مدونة حلمي العلق

إحكام محرمات الطعام

 | أحكام الطعام

مقدمة

لا زال الحديث عن حكم الطعام، ونتناول هذا اليوم موضوع، نبدأ أولاً باستعراض آيتين تشير إلى ملخص أفعال المشركين في الطعام،

ثم نعقد مقارنة بصرية بين ألفاظ آيات التحريم الأربع، و نحاول استقصاء الترتيب الزماني لآيات التحريم الأربع، لنركز بعد ذلك على آية 3 من سورة المائدة آية (اليوم أكملت لكم دينكم) والتي ذكرت التفصيل الكامل للتحريم.

إحكام محرمات الطعام

أفعال المشركين

تذكر آية 148 من سورة الأنعام آية تلخص أفعال المشركين في الطعام بقولها :

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ ﴾ الأنعام(148)

وكذلك الآية 35 من سورة النحل ، تقول الآية

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ﴾ النحل(35)

مما يدل على أن أغلب التدخلات كانت تحرم ، لا نقول أنهم لم يحللوا ، ولكن الآية تشير إلى مشكلة التحريم، مسار الآيات هو لماذا تحرموا ما أحل الله.

الترتيب الزماني للآيات الأربع

في المقارنة البصرية ، نلحظ تغير ملحوظ في آية ( لا أجد ) للألفاظ بشكل يؤكد على أن الدم يجب أن يكون مسفوحًا ، وأن ما أهل لغير الله هو فسق.

نحاول معرفة الترتيب الزماني للآيات، ونبدأ بآية (118) من سورة النحل والذي أشارت إلى أن هناك آية سبقت هذه الآية قد قصت على النبي ما حرم على الذين هادوا من قبل، تقول آية سورة النحل:

﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ النحل (118)

وبالرجوع لآية 146 من سورة الأنعام نجد أنه يقص ما حرمه على الذين هادوا حيث تقول الآية

﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ الأنعام(146)

مما يؤكد أن آية النحل جاءت بعد سورة الأنعام، ولكن في آية ( لا أجد ) تقول الآية

﴿ قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ الأنعام (145)

بمعنى أن النبي قد أُوحي إليه من قبل هذه الآية ما يشير إلى المحرمات في الطعام. ويؤكد هذا ما جاء قبل هذه الآية وهي آية (فكلوا) من نفس السورة والتي تقول:

﴿ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ۝ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴾ الأنعام (118)-(119)

وقولها ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم ) يؤكد أن هناك آية قبل زمانيًا قد فصلت المحرمات والتي تشير لها الآيات في سورة الأنعام بصورة ضمنية.

وعند العودة لسورة المائدة آية 3 نجد أنها أطول آية تحدثت عن المحرمات بصورة مفصلة. وكأنها هي آية تحريم الطعام الأساسية، وإنما جاءت آيتي الأنعام والنحل لتؤكد هذه الحرمة، ولتشير إليها كمرجع في المحاججة مع من يحاجج.

﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ المائدة(3)

آية "اليوم أكملت لكم دينكم"

أخيراً نتحدث عن تركيبة آية المائدة آية 3 ( آية اليوم أكملت لكم دينكم ) بشيء التفصيل بالاستفادة من فهمنا أن آية (لا أجد) في سورة الأنعام قد أشارت إليها.

آية (لا أجد) وبقية آيات التحريم : تؤكد على الأصناف الأربعة في التحريم، لذا سنفرد هذه الأصناف على أنها هي العناوين الرئيسية في التحريم وما يأتي بعدها إنما يندرج تحت هذه العناوين.

وبالإستفادة من آية الأنعام (لا أجد) والتي تعد آية محكمة في تعبيرها ، نضيف الأوصاف التي أضافتها الآية على هذه المحرمات للإستفادة من هذه الأوصاف في الفهم ولإحكام الموضوع. فنقول أنها وصفت الدم بأنه مسفوح حتى لا يتم المزايدة عليه، ووصفت الخنزير بأنه رجس كوصف يبين أنه خارج النعم، ووصفت ما أهل لغير الله به بأنه فسق.

وبهذا نكون قد حكمنا موضوع حرمة الطعام بشكل مبدأي ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا هداه .