مدونة حلمي العلق

ما أهل به لغير الله

 | أحكام الطعام

مقدمة

لا زال الحديث عن حكم الطعام ، ونتناول هذا اليوم موضوع، ما معنى العبارة القرآنية (ما أهل به لغير الله) التي وردت في آيات تحريم الطعام الأربع ؟ وكيف نفهم العبارة من خلال المقارنة البصرية لبقية الآيات، ومن خلال تفصيل مقاطع العبارة نفسها؟

الآية تؤكد على أن عنوان الميتة يشمل عناوين غير التي قد يتصورها المؤمن من خلال الكلمة وحسب، فالميتة بهذا التفصيل لا تعني الجيفة التي يستكره الإنسان حتى الاقتراب منها ، ولكنه يقصد بأنها ميتة للتو أو أنها ماتت بطريقة الخنق أو الوقذ أو .. إلى آخرة

فالموت إما أن يكون موتاً طبيعياً وهذا قد يؤدي إلى أنها تؤكل بعد موتها أو تتحول إلى جيفة لا يشتهيها الإنسان ، أو أنها ماتت بإحدى الطرق التي تذكرها الآية وقد يظن المؤمن أنها ليست موتاً.

أهل لغير الله به

سنأخذ إحكامها من آية لا أجد في سورة الأنعام والتي عوضت كلمة أهل لغير الله به بكلمة واحدة وهي (الفسق) وسنقول، بأنه فسقاً أهل لغير الله به. وسنبدأ في دراسة هذه العبارة من كلمة ( غير الله )

غير الله

لو أخذنا سورة الأنعام كمصدر لفهم هذه العبارة كونها هي السورة التي ناقشت هذا الموضوع بشيء من التفصيل، نجد في آية 136 بأن الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ۝ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ۝ وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ۝ وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ۝ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ الأنعام (136)-(140)

والله سبحانه وتعالى له كل شيء وليس له نصيب، ولكن هناك من يشارك الله ، وكأنه يشاركه في ملكه، وهذه الكلمة جعلت لـ ( غير الله ) مكانة في الحكم ، أي أن أحد غير الله يبرز في موضوع الأنعام حين يحكم أو حين ينسب إليه شيء، وبمثل هذه المكانة وهذا الافتراض كانت لهم الطاعة في أن يقتلوا أولادهم استجابة لأوامر أناس (شركاء) وكأن لهم مكانتهم التي من خلالها يأمرون وينهون، ومن الذي جعل لهم هذه المكانة ؟ إنها افتراضات ، أو كلمات أو أحكام .

وعند استكمال الحديث في الآيات التالية : نجد أنهم قالوا أحكامًا في موضوع الأنعام فحرموا وحللوا ومنعوا ! في المقابل فإن الله سبحانه وتعالى يرد برد الملكية : والملكية تأت من الإنشاء ، فالمنشيء هو الذي يملك الحق في الحكم فيما يملك وليس غيره، وهذا ما يعزز مفهوم وجود أحد غير الله قد أخذ مكانة في نفوس الناس بأن يحكم كما يحكم الله في ملكه.

ثمانية أزواج

﴿ وَمِنْ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ۝ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ۝ وَمِنْ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمْ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ الأنعام (142)-(144)

وهاهي الآية تقول بأنه سبحانه أنشأ ثمانية أزواج للإنسان، فإذا كنتم محرمين شيئاً من الأنعام فحرموه بعلم وإلا فإنه كذب على الله يسوقه من تتخذونهم شركاْء.

الإهلال

الإهلال : من كلمة هل ، تشير إلى بداية الظهور ، والإهلال هو تأهيل شيء لأن يظهر ويعلو ويرتقي، وقد لاحظنا هذا المعنى من خلال مرورنا بالآيات التي بينت أن المشركين جعلوا للشركاء نصيب، وجعلوا لهم كلمة في التحريم والتحليل أعاقت بعض المؤمنين من الاستسلام لكلمات الله ، وكأن لهم مكانة وكأن لهم ملك، فمن الذي أهلهم لهذه المكانة ، ومن الذي أعطاهم هذا المستوى من الأهلية؟ فهنا إهلال ، أي أن هناك من أهل شيء لــ ( أي لصالح ) غير الله من أجل غير الله، به : أي بواسطة شيء.