الإيلاء
| الطلاق# مقدمة
ما هو الإيلاء ؟ الذي تذكره سورة البقرة في الآية الشريفة
﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ البقرة(226)
لن نبدأ في فهم الإيلاء من خلال الكلمة ولكن من خلال الموضوع الذي وردت فيه هذه الآية. فهل الإيلاء شيء مختلف عن موضوع الطلاق؟ أم أنه جزء من الطلاق أصلاً ؟ في هذه الحلقة نحاول محاصرة الكلمة بالموضوع من خلال ثلاث محاور
الأول : هو فهم الإيلاء من خلال فهم العدة .
الثاني : مقاربة آيات الطلاق في نفس مقطع الآيات التي وردت فيها هذه الآية الشريفة.
الثالث : سنقوم بمقارنة بين العدد التي فهمناها في مقطع الآيات ، وهما عدة الإيلاء وعدة الثلاث قروء .
# الإيلاء
# فهم الإيلاء من خلال فهم العدة
نرجع للآيات التي جاءت بعد آية ( الإيلاء ) وهما آيتا 231 ، 232 في سورة البقرة لنحدد طبيعة كل عدة لنفرق بينها وبين العدة الأخرى،
﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ البقرة (231)-(232)
# أولاً : في آية 231
تقول الآية
﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا ﴾ ،
فنلاحظ أن :
أ - الآية تخاطب الرجل المطلق .
ب – تقول للرجل يمكنك أن تمسك أو تسرح.
# ثانياً : في آية 232
تقول الآية
﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ﴾
أ- الآية تخاطب أهل الزوجة .
ب- وتنهاهم عن إعضال المرأة : أي الوقوف أمام الزوجة في الرجوع إلى طليقها.
# العدة
إذا نحن أمام عدتين مختلفتين
العدة الأولى : تكون المرأة في بيت زوجها بحيث يمكن للزوج أن يمسكها أو أن يسرحها بعد انقضاء المدة.
العدة الثانية : وتكون المرأة في بيت أهلها و يمكن لأهل الزوجة أن يعضلوا الزوجة من أن تعود لطليقها بنكاح جديد بعد انقضاء المدة**،** ولكن الله ينهاهم عن ذلك.
نرجع الآن للآيات التي ورد فيها الإيلاء، ولكن نبدأ بآية 228
# آية 228
تقول الآية
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ البقرة (228)
ونلاحظ في الآية
1- لا يحل للمطلقة أن تكتم الحمل إذا ظهر أنها حامل، وهذا من أجل إبلاغ المطلق بحملها.
2- يحق للزوج أن يردها إليه إن علم بذلك.
3- والزوج أحق من أي أحد آخر بردها.
وهذا يعني : أن الزوجة في بيت أهلها بعد تطليقها من زوجها وخروجها من بيته.
# آية الإيلاء
يقول الله عز وجل:
﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ البقرة (226)-(227)
ففي نهاية هذه المدة التي حددتها الآية بأربعة أشهر يمكن للزوج الفيء أو تنفيذ الطلاق.
1- الفيء هو العودة عن قرار أو عن نية محددة.
2- فإن الله غفور رحيم: عن التراجع في القول وعدم الوفاء به كيمين وعهد عاهد الرجل به نفسه، وهذا العفو خاص في الحياة الزوجية لأنها مليئة بالمخالفات.
2- عزيمة الطلاق : والعزيمة تكون تنفيذاً لنية مسبقة في الطلاق.
4- فإن الله سميع عليم : لأن الموقف هو موقف تنفيذ والله يسمع ما يقوله الزوج وما هو مقبل على تنفيذه من تطليق المرأة.
وهذا يعني أن الزوجة في هذه المرحلة في بيت زوجها ولم تخرج منه بعد، لأن الزوج لم يقرر إخراجها ولم يعزم على الطلاق بعد.
