سورة الزخرف من آية 19 إلى آية 25
| ayat | azzukhruf(وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19))
الآية تتحدث عن عقيدة قريش في الملائكة حين اعتبروهم إناثاً، والله يصفهم بأنهم عباد الرحمن، ولقد اعتبرت الآية قولهم هذا القول شهادة منهم على الملائكة، ولكن هذه الشهادة جاءت في الإتجاه الباطل وليست شهادة حقيقية والشهادة الحقيقية هي التي تكون شهادة معاينة، لذا فإن الحقيقية هي التي ترد من كتاب الله.
(وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (20))
والقول يعود إلى قريش الذين عبدوا الملائكة واتخذوهم شفعاء، وادعوا بأن هذه المعتقدات والأفعال هي ما يريده الله منهم، ولو أن الله لا يريد ذلك لما تركهم كل هذه المدة وهذا الوقت من الزمان دون أن يوقفهم، فنسبوا لله أنه راض عن أفعالهم وأن كل هذا بعلمه ومشيئته لأنهم طيلة سنوات وهم يعتقدون ذلك.
(أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21))
هذه الآية تعارض معتقداتهم في الملائكة وأفعالهم الباطلة، بالتساؤل عن وجود كتاب سماوي ينص على ما يعتقدون وما يقومون به، فهل عندكم كتاب ينص على تلك المعتقدات وتلك الأفعال؟ وهل هم متمسكون بهذا الكتاب لذا فهم متسمكون بهذه العقيدة؟
(بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22))
لكن الأمر ليس كذلك، وإنما هو كما يقولون أنهم وجدوا آباءهم "على أمة" على تعلق بما هم فيه يأتمون بمن سبقهم، يعتقدون ويفعلون كذلك فساروا هم خلفهم وجعلوا من الأثر الذي تركه الذين من قبلهم وسيلة للاهتداء، ولكن خابت تلك الطريقة.
(وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23))
وهذا هو ديدن كل القرى التي أرسل الله إليها رسل من قبل، فإذا جاءهم الرسول يدعوهم إلى هدى الله ردوا عليه بأنهم على هدى الأولين سائرون ولايمكنهم تبديل ماهم عليه، على أساس أنه وارد ممن سبقهم فلا يمكنهم أن يخطئوا من سبقهم.
(قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24))
فإذا رد عليهم الرسول بأن يتفكروا في المضمون بدلاً من أن يتعلقوا بالموروث، ردوا بالكفر بما جاء به الرسول، فلا سبيل للتفكير فقد تعقدت العقول بما هي عليه وقدست ماضيها فلا يمكنها التغيير.
(فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25))
وكانت النتيجة أن انتقم الله منهم لعدم تقديرهم لله ولكلماته ولرسالاته، وبدلاً من أن يقدسوا الله آثروا بدلاً عن ذلك أن قدسوا آباءهم فحقت عليهم عاقبة المكذبين لرسالات الله.
تستعرض الآيات الشريفة ثلاث مفردات مهمة في الدين وهي الهدى، والعلم والشهادة وتحصر الحصول عليها من مصدرها وهو الكتاب السماوي، كما وتستعرض الآيات ما وقعت وتقع فيه الأمم من أخطاء حين تسعى للحصول على هذه العناصر من مصادر أخرى غير كتاب الله.
