مدونة حلمي العلق

يمين الطلاق

 | الطلاق

بسم الله الرحمن الرحيم

نستكمل الحديث عن الطلاق وعن فهم الإيلاء بالتحديد ، وفي الجزء الثاني . وقبل البدء نود أن ننبه إلى قاعدتين يشير لهما القرآن الكريم في التعامل مع مواضيعه العامة وهي :

القاعدة الأولى : إرجاع المحكم إلى المتشابه، أي أن نحدد اتجاه الآية المشتبه حمالة الأوجه إلى الآية المحكمة التي لا تحتمل إلا وجهاً واحداً.

القاعدة الثانية : هو وضع الكلمة في موضعها، وقد نهى القرآن من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، لذا لزم أن نتعرف على موضوع الآية ثم نفهم الكلمة.

في حديثنا عن الإيلاء وفي الجزء الثاني نحاول أن نفهم معنى ( الإيلاء ) ولكن من خلال فهم مواضيع الآيات أولاً دون أن نتنكر للفائدة اللغوية التي يمكن أن نحصل عليها من خلال فهم الكلمة من أصل اللغة ، ولكن نبدأ من القرآن ومن الآيات وليس العكس. وسيكون حديثنا منطلقاً في أربعة محاور :

الأول : إحكام آية (الإيلاء) بآية 1 من سورة الطلاق

الثاني : علاقة الإيلاء بالنشوز

الثالث : علاقة الإيلاء باليمين

الرابع : محاصرة الكلمة ( الإيلاء ) ووضعها في موضعها .

المحور الأول نعمل على مبدأ : إرجاع المتشابه للمحكم ، والمحور الأخير يعمل على مبدأ وضع الكلمة في موضعها.

أولاً : إحكام الإيلاء بآية (1) من سورة الطلاق

تقول الآية الكريمة : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ... )

1- الآية تخاطب الرجال ، 2- تأمر الرجال بإحصاء العدة ، 3- تنهاهم عن إخراج المرأة من البيوت قبل انتهاء العدة، فأي بيت هذا وأي عدة هذه؟

وتعلمنا في الدرس السابق أن سورة البقرة وفي آيات الطلاق تعرضت إلى عدتين : الأولى هي عدة الإيلاء ، والثانية هي عدة المطلقات ، ونحن هنا نحاول أن نفهم آية 1 من سورة الطلاق من أجل أن نحدد أي العدتين تقصد ؟

عدة المطلقات : وبالرجوع إلى ما تم دراسته في الحلقة السابقة، وجدنا أن هذه الآية تندرج ضمن العدة التي تكون فيها المرأة في بيت أهلها وخارج بيت زوجها. وهذا يتناقض مع مطلب آية 1 من سورة الطلاق والتي نعدها آية محكمة في هذا الموضوع.

عدة الإيلاء : وهذه العدة هي أربعة أشهر، وفي هذه العدة إمكانية التراجع عن القرار، أو العزيمة على تنفيذه. وهذه الآية تنسجم تماماً مع مطلب الآية وهو عدم تنفيذ الطلاق إلا بالالتزام بهذه المدة المحددة.

فإذا بلغن أجلهن : وما يؤيده هو الآية رقم 2 والتي تقول: فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بعروف، أي بعد انقضاء هذه الأربعة أشهر عليكم أن تحددوا الموقف بشكل صريح. وهذه الآية تؤكد أيضاً عدم انسجام آية ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ) مع آية 1 من سورة الطلاق، لأن المطلقة إذا انقضى أجلها فليس من حق الزوج أن يمسكها إذا أرادت أن لا تعود إليه، بينما آية 2 تخاطب الرجل على أن له كامل الصلاحية في الإمساك أو التسريح.

وهنا نحن أمام إحكام لموضوع الإيلاء، فآية 1 تؤكد على ضرورة الالتزام بهذه الفترة والتي يكون هدفها الإصلاح، فقد يفيء الرجل عن قراره وتعود المياه إلى مجاريها كما كانت. أما إذا كان الرجل مصراً على الطلاق فلابد من الفراق، وهذا يقودنا إلى أصل الإيلاء، وهو النشوز ، لذا نحن بحاجة لدراسة العلاقة بين النشوز والإيلاء.

تقول الآية الشريفة ( وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً ) هذه الآية تقول للرجل أن أحد احتمالي النشوز هو الفراق، فما أصل هذه الآية ؟

هذه الآية جاءت في معرض الحديث عن نشوز الرجل ، وهي تقول للرجل اتخذ قراراً ولا تجعل المرأة التي ابتعدت عنها كالمعلقة ، فإما أن تصلح أو تفارق .

1- في موضوع نشوز الرجل من المرأة ، وهو ابتعاده عنها وعدم إعطائها كامل حقوقها، يقول الله سبحانه وتعالى ( وإن يتفرقا يغن الله كل من سعته وكان الله واسعاً حكيماً ) ، وأصل الموضوع لهذه الآية في سورة النساء هو نشوز الرجل.

2- ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضا )

3- ثم تقول الآية التالية لهذه الآية ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) والآية تنهى الرجل من أن يميل كل الميل فيذرها كالمعلقة ، فلو لم يستطع الرجل إلا أن يميل عن المرأة لأي سبب كان ، فإن الآية تنهاه ( لا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ). تنهاه من تعليق المرأة .

والخلاصة : أن الآية تنهى عن تعليق المرأة وتأمر الرجل باتخاذ إجراء إما الإصلاح وإما الفراق، وهذا يعطي مؤشراً من مؤشرات بداية الطلاق والذي هو الإيلاء كما سيتضح أكثر لاحقاً، فالطلاق ليست رغبة طارئة من الرجل، ولم يكن ولي أمر المرأة قد أنكح ابنته من أجل أن يتسلى بها هذا الرجل ووقتما شاء انفصل عنها (كزواج مؤقت) ، ولكنها تزوجها وعقد معها على أساس أن تكون العشرة دائمة وباقية، فإذا أراد الرجل أن يطلق المرأة يقال له : لماذا ؟ ولا يقال له افعل ما شئت. وهاهنا حديث عن الفراق حينما أغلقت الأبواب أمام الإصلاح ، وحينما لم يكن هناك مجال لإعادة الأمور كما كانت وبالوضع الطبيعي، فهذا الآية تجبر الرجل أن يتخذ قراراً ..

وهذا يقودنا للنقطة التالية وهي علاقة الإيلاء باليمين.

اليمين :

1- ما ملكت الأيمان : هو الذي تعهد الرجل في إطعامهن ورعايتهن تحت ظله من الإماء ، هو يملكهم أو يملكهن ، ولكنه في المقابل متعهد بإعاشتهم.

2- اليمين : هو العهد ، وهو أن يتعهد الإنسان بفعل شيء لأي أحد كان .

آية 224 : واليمين يمكن أن يكون بحلف أو بدون حلف ، أي يمكن أن تعاهد أحد على فعل شيء بقسم أو تعاهده دون أن تقسم بالله أنك ستفعل ذلك الشيء ، لذا فإن الآية تقول ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ) .

آية 225 : ( لا يؤاخذكم الله ... ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم ) .

ومن خلال هذه الحالة نريد أن ندخل للآية التالية، بأن الإنسان محاسب على عهوده ومحاسب على كلامه، فما بال الرجل إذا تعهد بفراق زوجته؟

آية 226 : ( للذين يؤلون من نسائهم )، الذي آل من زوجته أي أنه أعطى يميناً على أنه لابد وأن ينفصل عن هذه المرأة، تعطيه الآية استثناء في المؤاخذة المذكورة في الآية السابقة ، فتقول له لك المغفرة إن تراجعت عن هذا القرار ولا جناح عليك ، لأن هذا الموضوع له خصوصية وهي أن الحياة الزوجية مليئة بالتجاذبات والتنافرات العاطفية ، فترقب لعلك تفيء عن قرارك هذا ، كما بينت آية 1 من سورة الطلاق ( إذا طلقتم النساء ... لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) .

يؤلون :

صيغة عامة ونوع من أنواع صيغة المعاهدة والتي تقال على شكل ( آليت على نفسي )، وكانت هذه الكلمة هي مدخل لطلاق المرأة وهو بإلقاء يمين الطلاق ونعني به عهد الطلاق (وليس القسم ) وهو عهد الرجل الذي عليه أن ينفذه بعد المدة المفترضة من قبل الله وهي أربعة أشهر.

فإن فاؤوا : عن هذا العهد

وإن عزموا الطلاق: عزموا على تنفيذ عهدهم بالطلاق

وللكلمة بعدها في العلاقة الزوجية وهو أنه آل عن زوجته، وهو ابتعاد نفسي كلي وهو أشد من النشوز الذي ذكرناه في الشريحة السابقة، ولكي نفهم الإيلاء بشكل أدق سنقترب من آيتين هما كما استنتجنا تتحدثان في نفس سياق عدة الإيلاء كما تم فهمه سابقاً :

آية 231 من سورة البقرة : ونقابل التسريح بعزيمة الطلاق ، ونقابل الفيء بالإمساك ، فما الذي يقابل الإيلاء ؟ هو كلمة ( إذا طلقتم النساء ) .

آية 1 من سورة الطلاق : وهي الآية التي أكدت على ضرورة الالتزام بفترة الإيلاء، تبدأ أيضاً بقولها ( إذا طلقتم النساء ) وهو ما يقابل الإيلاء، أما الفيء فهو يقابل الإمساك، وأما الفراق فيقابله عزيمة الطلاق.

فالإيلاء طلاق ، ولكن كيف ؟؟ نحاول أن نفهم ذلك من محاصرة الكلمة من خلال اللغة .