وهنا نفهم أيضا من هتين الآيتين أن هناك عدتان :
العدة الأولى: تكون المرأة في بيت زوجها والزوج لم يعزم على تنفيذ الطلاق بعد وعليه أن ينتظر 4 أشهر ،
والعدة الثانية: هي العدة التي تقضيها المرأة المطلقة في بيت أهلها بعد تطليقها وتسريحها من البيت وهي التي تقضي فيها المرأة ثلاثة قروء.
# مقارنة
نقارن بين آيتين هما آية 226 و آية 231
﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ البقرة (226)
﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ البقرة (231)
أولاً : ونلاحظ التقارب المهم بين الآيتين ففي الآية الثانية تقول الآية ( فأمسكوهن بمعروف ) يقابل هذا المعنى ( فإن فاؤوا ) في الآية الأولى
ثانياً : في الآية الثانية نلاحظ قوله ( أو سرحوهن بمعروف ) ويقابل ذلك قوله سبحانه بنفس المعنى ( وإن عزموا الطلاق )
ثالثاً : الآية الثانية تتحدث عن الطلاق حيث بدأت بالقول ( وإذا طلقتم النساء) ، وهذا ما يعني أن آية ( الإيلاء ) هي جزء لا يتجزأ من الطلاق.
رابعاً : في الآية الثانية قوله ( فأمسكوهن ) للرجال ، لا يمكن لأحد أن يمسك بشيء إلا إذا كان في متناول يده ويمتلك فيه القرار، وتقول ( أو سرحوهن ) ولا يمكن لأحد أن يسرح شيء إلا إذا كان في حوزته. لذا فإن الآية تؤكد للرجل بأن لا يمسك من أجل أن يضر بالمرأة، أي من أجل الإيذاء و الإنتقام .
# مقاربة
يبقى النقطة الثالثة في هذه الدراسة وهي مقاربة الآيات مع بعضها البعض:
نقارن بين الآيتين آية 228 و آية 232 والتي استنتجنا منهما أن المرأة تكون فيها في بيت أهلها،
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ البقرة (228)
وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ البقرة (232)
أولاً : ونلاحظ في الآية الأولى قوله سبحانه ( وبعولتهن أحق بردهن ) وما يقابلها في الآية الثانية قوله سبحانه وتعالى ( فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف)
وهذا للتأكيد على أن الآيتين يسيران في اتجاه واحد وهو أن المرأة خرجت من بيت زوجها بعد قرار الطلاق، وهي في الأولى تنتظر انتهاء العدة ، بينما في الآية الثانية قد انتهت عدتها ووجدت نفسها مع وزجها في رغبة للصلح والعودة إلى عش الزوجية ولكن الأهل قد يقفوا عائقاً في تحقيق هذا الأمر.
ثانياً : عودة المرأة للرجل في هذه الحالة تكون بنكاح جديد، الأمر الذي نفهم منه أن الطلقة تحتسب على المرأة حين خروجها من بيت زوجها،
من هنا نفهم أن الإيلاء عدة معتبرة في الطلاق، بل هي بداية الطلاق الصحيحة، والإيلاء أساس نفهم من خلاله الآيات التالية، وبدون الإيلاء نخرج الآيات التالية عن فهمها الصحيح والمتكامل . وهنا نحاول أن نقارن بين العدتين : عدة الإيلاء ( للرجل قبل التسريح) وعدة الـ ( الثلاثة قروء) للمرأة بعد التسريح.
أولاً : عدة الإيلاء هي أربعة أشهر ، عدة الثلاثة قروء في ثلاثة قروء ولهذا تفصيل يأتي بيانه في حينه
ثانياً : الإيلاء يتربص فيه الرجل ، أما القروء تتربص فيه المرأة
ثالثاً : في الإيلاء تقضي المرأة المدة في بيت زوجها ، أما في عدة القروء تكون المرأة في بيت أهلها
رابعاً : في الإيلاء يمكن للزوج إمساك زوجته أو تسريحها ، أما في عدة القروء يمكن للزوج رد زوجته بنكاح جديد، كما اتضح لنا سابقاً في آية ( فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن).