مدونة حلمي العلق

التخصص في علوم القرآن

 | contemplation-of-the-quran

مقدمة

لابد من الإشارة إلى الأدوات التي يستخدمها الإنسان في تعلم القرآن، ونقصد بها ملكات اللغة والعلوم الأخرى المساعدة في فهم القرآن، هي أدوات ولابد للإنسان أن يتسلح بالمعرفة، ولكن يجب أن تتسم هذه المعرفة بشيئيين مهمين : الأول أن لا تنسي هذه الأدوات أن الله سبحانه وتعالى هو الهادي، وأن لا يستشعر المتدبر أنه في غنى عن هدى الله، لا يمكن أن نستغني عن المدد الرباني، وإذا أشعرنا العلم الذي نمتلكه بالقدرة الذاتية على التحليل والاستنتاج مهما كان النص معقداً فعلينا أن نتذكر أننا لا نعجز الله، فلازال الله سبحانه وتعالى يقول لنا أنا الهادي وأن القادر على حجب الهدى عن أي إنسان أياً كان علمه. فلا نستغني في حضرة الله، وعلينا من جهة أخرى أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قادر على هداية أي شخص حتى لو كان فقيراً في امتلاك أدوات المعرفة، إذًا شعورنا بالافتقار يجب أن يكون دائماً، وإنما نقدم اجتهاداتنا في طلب العلم وتحصيل الأدوات كقربان أمام الله لإثبات حسن النية والرغبة الحقيقة في نيل الهدى.

معلم القرآن

إن المعلم الأول للقرآن الكريم هو الله، هو سبحانه من علم الإنسان بالقلم، هو سبحانه من جمع القرآن، وهو سبحانه المتكفل بتبيانه. لا تنفك علاقة المؤمن بالقرآن عن علاقته بالله، القرآن مصدر هدى، والهدى من عند الهادي وحده. والتعامل مع القرآن بهذا الإيمان هو الذي يفتح أبوابه للقلوب المتعطشة للحقيقية، أما الاعتقاد بأن مفاتيح هذا الكتاب هي الذكاء والقدرات العقلية والملكات الإنسانية البحتة فهذا افتتان عن قدرة الله في القرآن، ولو كان الأمر كذلك لكان بإمكان الذكي وبما يملكه من قدرات أن يعجز الله في استظهار مفاهيم الكتاب أو السر في آياته، لكنه سبحانه حصر الهدى لمن يشاء من عباده على أساس إيمانهم لا على أساس قدراتهم وملكاتهم العقلية، ونسب فعل الهدى لنفسه (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)) سورة يونس، على أساس أنه هو سبحانه المتعامل المباشر مع من يبتغي الهدى من كتاب الله، من هنا نقف عند حقيقة الحصر المعنوي للقرآن، فهل حصرت معانية ومفاهيمه على أحد؟ ومن هو؟

حجب القرآن:

(وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا) سورة الإسراء (45).

إن التصور أن الباحث عن الهدى هو باحث علمي في تخصص علوم القرآن تصور خاطئ حسب الفهم القرآني، بل هي شبهة حاصرت القرآن في أورقة البحوث العلمية وأبعدته عن المتناول. والله سبحانه وتعالى ينزّل من هذا القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ينزله على قلوبهم فتتغير نظرتهم للحياة وتتغير نظراً لذلك أطباعهم وطباعهم وسلوكياتهم، والله سبحانه وتعالى لم يخصص هداه لطبقة دون أخرى، طبقة تمتلك أدوات البحث والتنقيب، وأخرى متلقية تنتظر نتائج البحث، بل إنه سبحانه دعا الجميع للنيل من هذا الهدى صغيراً كان أم كبيراً عالماً أو جاهلاً ، وما كان عطاء ربك محظورا. والآية حصرت القرآن عن الذين لايؤمنون بالآخرة وجعلت بينهم وبينه حجاباً مستوراً، وهذا يجعل من الإيمان بالآخرة أساساً لرفع هذا الحجاب عن القرآن.

وقد توالت الآيات أن المتكفل ببيانه هو الله سبحانه وتعالى : ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ۝ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ۝ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ وهو من علم القرآن (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) سورة الرحمن

وعلى هذا يجب أن لا يؤخذ مبدأ التوكل على الله بالصورة السلبية التي تجعل متعلم القرآن متهاون في بذل الجهد والتحصيل الجيد إلى درجة الإتقان فيما يتعلم من مهارات أساسية مطلوبة للحصول على الهدى، كما يفرضها القرآن نفسه. ولكن صفوة القول أن أمر القرآن بيد الله، ويعتمد في أساسته على علاقة صحيحة وسليمة بين العبد وربه. وأن مدار القرآن هو الإيمان والعلاقة الحقيقة مع الله قبل أن يدخل في أورقة البحث وقبل أن تتناوله العقول بأدوات التنقيب

مدار القرآن الكريم

قد يؤخذ القرآن الكريم بعيداً عن العامة إلى مواقع البحوث، ولكن ليس هذا هو دوره الأساسي ولا مداره الحقيقي الذي أنزل من أجله،

﴿ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ سورة الإسراء (9).

القرآن الكريم ليس كأي كتاب نتناوله كما نتناول أي مصدر من مصادر البحث، القرآن الكريم حي يحيي القلوب ويغير الإنسان، فمداره الإيمان والصلاة والتغيير والخوف من الله والخشوع وقشعيريرة الأبدان، والإستسلام لأحكامه، والله يتعامل مع القارئ للقرآن بصورة مباشرة، بدون حواجز (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)) وأن الحاجب الأكبر للإنسان هو عقيدته في الله وعقيدته في القرآن،

لذا فإن تصور أن القرآن الكريم محصور لدى الباحثين والمدققين هو حقيقة ناقصة وليست كاملة، والحقيقة أن المؤمنون كل المؤمنين مأمورون للتعامل مع هذا القرآن ، والله سبحانه وتعالى عندما أمر النبي محمد بقيام الله وأمره بتلاوة القرآن قال سبحانه ( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ، إن ناشئة الليل هي أشد وطئأ ) وهو ذات القول الذي يجب أن تستقبله قلوبنا نحن أيضاً، والذي يجب أن لا تنصرف عنه لغيره. وهذا القول الثقيل هو من الكتاب ويتنزل مرة أخرى على القلب، والقرآن نفسه تربية وتنشئة للإنسان، وليست مجرد كلمات للبحث فقط. وإذا قلنا بأن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب لكافة الناس وليس لفئة وطبقة محددة، فما الذي يستفيده المؤمن البسيط الذي لايمتلك قدرات بحثية من هذا القرآن؟ هناك أمر آخر غير البحث والتدقيق العلمي يجب أن نلتفت إليه، ويجب أن نوليه أهمية كبرى وينطلق من أساس إيماننا بهذا الكتاب العزيز.

لذا فإننا بتخصيصنا القرآن لطبقة محددة من الباحثين قد حاصرناه في زاوية لا يستطيع فيها الحراك، وهذا ماقد يكون أحد الأسباب الداعية للابتعاد عنه والخوف حتى من محاولة التفكير فيه. استطاع الشيطان الرجيم أن يحاصر هذا القرآن الكريم بأفكار معقولة ومقبولة لدى الإنسان، فأوهمه أن تخصيص القرآن هو من احترام القرآن وتقديره، ولكن الحقيقة أن هذه الفكرة قناع وإقناع لهجر القرآن، بل ما يجب هو كثرة قراءته وكثرة الحديث عنه وعن آياته حتى يكون هو السائد الأعم في المجتمعات المؤمنة.