سورة البقرة من آية 142 إلى آية 145
| ayat | elbakara﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [142]
تتحدث الآية المباركة والآيات التي تليها عن اتجاه القبلة الصحيح وهو الكعبة المشرفة، ولهذا الرمز الديني أهمية كبيرة في ملة إبراهيم ، وهذه الآيات تصحح انحراف أهل الكتاب من يهود ونصارى في هذا الحكم. وتبدأ مجموعة هذه الآيات بقوله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ ﴾ لتبين للنبي ومن تبعه من المؤمنين ردة فعل فئة من أهل الكتاب تسميهم الآية "السفهاء"، ولقد أشارت آية (130) سابقًا بوصف هذه الفئة بقولها: "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا سفه نفسه"، حيث تربط السفاهة بالابتعاد عن ملة إبراهيم كنص رباني منزل على أهل الكتاب، وهم نفسهم الأميون الذين أشارت إليهم آية (78) في نفس السورة، وبينت أنهم لا يعلمون من الكتاب شيئًا، ولا يعلمون من الدين إلا الأمنيات ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴾ البقرة (78)، فهم السائرون في أحكام الدين بالظنون لا بالعلم الحقيقي منا لكتاب المنزل.
الآيات الكريمة تقدمت بإخبار الرسول عن ردة فعل هذه الفئة من الناس عن الحكم المنزل على النبي قبل أن تتحدث عن الحكم نفسه، وتقول : ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ ﴾ هناك فئة من المجتمع سيعترض عن جهل على الحكم النازل من السماء بخصوص اتجاه القبلة، فهو لا يعلم عن ملة إبراهيم، ولا يعلم ما تحدثت به الكتب السماوية، ومع ذلك يعترض! تَعجُب السفهاء من تغيير القبلة للمسجد الحرام هو بسبب ظنهم أن المسجد الحرام ليس القبلة الحقيقية، وهذا الظن نابع من رغبتهم عن ملة إبراهيم وجهلهم وبسبب أميتهم في الكتاب. فهم أصحاب كتاب ولكنهم لا يقرأونه ولا يعلمون منه شيئًا.
﴿ مِنْ النَّاسِ ﴾ كلمة "الناس" تشير إلى عموم المجتمع، واﻵية باستخدامها لهذه اللفظة تعبّر عن شريحة اجتماعية واسعة في زمن الرسالة، هم أهل الكتاب من أتباع التوراة أو الإنجيل، ولكن غالبيتهم لايعلمون عن كتبهم شيئًا إلا الأماني، فلا يعلمون سوى أنهم سيدخول الجنة لأنهم أبناء الله وأحباءه. وقد استخدمت سورة البقرة لفظة "الناس" من بداية السورة في قوله تعالى ﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ البقرة (8). للإشارة إلى مرضى القلوب الذين يسايرون مفردات اﻹيمان دون أن تحدث لهم تغيرا حقيقيا. وفي هذه الآية مصداق حقيقي لتعامل مرضى القلوب مع حقائق الكتب السماوية حين تبان وتظهر. وفي موضع لاحق من السورة نفسها استخدمت نفس اللفظة في قوله تعالى ﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ البقرة (204) والواضح أن استخدام هذه اللفظة جاء على منحى سلبي، بمعنى أنه جاء ليعبر عن شريحة اجتماعية تتعامل بقشور الدين ولا تعلم من الكتاب إلا رسمه.
الآية الكريمة تبين أن أولئك السفهاء سيقولون : ﴿ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾؟ وهو سؤال استنكاري على الحكم النازل على النبي (ص)، وهي بهذا البيان تكشف ما الذي سيكون من السفهاء حين يرون النبي وأتباعه قد استقبلوا القبلة التي أمرهم الله بها، حيث سيقولون : ماالذي دفعهم لأن يغيروا اتجاه قبلتهم ويتجهوا باتجاه آخر؟! وهم بهذا الاستنكار يعبرون عن تكذيبهم وكفرهم بالرسالة وما تحويه من أحكام مخالفة لما ألفوه وما اعتادوا عليه.
