حكم الطعام والشرك
| أحكام الطعام# مقدمة
تقول الآية المباركة :
﴿ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ المائدة(121)
يتضح في الآية جهتين : الجهة الأولى هي جهة الله ، والثانية هي جهة غير الله، وطاعة جهة أخرى غير الله هي شرك كما تعبر الآية بكل وضوح، فهذا يعبّر عن أن اتخاذ أي حكم لم يأمر به الله لم يأذن به الله هو شرك في الدين،
# حكم الطعام والشرك
# حكم الطعام والكتاب
ولنلحظ هذا الأمر في سورة آل عمران، حين قالت:
﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ آل عمران (93)
حينما غير بني إسرائيل حكم الطعام، غيروه بناءاً على مروياتهم عن إسرائيل في موضوع الطعام أن إسرائيل وهو يعقوب كان يفعل ونحن نتبعه لأنه على ملة إبراهيم، ولكن الآيات ترجع الحقيقة لحكم الطعام ولملة إبراهيم في الكتاب السماوي ، إذاً هذه هي جهة الله التي نفهم أنه يجب أن نأخذ منها الحقيقة ، والتي أشارت إليها آية ( وإن أطعتموهم ) السابقة، وتؤكد الآية أن كل ما عدا ما هو موثق في التوراة هو كذب .. أي أنه كذب على الله، وليس شرعاً حقيقياً.
# الرد على الشرك
لنعد مرة أخرى إلى سورة الأنعام التي تحدثت عن أحكام الطعام للمشركين وحاججتهم بآية ( لا أجد )
﴿ قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ الأنعام(145)
ثم جاءت آية (وعلى الذين هادوا ) التي تحدثت عن ما حرمه أهل الكتاب،والتي ردت عليها آية ( قل هلم شهداءكم ) والتي تعني الشهداء على الكتاب الذين يحفظون الكتاب، حيث أعادتهم هنا للكتاب
﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ ﴾ الأنعام (146)-(148)
وكان الرد بالإعادة للكتاب كما نلاحظ في آية (150) التي تقول
﴿ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ الأنعام(150)
وصفت هؤلاء الذين بدّلوا أحكام الطعام بالمشركين، ثم نأتي إلى الوصايا العشر والتي تعتبر الرد على كل تلك الافتراءات حيث قالت:
﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (151)
فالرد هنا على كل الافتراءات والإضافات والكذب في الشرع يقول ( لا تشركوا بالله ) وهي أول وصية من الوصايا العشر في ملة إبراهيم، إذا للكذب والإفتراء والإضافات في الدين والاستماع لغير الله هو شرك . ولكي لا يشرك الإنسان عليه أن يعود إلى الكتاب السماوي الذي يعبر عن جهة الله.
وهذا ما نلحظ التأكيد عليه في نهاية الوصايا العشر أيضًا في نفس السورة التي تقول
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ الأنعام (155)
على أن الالتزام بالكتاب هو المطلوب ، والتقيد بأحكامه هو ما يقود للصواب وهو ما يرشد لملة إبراهيم التي أمرنا بالتمسك بها.
إن ملة إبراهيم الحقيقية تكمن في الكتاب السماوي، وعدم إضافة أو حذف أي حكم لأي ذريعة، وهذا الذي نلحظه في الصفحة الأخيرة من سورة الأنعام التي تؤكد أن الإيمان بالكتاب السماوي هو إيمان حقيقي :
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ الأنعام (158)
هل هذا هو المطلوب من أجل أن يتم الإيمان بالكتاب السماوي؟ فإذا حدث هذا يكون يوم الفصل ولا ينفع حينها نفس إيمانها في تلك اللحظة لم تكن آمنت من قبل. والآيات تشير إلى سبب تفرق الديانات وهو أنهم فرقوه عن الكتاب:
﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾ الأنعام (161)
إن ملة إبراهيم هي ما وجدت في الكتاب السماوي الذي أنزله الله سبحانه وتعالى تبياناً لتلك الوصاياً ولذلك الدين، وإن الصلاة والنسك وكل العبادات مرهونة في أن تكون لله حين نأخذ حكمها من عند الله وليس من عند غيره.