أمثلة على التدبر
| contemplation-of-the-quran# مقدمة
تحدثنا عن التأويل في الحلقة السابقة، وتبيّن لنا أن التأويل هو إرجاع المتشابه إلى المحكم، ذلك هو التأويل الصحيح.
نريد أن نضع لنا قاعدة هامة من القرآن الكريم في التدبّر، وهي ضرورة إعادة الآية إلى سياقها، وضرورة ربطها بأمّها المحكمة. وكلاهما التدبر والتأويل يضمن لنا عدم الخروج عن غاية المتحدث. في هذه الحلقة نأخذ مثالاً بآية نتدبر فيها ونأولها إلى آية محكمة.
# أمثلة على التدبر
مثال :
نأخذ المثال من سورة التوبة وحول موضوع القتال بالتحديد، في الآيات من آية (28) إلى آية (30)، تأمر الآية (29) بقتال أهل الكتاب : "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ولا رسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" ، وتعطي الآية سبباً للقتال أو نهاية له وهو إعطاء "الجزية".
الوقوف عند هذه الآية دون تدبر وبلا تأويل قد يضعنا في شبهة، حين نقرأ الآية دون تدبر أي باقتطاعها من النص، وبلا تأويل أي بفصلها عن أمها المحكمة تتشابه علينا الآية في معناها ومسارها الذي تتحدث فيه، هل الآية تأمر بالقتال بسبب عقائدي؟ أو لغاية مادية ؟ للكلم مسار تتحرك فيه، وإذا أخذناها بمعزل عن ذلك المسار يمكن أن تتوجه باتجاه آخر هو خلاف غايته وهدفه، فينحرف الكلم عن موضعه المخصص له.
وحتى نتعرف على مسار الآية علينا أن نقرأ النص كاملاً ولا نقطع الآيات عن بعضها البعض.
التدبر
عندما نواصل الحديث في الآيات، وبالتحديد في آية (36) نلاحظ أن الآية تشير إلى أن القتال ليس ابتدائياً من المؤمنين، إنما هو ردة فعل على قتال من طرف معتدي. لاحظ ما تشير إليه الآية " قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة " ، لا حظ انضباط النص القرآني في الأمر بالقتال الذي ورد في الآية السابقة آية (36) هو مضبوط هنا بشرط واضح وهو أن هؤلاء المعنيين الذين تحدثت عنهم الآيات السابقة إنما اعتدوا وبدأوا بقتال المؤمنين. وبهذا يكون التدبر وهو أن أفهم من خلال استكمال القراءة لا من خلال استقطاع النص وإخراجه عن موضوعه، وهو ذاته ما يعنيه القرآن بتحريف الكلم عن مواضعه، إي إخراج الكلمات عن مواضعها الطبيعية.
التأويل
والآن تعالوا كي نأوِّل هذا النص إلى نص محكم لا يشتبه علينا.
في سورة البقرة هناك آية محكمة في القتال وهي قوله تعالى : ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ سورة البقرة (190) ، والنص في هذه الآية محكم لا يمكن أن يفهم إلا باتجاه واحد، فالله سبحانه وتعالى يقر أن القتال للمعتدين فقط، ويؤكد بأنه لا يحب الإعتداء على أحد. النص محكم بقتال من يعتدي عليكم بالقتال فقط. وينهى عن الإعتداء على الآخرين، إذاً القاعدة القرآنية والنص الرباني لا يبيح الإعتداء الإبتدائي، وعليه فإن الله سبحانه إذا أمر بقتال أحد فلابد وأن يكون ذلك الأحد قد اعتدى على المؤمنين، لذلك فإن الله قد أمر بقتاله. وقد يشتبه علينا في ذلك النص القرآني أن الله سبحانه وتعالى قد أمر بقتال أهل الكتاب لأسباب عقائدية وهذا غير وارد حسب الآية المحكمة.
إذاً بالتأويل يجب أن لا نفهم آية قتال أهل الكتاب خارج إطار هذا الإحكام، لأن هذه الآية محكمة نافذة وحاكمة وقوية ولا يمكن أن نخرج من سلطتها وهي آية (190) من سورة البقرة. بل ويمكننا أن نفهم من خلالاها أيضاً أن "الجزية" هي أداة من أدوات القتل والإعتداء، فإن كان مالاً فإنه مال استخدم لقتل المؤمنين والإعتداء عليهم.