أما رد النبي (ص) على ذلك السؤال فهو بما أمره الله به: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾، كل الاتجاهات هي لله عز وجل، فله عز وجل اتجاه المشرق، وله كذلك المغرب، فإذا كانت كل الاتجاهات لله، فإذا أمر الله عز وجل المؤمنين بالتوجه باتجاه المشرق فسيقبل منهم عبادتهم، وإن أمر بخلاف ذلك فسيقبل منهم عبادتهم أيضًا، فلا ضير فيمن يطيع الله أن يتوجه لأي اتجاه يأمره الله به، فإذا استجاب المؤمن لأوامر الله، ستكون النتيجة أن يهديه إلى صراط مستقيم. ومضمون الآية هو أن الله قد هدى النبي ومن معه إلى الاتجاه الحقيقي للقبلة كما هو منصوص في الكتب القديمة وكما هو في ملة إبراهيم (ع).
﴿ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ لقد هدى الله عز وجل نبيه ومن تبعه إلى الحقيقة، والهداية هنا مقترنة بمعرفة الحقيقة وبنزول النص المبين لها، ويبدو أن هذه الحقيقة كانت مشتتة عند الناس، فلكل جماعة قبلتهم! وكل جماعة لها اتجاه، وعند ظهور هذه الحقيقة واشتهارها تصبح بقية الاتجاهات غير حقيقية وغير صحيحة.
ومن قوله تعالى ﴿ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ الذي يعبر عن موقف السفهاء من هذا الحكم النازل، نفهم أن النبي (ص) ومن معه كانوا على قبلة ثم تولوا عنها إلى قبلة أخرى، ومن هذا يبدو أن القبلة الأولى لم تكن هي القبلة الحقيقية لملة إبراهيم، أما القبلة الثانية التي تولى إليها النبي (ص) ومن معه فهي الحق من عند الله.
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [143]
تخاطب هذه الآية المباركة المؤمنين الذين آمنوا بالنبي محمد (ص)، وطبقوا أمره وتوجهوا إلى القبلة الحقة، تبدأ الآية الكريمة بقولها ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ أي كما جعلناكم على الحق في موضوع القبلة وفي الدين، كذلك ﴿ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾، جعل يضاف إليه جعل آخر ليكتمل أمر الله، والآية الكريمة تُحمّل المؤمنين مسؤولية الدين بتطبيقه وإيصاله لبقية الأمم، فهم من هذه اللحظة الأمة الوسط، أي الأمة الواسطة التي تتوسط بين الرسول وبين الناس، فهم الوسط الناقل لرسالة الله، فبعد أن يأخذوا عن الرسول الذي يأخذ عن جبريل عن الله الآيات البينات، يقومون بتوصيل ما وصلهم منه من آيات وأوامر إلى بقية الناس، نصًا وتطبيقًا. وهذا يُشير إلى أنهم احتلوا مكانة القرب من الرسول، وهذه المكانة بنيت على أساس الثقة الإيمانية التي أبدوها من خلال اتباع الرسالة والرسول في الفتن وتقلبات الأحداث أبرزها ما تتحدث عنه الآيات من تبديل القبلة.
ولكونهم أصبحوا بثباتهم وإيمانهم بهذا القرب وبهذه المنزلة أمة وسطًا، فقد جعلهم الله شهداء على الناس ﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾، الشهداء هم حملة الكتاب، والذين يشهدون بما فيه، ولكن هذه المرتبة جاءت بجعل من الله لهم بعد اجتياز هذه الفتنة، فهم بين الناس ومن هذه اللحظة يُعرفون بالشهداء الذين يمكن الوثوق بأمانتهم في حمل الرسالة ونقلها إلى كافة الناس، ليحتلوا وظيفة هي في الأصل وظيفة الرسول في نقل الرسالة، وهذه الوظيفة تراتبية تأتي بعد النبي محمد (ص)، لذا تكمل الآية الكريمة ﴿ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾، فهم ثقة الرسالة، وهم الممثلون الحقيقيون للرسول في تبليغ رسالة الله عز وجل، فالرسول هو شهيد مؤتمن على رسالة الله، يبلغ رسالات الله إليكم، وأنتم بكونكمن شهداء مؤتمنون على الرسالة توصلون هذه الرسالة لبقية الناس.
﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ في هذا المقطع تخاطب الآية الكريمة النبي محمد (ص) في حقيقة القبلة التي كان عليها قبل أن يتوجه إلى المسجد الحرام، عندما تقول ﴿ الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ﴾ يتأكد لنا مافهمناه من الآية السابقة أن النبي كان على قبلة قبل أن يتوجه إلى المسجد الحرام، أما قوله تعالى ﴿ وَمَا جَعَلْنَا ﴾ فهو دليل على أن النبي لم يتوجه لتلك القبلة من ذاته وإنما بأمر من عند الله، الأمر الذي يبن أنه إنما كان أمرًا مؤقتًا لغاية تبينها نفس الآية بقولها : ﴿ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾، فبالأمر الجديد وهو التوجه نحو المسجد الحرام، سينقلب الكثير من الذين اتبعوك بادي الأمر.
عاش المؤمنون في تلك الفترة تبديلين، الأول هو الأمر بالتوجه لقبلة كان أغلب أهل الكتاب التي يؤمنون بها وهو الذي عبرت عنه الآية بقولها ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ﴾ ، أما الأمر الثاني فهو هذا الأمر الذي جاءت به هذه الآيات بالتوجه نحو المسجد الحرام ولقد مثل ذلك فتنة كبرى لهم، انقلب فيها عن الاسلام الكثير، وبقي عليه من يتبع الرسول وإن كان بصعوبة ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾، الشيء الكبير هو الذي يصعب تطبيقه، فكان الأمر كبيرًا على الغالبية إلا على الفئة التي وصفها الله بأنهم هداهم الله فقد مرت الفتنة عابرة لم تزلزل فيهم شيئًا تجاه تصديقهم بكتاب الله ورسالة النبي، ولقد هداهم بسبب إيمانهم الحقيقي بالرسالة قبل هذه الفتنة، ولقد بينت الآية الكريمة أن الغرض من هذه الفتنة لم يكن إسقاط المؤمنين أو تضييع إيمانهم، ولكن كان من أجل الفرز وانتخاب فئة منهم أسماهم الشهداء ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.
﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [144]
الآية الكريمة تخاطب النبي محمد (ص)، وتأمره بالتوجه للمسجد الحرام على أنه هو القبلة الحق، وقبل ذاك تحدثه بمكنونات نفسه عن الفترة التي سبقت إنزال هذا الأمر، ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾
" قد نرى تقلب وجهك في السماء"
تقلب وجه الرسول في السماء هو تعبير عن الحيرة والتفكر في أمر الله له بالتوجه للمسجد اﻷقصى حين كان متوجهاً ناحيته، ويبين ذلك علم النبي بأنها ليست القبلة المنصوصة في الكتب السماوية السابقة، وبتوجهه ناحية المسجد الأقصى يكون في تناقض مع ما جاء يدعو الناس على أساسه أنه مصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل، وهو (ص) في حيرة وتساؤل: لم يأمره الله بأن يتوجه إليها؟! وكأن في الأمر حكمة لا يعلمها النبي الذي يستقبل احتجاجات من يعلمون الكتاب ويعلمون الحقيقة.
والله يخاطب النبي (ص) بخطاب العالم بما في الصدور وما كان يخفيه من مشاعر أثناء الاستسلام للتوجه ناحية الأقصى، وليبين لمستمع القرآن وقارءه أن الأمر لم يكن بيد النبي ولكنه بأمر الله، وأن الرسول كان في حيرته الأثناء من معرفته بالحقيقة التي يعلمها أن القبلة الحق هي المسجد الحرام.
"فلنولنيك قبلة ترضاها، فول وجهك شطر المسجد الحرام"
رضا النبي للمسجد الحرام ليس لهوىً في نفسه، ولكن لأنه يعلم بأنها الحق، فهي البيت الذي أسسه نبي الله إبراهيم وأسكن فيه من ذريته، فهاهنا كان إبراهيم من أجل الصلاة وليس في أي مكان آخر.
" وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره"
سواء أكنت يا رسول الله في مكة أو في غيرها من البلدان، فالأمر واحد في التوجه لمسجد واحد، ولا يتعدد التوجه باختلاف المكان.
" وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون"
فقد ينحرف بعضهم إلى قبلة أخرى مع علمه بما هو موجود لديه في الكتاب السماوي، والله سبحانه وتعالى المطلع على قلب النبي (ص) ، مطلع على ما يعمل هؤلاء من كمان للحقيقة أو تغييرها في موضوع القبلة. فقد استبدلوا المسجد الحرام بالمسجد الأقصى لاعتبارات تتعلق بمكانة الطائفة التي هم عليها.
فائدة
لم يكن النبي (ص) راض عن توجهه ناحية المسجد الأقصى، لقد كان على قبلة جده نبي الله إبراهيم (ع)، وقد انهالت عليه الأسئلة والاستنكارات في تبديل القبلة إلى الأقصى، كيف تتبدل القبلة ؟ هذا الأمر تسبب له بضغط وحرج من قبل الناس الذين حاجوه بأنه متبع للكتب السماوية، وعندما تعرض الرسول لهذه المشكلة حدق بنظره إلى السماء، في تعبير عن الحيرة . ولكنه (ص) وعلى الرغم من ضغوط الناس إلا أنه يستجيب لأوامر الله، وقد تبعه في ذلك كثير من المؤمنين.
﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ ﴾ [145]
"ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم" : كان النبي معهم على وفاق ، ومن بعد هذا اختلفت التوجهات وانفصل النبي عنهم وعن أهواءهم. لم يقل ولئن اتبعت قبلتهم ولكن قال أهواءهم بمعنى كامل الدين.
غنى الله عن عباده في كون أنه إذا لم يتبع قبلتك فلا عليك منه، فلا تحاول في شخص لا يريد الله.
ولئن أتيت : هناك من أهل الكتاب مؤمنة بما أنزل إلى النبي، اتباع النص ، عندما الله يذكر فئة من أهل الكتاب يعني أنهم كلهم لم يؤمنوا وبالتالي لا يوجد مسلمون في أهل الكتاب ، وهذا إلغاء لملة إبراهيم لأن في أهل الكتاب،
أخرجوا الكلمات من الروح التي فيها، الكلمات لها روح ، ولكن الم
يوجد يهودي مسلم ، وعربي مسلم ، ومجوسي مسلم ، لا أحد يأخذ الهدى عنده ، (أنؤمن كما آمن السفهاء) عاملني زي ما تعامل الناس،
القبلة تفرقت كما تتفرق الأهواء بين المسلمين اليوم في أماكن مختلفة، النبي قبل أن ينزل القرآن كان يرجح ما عليه أهل الكتاب، كان أقرب شيء له كان أهل الكتاب.
عندما يقول الله ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) هو يقول لنا نحن
الآية فيها تصنيفين ،
الآية تقول
عندما نفكر في هذا الحدث نتساءل: لماذا فعل الله هذا بالمؤمنين؟ لماذا هذه الفتنة؟ رغم أن الفتنة كانت كبيرة على الذين أوتوا الكتاب الذي لديهم أن القبلة الحق هي المسجد الحرام، فكيف يأتي النبي الذي ادعى أنه مصدق لما لديهم من الكتاب، كيف يأتي بأمر مخالف لما لديهم؟ لماذا يعمل هذه الفتنة ؟
من هذه التساؤلات نعرف الله؟ نعرف كيف يتعامل الله مع الإيمان، الله لا يريد إيمان سطحي، لا يريد الذين يؤمنون على حرف، لاحظ كيف فتن الذين ادعوا أنهم يؤمنون بالنبي محمد ، انظر كيف فتنهم في فتنة القبلة وأخرجهم من إيمانهم به، وبدلًا من أن يبقيهم على هذا الإيمان الضعيف، فتنهم حتى يخرجهم من دائرة المؤمنين. فانظر إلى فعل الله، وانظر إلى أي درجة من الإيمان يريدها من المؤمن.
الله عز وجل يريد ثبات في الإيمان، يريد إيمان حقيقي، لا تزعزعه الفتن، مهما كانت الفتنة، المؤمن لا يتزعزع ويحتسب ويتوكل على الله، ولذا على المؤمن أن يثبت إيمانه بالصلاة والإنفاق حتى يصل إلى الدرجة التي يريدها الله.
