سورة التوبة من آية 111 إلى آية 116
| ayat | attawbah(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111))
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم حين بايعوا الرسول، ولقد سبقت هذه الحرب بيعة الرضوان التي قالت فيها الآية : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يباعونك تحت الشجرة )، الشراء يقابلة كلمة البيع ، والبيع في الدين هو البيعة للرسول على المضي معه على ما يأمره الله به.
هذا هو خصوص الآية بالنسبة للحدث التي تتحدث فيه، ولكن لإيمان المؤمن العادي الذي لم يشهد الرسالة له في عنقه بيعة لله بأن له النفس والمال، على المؤمن أن يتعامل مع الله على أساس أنه مباع ولله كامل البيعة وليس للمؤمن أن يأخذ من هذه البيعة شي، وعليه يكون احساس المؤمن أن نفسه وأمواله كلها لله، وبالتالي لا يشعر بحرص عليهما في اتجاه الله.
مقابل هذه البيعة هو الجنة، فكيف يكون لأحد شيء في بيعة ما دون أن يفي بالدفع حتى يحصل على المقابل.
يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وهذا الوعد موجود في التوراة والإنجيل والقرآن، لقد وعد الله، واندماج هذه الكتب السماوية الثلاثة في هذا الحدث له دلالة أن الذين يقاتلون الآن إنما هم يقاتلون في ذلك السبيل الذي ذكر في التوراة وهو نفسه الذي في الإنجيل وهو الآن في القرآن، فهذه الفئة هي تقاتل في هذا السبيل، إذا هم الممثلون الحقيقيون للكتب السماوية، والذين يقاتلونهم لا يمثلون حقيقة الله، هؤلاء يقاتلون في سبيل الله، أما أولئك يقاتلون في سبيل الطاغوت، هؤلاء حوربوا لأنهم يحملون راية الكتب السماوية الحقيقية لأنهم تحدثوا عن حقيقة الكتب السماوية فهم من يمثل الحقيقة.
ومن أوفى بعهده من الله.
(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (112))
الله سبحانه وتعالى يصف المؤمنين الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم في الآية السابقة،
التائبون : التائب الذي تاب إلى الله سبحانه وتعالى وقبل الله توبته
العابدون : مقيمي العبادة بشكل دائم
الحامد : الذي يحمد الله على كثرة نعمه
السائح : الذي يسيح بالتفكر والتسبيح والذي يتفكر في آلاء الله ونعمه.
الراكعون : كثير الركوع ، وهذا لا يكون إلا أثناء الصلاة، وهذا يربطنا بالصلاة وحقيقتها ، فالصلاة هي حالة من التوبة وسياحة في آلاء الله من آياته.
الساجدون : كثيروا السجود وطويلي السجود، وهذا السجود ليس سجود شكلي وإنما سجود حقيقي لله سبحانه وتعالى، فيه اعتبار لحمد الله واعتبار للسياحة في آلاء الله.
الآمرون بالمعروف : الذين يأمرون بما يأمر الله سبحانه وتعالى.
والناهون عن المنكر : الذي يرفضه كتاب الله والذي لم يأمر به الله.
والحافظون لحدود الله : الحدود التي بينها في كتابه.
وبشر المؤمنين : بشر من آمن وعمل واستقام على ما أمر الله به.
(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113))
الآية تعاتب المؤمنين الذين طلبوا المغفرة للمشركين على الرغم من أنهم علموا أنهم يعادون دعوة الله وبالتالي هم من أصحاب الجحيم.
(وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114))
ثم يبين أن استغفار ابراهيم الذي يعلمونه، إنما كان لأن إبراهيم وعد أباه بأنه سيستغفر له، حين قالت الآية الشريفة : " سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا"، لقد وعده بأني سأدعو لك بالمغفرة، فلا تتخذوا هذا الاستغفار كدين دون أن تعلموا أن لهذا القانون استثناء، واستثناءه أنه عندما تعلم أن هذا المشرك عدو لله، فلا يصح أن تستغفر له.
(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115))
الله يبيّن للمؤمنين ما يتقون، في إشارة إلى العلاقات المتداخلة بين المؤمنين والمنافقين، وهذا التداخل يتطلب من المؤمن تقوى، وما معنى هذه التقوى، أن لا يسمح المؤمن للمنافق أن يكون له دخل أو ولاية حتى لا تكون تلك المداخلة سبب في إفساد الدين.
(إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116))
الآية تبيّن حقيقة عقائدية هامة يحتاجها المؤمن في مثل هذه المواقف، وهو اعتقاد أن مالك السموات التي حوله، وكذلك مالك الأرض ومافيها وماعليها، فلا تظنن وأنت تحارب وتقاتل في سبيل الله أن لأحد غيره الملك، أو أن لأحد غيره الحياة أو الممات، فهو الذي بيده الحياة وهو الذي يحيي ويميت، وما لكم أيها المؤمنون من دونه من ولي ولا نصير، لن يتولى أمركم غيره ولن ينصركم في الحياة والآخرة غيره سبحانه وتعالى.