيقة ما أنزل الله حتى يروا العذاب الأليم، وهذا العذاب سيأتي ولكن حين يأتي لا ينفع نفس دعت وطالبت بالإمهال والنظرة، وأن العذاب يأتي على الأمة التي أنذرت، فإذا إنذرت وذكرت بالحق ، حق عليها أن يعذبها الله وما ذلك على الله بعزيز.

(وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَى أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227)