مدونة حلمي العلق

تعال إلى الصمت

 | مقال

يحتاج كلٌّ منا إلى خلوة للتصافي مع قلبه ونبذ الخصام بينه وبين هذه الهبة الربانية ،لكي لا نبقى أعداء لأنفسنا من حيث لا نشعر.فقد يعيش الإنسان حالة من العداوة مع نفسه فترة طويلة من العمر وهو في غفلة عن ذلك.ولكي يعود القلب إلى وضعه الطبيعي من السيادة على الجسد علينا أن نسمح لصوته الخافت أن ينطلق ثم نصغي إليه.

ولكي نسمع صوت القلب كان لزاماً علينا أن نسكت الفوضى التي تطلقها النفس وبلا توقف،علينا أن نخمد لهيب تلك النفس ولو لفترة قصيرة،تلك الفوضى الناجمة من اللهث وراء الحاجات، وملاحقة الأحداث وتسارع المشاهد وكثرة الرغبات والتشتت ومقابلة الوجوه والآراء وإلقاء التبريرات الواهية هنا وهناك. إن من حق هذا القلب علينا أن نوفر له ولو قليلا من الصمت، فهو بحاجة للتأمل في جو يسوده الهدوء،ولن يتحقق ذلك إلا إذا أسكتنا صراخ النفس المتواصل ولو لحين.

وإن تمكنا من إسكات الفوضى وإعادة القلب لسيادته وحريته استطعنا تمييز الأخطاء وتحديد الوسائل للخلاص من سجن النفس. أننا بحاجة لأن نعيش الهم الحقيقي الذي عاشه ذلك العبد الصالح حين أتاح لقلبه أن يتحدث،وحين حدد مشكلته وانطلق مسرعاً إلى ربه طلباً في المساعدة.

(إلهِي إليْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً، وَإلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تسْلُكُ بِي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِك، كَثِيرَةَ الْعِلَلِ طَوِيلَةَ الاَمَلِ، إنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَإنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيَّالَةً إلَى اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، مَمْلُوَّةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهُوِ، تُسْرِعُ بِي إلَى الْحَوْبَةِ، وَتُسَوِّفُنِي بِالتَّوْبَةِ.)*

هذه شكوى عبد صالح أسكت صراخ نفسه وأتاح لقلبه أن يتعرف إلى هدفه وأن يتعرف إلى معوقات ذلك الهدف،فبدأ بتذليل الصعاب والاستعانة بخالقه، وعاش محنة مع نفسه فالناس منه في راحة وهو من نفسه في عناء.ويبقى علينا أن نسأل نحن أنفسنا: هل استمعنا إلى نصيحة القلب؟ وهل تعرفنا على معوقاتنا من السير نحو هدفنا الأسمى؟ حتى نشكو ذلك الهم لرب العالمين ونطلب منه العون للفكاك والخلاص منه؟