مدونة حلمي العلق

اشتراطات التدبر

 | contemplation-of-the-quran

مقدمة

تحدثنا في الحلقة السابقة عن التدبر وكان الحديث عن منهجية التدبر والتي بدأت بفهم غاية المتحدث وهو الله سبحانه وتعالى، على أن نرجع القول بعضه إلى بعض، وأن نوجه اتجاه الاتهام إلى أنفسنا لا أن نستخدم القرآن كسلاح ضد الآخر. نستكمل الحديث عن التدبر تحت عنوان بوابة التدبر. من أين ندخل لهذا الكتاب العزيز ؟ وكيف ندخل؟

القرآن مصحح للإنسان على الدوام، ولا تنتهي فاعليته إلا لدى الذين اعتبروه أساطير الأولين. والنفس إما أن توجه الاتهام إليها أو توجهه لغيرها، والنفس التي تنحى للتصحيح يفتح لها باب الهدى الرباني، أما النفس التي لا تقبل الحقائق ولا تستسلم لها وتحب أن تغرق في الأكاذيب وكان ما تهواه أعز عليها من الله فإن أحسن الحديث يرخص في عينيها، لأنها مضطرة لاستبداله بحديث يتوافق مع ما تهوى، وهذا الاستبدال هو بيع بالرخيص، لأنه مقايضة بشيء يملكه الإنسان بين يديه لاستجلاب شيء تكون نفسه راغبة فيه.

﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ سورة البقرة (16)

في حالة بيع كلام الله بالرخيص يكون الأمر متعلق بالقلب الذي هو محط إدارة قرارات الإنسان.

اشتراطات التدبر

القلب

هو جهاز استقبال الحقائق الربانية، لذا وجب أن يكون سليماً خالياً من الأمراض حتى يستقبل تلك الحقائق دون زيغ أو هوى، أما الذين استبدلوا كلام الله وباعوه بالرخيص فقلوبهم في مرض. القلوب السليمة لا تقبل التناقضات، أما الذين يتبعون كل أمر مستقر فهم مؤمنون ولكنهم يتعايشون مع التناقضات، ويبحثون عما يبرر مخالفتهم الصريحة للكتاب، هو مؤمن ولكنه إيمان سقيم فقلبه ما عاد يرفض مخالفة للكتاب! وحين مرض القلب عاقبه الله بأن زاده الله مرضاً .

إذا الله وفي مقدمة سورة البقرة يحذرنا من مرض القلب، يحذرنا من الكيل بمكيالين، يحذرنا من أن نبيع هذه الكلمات بالرخيص، يحذرنا من أن نستبدلها بكلمات أخرى وأن نعلي حديث آخر غيره حتى لا نعاقب بمرض القلب. وهنا نقف أمام بوابة الكتاب وقبل أن ندخل علينا أن نخلع النعلين.

اخلع نعليك

أن نخلع النعلين يعني أن نخلع العادات، وأن ننزل منزلة الاستسلام الطائع لحقائق الكتاب، أن نتخلى عن ما نعتقده من زكاة أنفسنا ، أن نتخلى عن المكانة التي نعتقدها للأنا الصغرى والكبرى، إذ أنه لا اعتبارات أمام كلام الله. وبعد أن نخلع هذا النعل يمكننا أن ندخل البوابة :

إذاً تعال إلى الاشتراطات التي تدخل المؤمن من البوابة الصحيحة للتدبر، تعال نقرأها في بداية سورة البقرة

بوابة التدبر

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ۝ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ﴾ سورة البقرة من آية (1) إلى (5)

تضع سورة البقرة ومن بدايتها الهدف من الكتاب هو الحصول على الهدى، وتضع للحصول عليه اشتراطات التقوى، لأن الهدى مخصوص للمتقين لا لغيرهم، والآن وبعد أن قررنا أن نخلع العادات، علينا أن نتحلى بهذه الاشتراطات :

1- الإيمان بالغيب

2- إقامة الصلاة

3- الإنفاق

4- الإيمان بهذا الكتاب وما أنزل من قبله من الكتب.

5- اليقين بالآخرة.

فأي إخلال بأي شرط من هذه الشروط يُفقد الإنسان التقوى الذي هو سبب في نزول الهدى من القرآن الكريم. الحصول على الكتاب وقراءته لا يوصل إلى شيء ما لم نتصف بصفات المتقين التي تؤكدها الآية، فمن الممكن أن يحجب هذا النور عن المؤمن، أو يرفع عنه الهدى. ولكن ماالذي يحدث حين نفقد التقوى؟ أو حين يكون إيماننا بشيء من هذه العناوين إيمان ضعيف أو شكلي فقط ، إننا حينها نقع في مرض القلب.

مرض القلب

من هنا يجب أن نحذر من مرض القلب الذي ينتج من ادعاء الإيمان إدعاءً شكلياً،

﴿ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾

فمرضى القلوب مؤمنون بالكتاب إيماناً ضعيفاً لم تكتمل فيه الشروط المذكروة، وهذا الإيمان الضعيف جعلهم يقعون في هذا المرض الذي تتحدث عنه الآيات وتذكر صفاته، وجعلهم يستبدلون كلام الله وحديثه بحديث آخر.

﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾

وخلاصة

حين نريد أن نبدأ في مشروع تدبر الكتاب علينا أن ندخل بعد أن نطهر قلوبنا مما يثقلها ويبعدها عن الفهم الموضوعي لحديث الله، وأن ندخل لهذا الكتاب على مبدأ ( سبيل نجاة ) حتى لا نتخذ آيات الله هزوا بإيمان حقيقي بالآخرة، نسأل الله سبحانه أن نكون ممن يمون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تدبر

كيف يمكن أن نفهم آية "وأطيعوا الله و أطيعوا الرسول" آية (59) من سورة النساء من خلال الدبر؟ من أجل أن نحقق التدبر لابد من دراسة مقطع الآيات التي وردت فيها الآية، المقطع الصوتي التالي هو دراسة ميسرة لمقطع الآيات من آية (59) إلى آية (70) من سورة النساء ومن ثم إرجاع الآية المعنية بالدراسة لهذا الفهم.

في الأسفل مقطع صوتي يتحدث عن هذا المقطع: