سورة التوبة من آية 41 إلى آية 47
| ayat | attawbah(انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41))
النفير هو الخروج الكلي للمؤمنين أو للمجتمع، كما نقول عن حركة الحجاج بالنفرة، هي الخروج الكلي للحجاج في وقت محدد، وكذلك بالنسبة للمؤمنين في هذا الطلب الذي سبق، وهو أن يخرج كل المؤمنين في سبيل حرب أهل الكتاب.
" انفروا خفافًا وثقالًا" أي انفروا خفافًا من الأسلحة والمؤنة والعدة والعدد، وثقالًا في كل ذلك، حتى وإن كنتم لا تملكون العدة والعدد فانفروا، والعبارة انفروا على كل حال. " وجاهدوا في بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله " الجهاد من مجاهدة النفس، وهنا الآية تطلب المؤمن بالجهاد في هذا الأمر بالأموال وفي الأنفس، الأموال من أجل إعداد العدة، والنفس في الجهاد في القتال الذي يأمر به الله سبحانه وتعالى. " ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " النفير والجهاد بالمال والنفس هو خير للإنسان لو كان يعلم.
(لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42))
العرض القريب هو الشيء المعروض وهو تعبير يتضمن ما يناله المقاتلون من غنائم قريب، والآية بهذا التعبير تخبر عن مافي نفوسهم من أن ما يراه المنافقون في الخروج للقتال إنما هو عرض، بينما هي بالنسبة للمؤمن هي استجابة لله سبحانه وتعالى، " لو كان عرضًا قريبًا وسفرًا قاصدًا لاتبعوك" أمر النفير كان لمنطقة بعيدة عن المدينة المنورة، فليس الوصول إليه سفرًا قاصدًا وليس الخروج لهذه الحرب سيكون له مردود كعرض قريب المنال، وبهذا فإن هذه الحادثة أفرزت المؤمنين من المنافقين، وقبل هذه الحادثة قد تكون استجابة الجميع واحدة، ولكن بعد هذه الحادثة كان الفرز.
" ولكن بعدت عليهم الشقة " بعدت عليهم المسافة ولكن شق عليهم أن يسافروا سفرًا بعيدًا بلا مردود ولا فائدة شخصية، "وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم" وبهذا فإن الآية تخبر النبي محمد (ص) عن ما سيحدث له من قبلهم، وبهذا نفهم أن هذه الآية نزلت بعد الأمر بالنفير، وقبل العودة إلى لقاء هؤلاء المنافقين، وهم سيحلفون بذلك رغبة في أن يكون الرسول والمؤمنون في رضا عنهم مبررين عدم خروجهم مع النبي في هذه المعركة، " يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون" يهلكون أنفسهم بهذا بعدم استجابتهم للخروج، ويهلكون أنفسهم بهذا الكذب، لأن المؤمن إذا أخطأ عليه أن يعترف بخطئه لعل الله يغفر له لا أن يخبئ سوء نفسه.
(عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43))
الآية فيها عتاب رباني لشخص النبي محمد (ص) على ما تم فعله مع المؤمنين، الآيات السابقة تأمر بالنفير الجماعي فلا إذن لمتخلف عن هذا الخروج، ولكن بين الآية السابقة وهذه الآية هناك عبارة يمكن أن نفهمها وهي أن هناك من المؤمنين من جاء من يستأذن من الرسول في عدم الخروج والآية الشريفة تقول :
" عفا الله عنك لم أذنت لهم" عتاب رباني للنبي على فعله في أنه عندما جاءه من يستأذن في عدم الخروج أذن له دون تبيّن، فكان من المفترض على النبي أن يتبين من كل فرد ما عذره في عدم الخروج، " حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين" فإن كان عذره صادقًا أذن له، ولكن إذا كان عذره كاذبًا فهذا يؤكد على أنه من المنافقين، فللمنافق حكم وللمؤمن حكم.
(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44))
هذه الآية الشريفة إخبار للرسول بحقيقة من استأذن من الخروج بغير عذر وبغير حق في هذا النفير أنه لا يؤمن بالله واليوم الآخر، لأن ال
(إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45))
الاستئذان في هذا المقام هو اعتذار عن فعل أمر مطلوب منهم، والاستئذان في هذا الأمر وهو الخروج في جهاد الله يجب يكون منطقي ومعقول ويمنع هذا المؤمن من الخروج، ولكن الآية تبيّن أنه لا أحد يستئذن في هذه الحالة إلا بسبب حالة عدم الإيمان، الآية تقول " إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم" حقيقتهم أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولذلك استئذنوا من أجل أن لا يخرجوا.
(وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46))
الآية تقول لو أنهم أرادوا الخروج في هذه الحرب لأعدوا العدة، وهو التجهيز المسبق الذي يشير إلى رغبتهم الحقيقية في الخروج، وهذا مؤشر حقيقي إلى أن استئذانهم لم يكن حقيقيًا ولم يكن بسبب مانع عن الخروج، ولكن من أجل القعود وعدم الذهاب مع الرسول في هذه الحرب.
" ولكن كره الله انبعاثهم" الانبعاث في هذه القضية محسوب على الإنسان، الانبعاث في أمر معين هو مؤشر العزيمة الحقيقية للمؤمن، فترى المؤمن الحقيقي يتحرك في سبيل تحقيق هذا الأمر.
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47))
الله سبحانه وتعالى يخبر عن هذه الفئة التي لم تخرج من مع النبي، بأنها لو خرجت معهم في هذه المعركة وهذه الحرب لم تزدهم قوة ولا عدة ولا عتاد وإنما تزيدهم ضعفًا، ولأوقعت الفتنة بين طوائف وفئات المؤمنين الذين خرجوا مع الرسول، ولقد أضافت الآية شيء مهم في طبيعة بعض المؤمنين بأن فيهم سماعون لهم، يتقبلون منهم القول " سماعون لهم" كثيري السماع لهم من قبل، " والله عليم بالظالمين" الله أعلم بظلمهم وضعف إيمانهم ولذا قضى الله أن يكونوا مع الخالفين وأن لا يخرجوا مع المؤمنين.