النفس والتحليل الواهم
| مقالإن من أعدى أعداء العلم هو أن تتدخل النفس المليئة بالوهم والتخيلات في تحليل الظواهر وتوصيف الأشياء، لأن النفس تجنح نحو هواها فتأخذ طرفاً من أطراف العلم أوحقيقة مفردة لتكملها بالتصورات والخيالات التي يمليها عليها الهوى.
إن منهج العلم يرفض أن تتدخلَ مشاعرُ الإنسان في استنتاج مفاهيمه وبناء حقائقه. وإنما يُبنى العلمُ على حقائقَ مثبتةٍ لا على تصورات ترسمها النفس الواهمة. إنه كلما اقترب الإنسان من العلم كلما اعتاد أن يكون مصدره في تفسير الظواهر الدليل والبرهان العلمي لا سواه. وكلما تعود الإنسان على تفسير الأشياء والمواقف بناءً على ما توحيه إليه نفسه كلما قويت لديه نزعة التفسير الواهم الذي لا يستند على دليل. وقد يغالي الواهم في وهمه حتى يتحدث عنه وكأنه يقين.
وقد تسيطر ملكة الوهم على الإنسان لتكون ديدنه في تفسير أغلب مايدور حوله إن هو لم يسلك بنفسه سلوك اعتماد البرهان والسلطان في استنتاج أو بناء أو تحليل الأفكار. وإن تمكن ذلك السلوك من الإنسان فلن يصل بنفسه إلى الحقيقة لا في الدين ولا الدنيا. ومن استطاع تهذيب نفسه وإسكات صوتها اللجوج والمتدخل في كل الشؤون فقد نجا من شرها وشر ما تأتي به.