عبادة الملائكة وجعلهم إناثاً واتخاذهم شفعاء ليست مشكلة دائمة بالشكل لكنها باقية بالمضمون، ولقد استعرضت الآيات هذه المشكلة ثم عقبت على ذلك بقولها ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول .. ) فالواقع الذي عاشه النبي مع قريش هو ذاته ماعاشته الرسالات من قبله بنفس المشكلة وبذات مفاصلها وتفاصيلها ولكن باختلاف الأساليب والأدوات والمسميات، وهو الدرس الذي تعطيه الآيات للأمم اللاحقة. مشكلة الأمم السابقة كما هي مشكلة قريش ليست في الأصل الذي كانوا عليه فقريش تعرف الرحمن وتعرف ملائكته، ولكن المشكلة في المحدثات التي تحرف الأمم عن ذلك الأصل، وتتفاقم المشلكة حين تسمح تلك الأمم لنفسها أن تستمد معتقداتها ومزايداتها بغير ميزان الكتاب السماوي وتكتفي بالظن الذي لا يغني من الحق شيئاً بدلاً من تحصيل العلم من مصدره الحقيقي. وتتأكد لها حالة من الاستقرار في عقائدها عندما تفترض أن سلوكياتها الدينية هي جزء من مشيئة الله وإرادته ( ولو شاء الرحمن ما عبدناهم مالهم بذلك من علم) على الرغم من أنها تكون مبتعدة كل البعد عن مصدر ما يريده الله ويطلبه من البشر ) (أم آتيناهم كتاباً فهم من قبله مستمسكون).
ما المشكلة التي تستعرضها الآيات في الهدى؟ المشكلة تكمن في البحث عنه من الأثر لا من المصدر! هذا ما تؤكده آيتين متتاليتين الأولى تحدثت عن قريش وعقبت بقولها على لسانهم (وإنا على آثارهم مهتدون)، والثانية استعرضت هذه المشكلة بصورة عامة واختتمت بقولها (وإنا على آثارهم مقتدون) مشيرة إلى أن قريش وقعوا في نفس ما وقعت فيه الأمم من قبلهم لأن من قبلهم اقتدوا بالأثر أيضاً. إذاً ليست المشكلة في البحث عن الهدى أو البحث عن القدوة فهو مطلب، ولكن المشكلة أن يبحث الإنسان عنهما من غير مصدر الكتاب السماوي فالهدى يؤخذ من الكتاب،تماماً كما تقول الآية السابقة ( أم آتيناهم كتاباً فهم به مستمسكون) فالمرء يهتدي للطريق من النور الذي يملأ المشرق والمغرب لا من خلال تلمس آثار ، فليس في الآثار مستمتع لمن يخوض في الظلمة، وإذا وجد النور الذي يملأ الخافقين فلا داعي للبحث عن أثر من سار على الطريق لاكتشافه . (أم آتيناهم كتاباًً ... بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) الزخرف (22).
حين يجد الإنسان آباءه على أمة يشده هذا الكيان المتوارث ويفتنه عن البحث عن مطلب الله سبحانه من قوله سبحانه، ويسير دون وعي خلف ركب الآباء ظناً منه أن هذا المسار رسم برعاية الله وهداه دون بحث ولا تمحيص، هكذا كانت قريش وهكذا كانت الأمم السابقة من قبل قريش، وعن هذه المشكلة يحذر القرآن الكريم الأمم اللاحقة، فالمشكلة عامة متكررة ، والحل هو في الاستجابة للنداء النبوي الباقي ( أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ) وهو نداء يدعو لعقد مقارنة عقلية فاحصة بين ما وجد الإنسان آباءه عليه وبين كلمة الحق التي يوصلها الرسول للناس كرسالة ربانية، وعقد المقارنة هذا لاشك يحتاج إلى موضوعية وحرية وتحرر من قيود العصبية، ولكن ردة الفعل الغالبة هي ذاتها متكررة أيضاً لذا تذكرها الآية بقولها على لسان الأمم الجاحدة ( إنا بما أرسلتم به كافرون) ونتيجة لذلك النكران يحق الإنتقام الرباني لأنه انتقام لآيات الله وكلاماته التي لم يقدرها الإنسان حق قدرها.
عبادة للملائكة هي عقيدة دخيلة على دين في أساسه صحيح، و قريش طلبت الاقتراب من الله ولكنها ابتعدت عنه، وارادت التمسك بدينه فتمسكت بغير دين الله وانحرفت عن سبيله إلى سبيل آخر غير الذي أراده الله منهم.
ملاحظة : المقال لم يدقق لغوياً