نعود إلى

آية 1 من سورة الطلاق : فقد وجدنا فيما سبق أن هذه الآية قد أحكمت موضوع آية الإيلاء، فلا يخرج من إطار الحديث عن موضوع الطلاق لأن هذه الآية تتحدث عنه وتستهدفه، وأن عدة الإيلاء هي عدة معتبرة ومطلوبة ولا يمكن تجاوزها في اجراءات الطلاق، ويبقى أن نحاصر الكلمة ( الإيلاء ) من خلال هذه الآية :

في الآية الشريفة مقاطع هامة :

1- ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن )

2- ( لعدتهن )

3- ( فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف )

4- ( أو فارقوهن بمعروف )

وفي العبارة الأولى ملاحظة هامة، وهي قوله تعالى ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن) تأمل معي في الآية، الله يأمر بأن يتم الطلاق بالعدة ؟ ولكن ما معنى قوله ( إذا طلقتم النساء) فإن الطلاق السليم والتام هو الذي يتم بالعدة ، فماذا سمت الآية بداية إجراءات الطلاق ؟ أسمته «طلاق» لأنها تقول ( إذا طلقتم النساء) ، والآية تقول أن بينك وبين الانتهاء من اجراءات الطلاق مدة هي التي اسمتها العدة ، وأن الطلاق الفعلي يكون بالمفارقة، إذاً لقد تمكن الزوج من العد لأنه عرف البداية، وهذه البداية هي طلاق ولكنه طلاق ناقص ولا يتم إلا بإتمام هذه العدة. وهذا عينه هو الإيلاء الذي هو بداية الطلاق ولكنه طلاق غير محسوب ما لم تتم عدته وهي أربعة أشهر .

من هذا الفهم نريد أن ندخل إلى محاصرة الكلمة من خلال فهم الموضوع كاملاً ، ولو حاولنا الإقتراب من هذه الكلمة لغوياً يمكننا أن نفهم ما تقصده الكلمة

نحاول في هذه الشريحة الأخيرة أن نضع كلمة الإيلاء في موضعها بعد أن حصرنا موضوعها

1- أصل الكلمة ( يؤلون من ) يمكن الاستفادة من العبارة المشهورة ( آليت أن ) والتي تعني أن يأخذ الإنسان على نفسه عهداً بأن يفعل شيء، أو أن لا يقارب شيء ، ويمكن كذلك أن نفهمها من كلمة (آل ) أي عاد ، ( آل إلى ) أي رجع أو اقترب ، والعكس عندما نقول ( آل من ) والتي تعني ابتعد أو امتنع، تقول الآية (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي لا يمتنع أصحاب من أعطاء هذه الفئات حقهم من المال والصدقة. فهذه الكلمة دمجت بين شيئين الامتناع والعهد ، فإذا هو عهد بالمفارقة، وهذا ينسجم تماماً مع ما قد يؤول إليه نشوز الرجل حين أمره الله بأن لا يدعها كالمعلقة وقال له ( وإن يتفرقا ).

وهذا يقودنا إلى أن الكلمة تعني ( عهد بالفراق )

2- سورة البقرة آية 225 : (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) وجدنا أن آية الإيلاء جاءت بعد الحديث عن الأيمان ( ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) وفهمنا أن الأيمان هو عهد .

3- سورة البقرة آية 226 : ( فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم ) وهو التراجع عن هذا القرار وهذا العهد الذي فيه التزام في التطبيق.

4- سور الطلاق آية 1 : ( لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) وقد بينت هذه الآية أن الغرض من هذه المدة أنه قد يكون هناك تراجع عن هذا القرار فتعود الأمور كما كانت ويعفو الله عما سلف .

وهذا يقودنا إلى أن نفهم أن في الكلمة ( يمين )

5- سورة البقرة آية 226 : ( وإن عزموا الطلاق ) والتي تعني أنه حين آل عن زوجته قد عاهد بالطلاق

6- سورة الطلاق آية 1 : ( إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) أكدت هذه الآية أن بداية الطلاق الفعلي هو طلاق غير تام لأنه بداية العد

7- سورة البقرة آية 231 : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ) أيضاً أكدت أن التسريح قد سبقه طلاق ولكن فهمنا أن هذا الطلاق هو الإيلاء والذي هو طلاق غير تام ، وطلاق ناقص .

وهذا يقودنا إلى أن نفهم أن الكلمة حملت معنى ( الطلاق غير التام)

ومن خلال هذه المحاصرة للكلمة نفهم أن معنى كلمة الإيلاء هو

عهد بمفارقة المرأة بعد الوصول إلى انسداد طريق الصلاح بينهما، وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على الرجل أن ينتظر في تنفيذ يمينه هذا إلى بعد أربعة أشهر لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، فإن فاء عنه فإن الله غفور رحيم ، وإن عزم الطلاق فإن الله سميع عليم.

ومنه نفهم :

أن الطلاق إجراءات تنفذ في مدد محددة وليست مجرد كلمة، وأن الله سبحانه وتعالى وضع هذه الإجراءات حفاظاً على الأسرة من أجل أن لا تنفك وتنهار فقط بكلمة .