التأويل الأول
| astudy-in-the-verse-of-Sharia# تأويل العبارة
العبارة تأوّل بوضع المقدر المحذوف فيها، يوجد لهذه العبارة تأويلان:
# التأويل الأول
لكلِ ( رسول ) جعلنا من ( الأمم الثلاث)، ( دينًا هو ) شرعة ومنهاجا.
إذا وضعنا الرسول في الفراغ الأول، يتحدد معنى الفراغ الثالث، فيصبح معنى الدين أنه دين مختلف مغاير عن الذي هو موجود في الأمة الأخرى، والله هو الذي شرعه لهم كدين مختلف، لأن الذي جاء به رسول من عند الله، له أحكامه الخاصة المختلفة عن بقية الرسل.
بنظرة إلى الآية، نجد أن ما بعد هذه العبارة كلمة الأمة: (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة)، مما يرجح أن كلمة الأمة كانت موجودة ضمناً في العبارة السابقة، فيمكننا أن نقدر العبارتين معًا : ( لكل أمة جعلنا من الأمم الثلاث دينًا هو شرعة ومنهاجاً لهم ، ولو شاء لجعلكم أمة واحدة)
والمرجح هنا أن أن تحل كلمة (الأمة) كمقدر محذوف في الفراغ الأول بدلًا من كلمة (الرسول). ليكون الحديث عن اختلاف أمم وليس اختلاف رسل، وفارق بين الإثنين، فاختلاف الأمم ليس بالضرورة أن يكون ناتج عن اختلاف الرسل، ولكن قد يكون ناتج من أفعال الأمم نفسها. ويكون تقدير القول هو ( لقد اختلفت أممكم الثلاث في شرائعها ومنهاجها، ولو شاء الله لجعلكم بشرع واحد ونهج واحد). وهذا ما يرجح التأويل الثاني وهو:
# التأويل الثاني
لكلِ ( أمة ) جعلنا من ( الأمم الثلاث)، ( دينًا هو ) شرعة ومنهاجا.
إذا كان التقدير في الفراغ الأول هو للأمة، فيمكن أن يؤخذ المعنى باتجاهين أيضًا:
# الاتجاه الأول
أن الله هو الذي حكم بهذا الاختلاف بأن أنزل أحكام الإنجيل مختلفة عن التوراة، والقرآن مختلف عنهما، فأصبحت كل أمة لها دينها المشروع لها والمختلف عن الآخر بسبب اختلاف التنزيل، فيكون تأويل الجعل أنه تشريع منصوص من عند الله. لكن هذا الفهم يناقض السياق في:
# أ- يناقض ما بدأت به الآية الحديث
بقولها (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب)، حيث أعطى القرآن الذي أنزله على نبيه مسمى الكتاب، وأعطى التوارة والإنجيل اللذان هما من قبله مسمى الكتاب أيضًا، فكيف يكون القرآن مصدقٌ لما بين يديه وهو يحمل أحكامًا مغايرة عن أحكام الكتب التي سبقته؟
# ب- يناقض خاتمة الآية
ثم إذا كانت هذه الكتب لا تشترك في أحكام وعقائد واحدة، فلم تختم الآية بقولها
﴿ إِلى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾
لم هذه المحاسبة على هذا الاختلاف، والأمم في الأساس لا تتشارك في حكم؟ لا داعي أصلًا للجدال أو الاختلاف، فأصل دعوى الاختلاف باطلة، دعوى الاختلاف تكون قائمة حين نكون مشتركون في ذات المصدر، أما إذا اختلف المصدر فلا وجود لدعوى الاختلاف أصلاً، ولا داعي للمحاسبة يوم القيامة، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي حكم بهذا الاختلاف.
# ج- التحذير من اتباع الأهواء
أضف إلى ذلك أن الآية التالية تحذر النبي محمد (ص) من أن يتبع أهواءهم، فهل يصح أن نصف ما أنزل الله عليهم من أحكام وشرائع بأنها أهواء؟! فالأولى أن يمنع النبي من اتباع أحكامهم فيقول لك شرعتك ولهم شرعتهم. وقد تأخرت هذه العبارة عن العبارة المعنية بالدراسة بالقول :
﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ﴾
فهل يستقيم المعنى في أن الذي شرعه الله لهم هو أهواء؟! ثم هذا ما أكدته الآية التالية لهذه الآية المباركة:
﴿ وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ المائدة (49)-(50)
# د - التولي
وهل يصح أن يكونوا متبعين لشرع الله في كتابه التوراة أو الإنجيل، ثم تقول للنبي : فإن تولوا عنك وعن الشرع الذي أنزل إليك فاعلم أنما يريد الله أن يصبيهم ببعض ذنوبهم، فهل إقامة التوراة ذنب؟ أو أن إقامة الإنجيل ذنب؟ بل إن الآية تؤكد أنهم فاسقون! فاسقون عن ماذا؟ عن حكم الله، أي حكم؟ الحكم الذي أنزله الله عليهم في كتبهم. وأنهم يبتغون حكم الجاهلية ولا يبتغون حكم الله، ناظرين بعين الاعتبار أن الآية السابقة أمرت أهل الإنجيل بإقامة الإنجيل، إذ لازالت أحكام الإنجيل قائمة حتى بعد نزول القرآن،
﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾ المائدة(47)
كما أن الله سبحانه وتعالى وصف الأحكام التي نزلت في التوراة بأنها هدى ونور كما في الآية السابقة :
( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى ) المائدة (44)
# هـ - تطابق الأحكام في آية 43
الآية (43) تؤكد أن حكم التوراة مطابق لحكم القرآن ولا اختلاف بينهما :
﴿ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ (43)
الآية تقول للنبي سواء أنهم حكموا عندك (والنبي يحكم بالقرآن) ، أو حكموا بالتوراة فالحكم واحد.
# و- المنطق
ليس من المنطق أن ينزل الله عدة أديان، المنطق أن لله دين واحد، وإن اختلفت اللغات وينزل على جميع الطوائف حتى يكون حجة على الجميع وهذا ما تؤكده كثير من الآيات في القرآن الكريم قد لا يتسع المقام لذكرها. لذا فإن هذا الاتجاه في فهم هذه العبارة غير متقبل لأنه لا ينسجم مع المنطق ولا مع السياق القرآني التي وردت فيه الآية ولا بالرجوع لبقية مفاهمي القرآن الكريم، وعليه نتجه للاتجاه الثاني.