ما ذكر اسم الله عليه
| أحكام الطعام# مقدمة
نكمل الحديث عن حكم الطعام،ونخصص الحديث اليوم عن ذكر اسم الله على، ونتناول هذا الموضوع من زاويتين ، الأولى : التلفظ ، والثانية : المعنى العام لـ ذكر اسم الله.
# ما ذكر اسم الله عليه
# المعنى
نتحدث أولاً عن ذكر اسم الله بالتلفظ ، والتي جاءت في آية 4 من سورة المائدة ، وفي سورة 36 من سورة الأنعام . فالآيتان تشيران إلى التلفظ باسم الله على الأنعام
﴿ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴾ الأنعام (118)-(119)
هو امتناع بعض المؤمنين بذبح بعض الأنعام بسبب قوة دين الآباء وبسبب بعض المقولات المزخرفة التي يبثها الشياطين كما تقول الآيات التي تسبق هذه الآية ( زخرف القول غرورا) ، ولنحاول الآن أن نستعرض الواقع الذي نزلت فيه الآيات.
﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾ المائدة (103)
فهذه المسميات كانت تفعل الأفاعيل في نفوس المؤمنين على الرغم من نزول القرآن بالحلال ، وعلى الرغم من أن الله سبحانه وتعالى حدد للمؤمنين ما هو الحرام ، فما سواه سيكون حلالاً إلا أن بعض المؤمنين لازال لديهم امتناع من ذبح هذه الأنعام التي سميت بهذا المسمى، آية ( فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) تخاطب ممتنع عن الطعام ، وتقول : كلوا .. أي لا تحرموا.
ويدعم ذلك ما نراه في سورة الأنعام نفسها والتي تضمنت هذه الآية التي نحن بصددها الآن والتي تقول :
﴿ وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ الأنعام (138)
أي لا يعتبرون للإذن الذي أذن الله به على الأنعام بهذه المسميات ( البحيرة والسائبة والوصيلة والحام)، والآية التالية تقول : ( وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم ) ، وبالرجوع لما فصله الله سبحانه وتعالى من المحرمات نجد المحرمات الثلاثة ( الميتة بصورها و الدم و لحم الخنزير ) ، مع التأكيد على المنخنقة الموقوذة المتردية النطيحة ما أكل السبع وما ذبح على النصب والإستقسام بالإزلام ، كل ذلك موجود في دائرة الحرمة فلا ينبغي بعد هذا التفصيل أن يكون لدى المؤمن أي تردد في الأكل من بقية الأنعام حتى وإن تم تسميتها بمسميات ما أنزل الله بها من سلطان.
# مثال
لنأخذ مثالًا على معنى كلمة (باسم الله ) كلمة باسم الله تأخذ معنى الإذن كما في قوله تعالى في قصة نوح في سورة هود
﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ هود (41)
الفلك بنيت بأمره وستسير بإذنه وترسوا بإذنه، وهو الذي يجري الفلك ويسير الرياح، فالإذن الأصل من عند الله سبحانه وتعالى ، وما تلفظ نوح باسم الله هو الذي يوجد ويحدث الإذن ولكن الإذن أصيل وإنما نوح يقر به أثناء تحرك تلك الفلك، فاللفظ هو إقرار بحقيقة جارية أصيلة.
# آية (كلوا)
وبالعودة إلى الآية 119 من سورة الأنعام ، فإن ما ذكر اسم الله عليه هو ما تحقق فيه الإذن من عند الله سبحانه وتعالى، فالآية بصريح العبارة تقول للمؤمنين الممتنعين عن ذبح بعض الأنعام وأكلها لأسباب موروثة ، ما لكم لا تأكلون من المأذون به الذي أذن بذبحه باسم الله ، وهو ما ذكر اسم الله عليه
﴿ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾ الأنعام (118)-(120)
الذين حرموا هذه الأنعام حرموا بلا بعلم ، وإنما بأهوائهم ، فكيف تمتنعون عن ذبحها وأكلها بعد أن جاءكم العلم من الله .
وقد يتظاهر البعض بأنه متبع للشرع الذي أنزله الله سبحانه وتعالى ولكنه في الحقيقة ممتنع عن ذبحها لأن في قلبه تقوى لـ غير الله وليس لأنه يريد الاحتفاظ بها وعدم ذبحها مثلاً ، وهو هنا يؤنبهم ويحاسبهم على أفعالهم لأن في هذا الفعل استدامة وبقاء لأحكام لم ينزلها الله. وتأتي بعد ذلك الآية التي تقول :
﴿ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ الانعام(121)
بعد أن اتضح المعنى من (ما ذكر اسم الله عليه) في الآيات السابقة يكون المعنى من ( ما لم يذكر اسم الله عليه ) وهو الذي لم تتم إباحته ، ويتضح ذلك في الآيات التالية من هذه الآية وبالتحديد في آية 139 والتي تقول أن ( وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء) ، والتي تشير بصريح العبارة أنهم يحللون الميتة ، مع تأكيد الآية 3 في حرمتها والتي أوردت كل التفاصيل في هذه الحرمة بالتحديد، وكأن الشيطان يسعى لتحليل الميتة بعناوين تفصيلية ، وهي التي تشير له الآية ( أن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ) ، فمسألة الجدال تأت في إطار التفصيل الذي من الممكن أن يجد له الشيطان مخرجاً أو عنواناً فرعياً يخرج فيه هذه الميتة عن عنوان الميتة ، فيقول بأن الحرمة للميتة الجيفة مثلاً وليس للميتة التي خنقت، أو التي ولدت وهي ميتة كما يفعل المشركون في أية 139 من سورة الأنعام.