# السفاهة في الدين
وإذا كانت السفاهة هي فقدان ملكات عقلية تمكن الإنسان من إدارة شؤون حياته، فإن السفاهة في الدين تعني أن يفقد الإنسان القدرة على إدارة قراراته الدينية، وذلك لا يتأتى إلا بفقدان صلته بالكتاب المنزل من عند الله سبحانه وتعالى. فحين يفقد المؤمن تلك الصلة تتقاذفه التيارات والعقائد والأحكام والشرائع التي ينشأ ويتربى عليها، لتشكل إطاره الفكري، ومنطلقه الأساس الذي يحدد من خلاله الصواب من الخطأ، بدلاً من أن يكون هو من يؤسس لنفسه القاعدة الفكرية التي يقيّم بها الأشياء من حوله، وبفقدان تلك المهارة الهامة يكون قد استحق "حسب الآية" صفة السفاهة.
" أمة وسطا "
جعل الله سبحانه وتعالى من اﻷمة التي اتبعت الرسول بعد فتنة تبديل القبلة وواصلت على إيمانها به رغم قوة الفتنة، جعل منها أمة وسطا، أي جعلها واسطة في تبيلغ الرسالة القرآنية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على رسوله.
"لتكونوا شهداء على الناس"
اﻵية تقر انتخاب رباني لمن نجى من فتنة تبديل القبلة بأنه بلغ مرتبة الشهيد، وهي مرتبة إيمانية يبلغها أصحاب الرسول بعد تمحيص وفتن يفرق فيها بين قوي اﻹيمان من ضعيفه، وبين من اتبع الرسول بصدق ممن اتبعه بدون وعي وإدراك، أو اتبعه وهو مشكك في أمره غير متيقن مما أنزله الله عليه. ولقد قال الحواريون حين دعاهم عيسى لنصرته
" ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين".
أما أصحاب الرسول الذين ثبتوا في فتنة القبلة ولم ينقلبوا على أعقابهم فهم "الشهداء" الذين اختارهم الله ليستشهد بهم على الناس يوم القيامة، ﻷنهم شهدوا إرسال الرسول وإنزال الكتاب السماوي، والعكس صحيح، فلقد انتخبهم الله "شهداء" على حدث مهم في الدنيا من أجل أن يأخذ شهادتهم على حدث مهم في اﻵخرة.
"ويكون الرسول عليكم شهيدا"
إذا فهمنا تسلسل الرسالة الربانية تمكنا من فهم هذا التسلسل في الشهادة، فالرسالة الربانية تنزل إلى الرسول من عند الله عن طريق جبريل، ومن الرسول إلى المؤتمنين على الرسالة من الذين انتخبهم الله بعد الفتن "الشهداء" ليوصلوها إلى الناس. و "الشهداء" الذين هم بمثابة رسل الرسول، يكونوا شهداء على الناس في كيفية استقبالهم للرسالة، والرسول يكون شهيدا على هؤلاء المبلغين "الشهداء" في كيف يوصلون رسالة ربهم إلى الناس.
"وما جعلنا القبلة التي كنت عليها"
الجعل في الدين هو التشريع، ولا يكون التشريع إلا من عند الله، هو ديان الدين، وهو منزل الكتاب ومشرع اﻷحكام. والمقطع من الآية الشريفة يؤكد على أن هناك تشريعان في موضوع القبلة في زمن الرسالة، تشريع مؤقت، وآخر تشريع دائم إلى يومنا هذا. وهذا التشريع الدائم هو اﻷصل الذي كانت عليه ملة إبراهيم (كما سيتضح في اﻵيات اللاحقة).
"إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه"
هذا المقطع من اﻵية الشريفة يبين مغزى ذلك الجعل المؤقت، وهو من أجل أن يمتاز المؤمنون بالرسول حقا ممن يشككون في رسالته، وقد أحدث هذا التبديل من المسجد اﻷقصى إلى المسجد الحرام انقلابا لدى كثير من أهل الكتاب الذين سارعوا باﻹيمان بالرسول بادئ ذي بدء، وخصوصا حين ساير أهواءهم في حكم القبلة بالتوجه إلى المسجد اﻷقصى، ولكن حين تبدلت القبلة إلى المسجد الحرام انقلبوا على أعقابهم.
"وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله"
كبر على أهل الكتاب ما يدعوهم إليه الرسول في تبديل القبلة من المسجد اﻷقصى إلى المسجد الحرام، فلم يستجيبوا له وانقلبوا على أعقابهم. كبيرة عليهم ﻷنها تخالف ماهم عليه، كبيرة عليهم ﻷنها تسقط الكيان الذي بنته أهواءهم، كبيرة عليهم ﻷنهم أشركوا بالله وأدخلوا في الدين ماليس فيه، وبدلوا القبلة الحق. أما الذين هداهم الله بآياته وبكلماته فقد كان الانصياع والاستسلام لحقائق الكتاب عليهم سهل يسير، وإذا بدل الله آية مكان آية ما ازدادوا إلا يقينا وإيمانا بصدق ماهم عليه.
"وماكان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم"
لم يكن غرض الفتنة هو أن يخفق المؤمن وأن يخسر إيمانه فالله بالناس رؤوف رحيم، ولقد مرت الفتنة بسلام على المؤمنين ﻷن الله سبحانه وتعالى حفظ إيمانهم رأفة ورحمة، فثبتوا وأبدوا استسلاما ﻷمر الله وبدلوا إلى المسجد الحرام دون تذمر واعتراض.
الذين يمكن أن نسميهم أمة محمد هم الذين تبعوه في الأحكام وخصوصاً في موضوع القبلة، والقبلة التي كان عليها هي الأقصى ، والأقصى ليست قبلة ولكن الله جعلها فتنة ، الفتنة كانت كبيرة لأن اليهود اتخذوا من الأقصى قبلة لهم، والمؤمنين الذين مع النبي من أهل الكتاب والذين يتلون الكتاب حق تلواته، القبلة الحق هي المسجد الحرام، وأهل الكتاب كانوا يعلمون ذلك. وكانت كبيرة على المؤمنين أن تأتي آية تخالف التوراة والإنجيل لأنها أقرت بأن القبلة هي المسجد الحرام، وبهذا كان التوجه للمسجد الأقصى حجة على الذين آمنوا بأنهم خالفوا التوراة على الرغم من ادعائهم أنهم مصدقين لها، فتنة تبديل القبلة تشبه اختيار طالوت بعد بني إسرائيل، فهي فتنة قوية جداً، اختيار التحويل هو الفتنة.
عندما يعلق المؤمن أمره لله سبحانه وتعالى فلا يضيره شيء، ولا يسقط في الفتن الشديدة.
الشهداء هنا هم الذين سيكونون رسل الرسول، والذين يوصولون الهدى للناس.
عندما توجه المؤمنون للمسجد الأقصى كانت عليهم حجة من الذين آمنوا من قبلهم، كونهم بهذا التوجه يخالفون ما جاء في الكتب السماوية السابقة في أن القبلة هي المسجد الحرام وليس الأقصى. وتقلب وجه النبي يشير إلى أنه في حالة من الهم والحيرة كونه اتجه إلى قبلة يحجه الذين أوتوا الكتاب فيها كونه يخالف الكتب السماوية السابقة على الرغم من أنه جاء ليقول لهم إني مصدق لما معكم. أما هذا الأمر الجديد وهو التوجه ناحية المسجد الحرام فإنه يرفع عنه هذا الحرج ويدفع حجة الناس عنه، ويزيل الهم الذي حصل له، فالذين أتوا الكتاب يعلمون أنه الحق من ربهم ويعلمون أن ما نزل على النبي في هذا الشأن ليس صادراً من هواه بل هو أمر رباني لأنه حقيقة ثابتة لديهم.
أولاً : مخطط الآيات :
1- تداعيات الفتنة : " سيقول السفهاء "
2- الغرض من الفتنة : " يتخذ منكم شهداء "
3- حيثيات الفتنة : " قد نرى تقلب وجهك في السماء"
4- حقيقة أهل الكتاب : " ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية " والدور الذي يعملونه في التأكيد على خلاف ما ورد في الكتب السماوية.
ثانياً :
مع وجود الكتاب إلا أن القبلة قد اختطفت، ومقام إبراهيم انحرف عن موقعه الجغرافي الحقيقي في مكة وفي المسجد الحرام إلى موقع آخر، وتم تضييع هذه الحقيقة حتى أصبحت غائبة عن الناس ، وقد قسمت الآية الناس في هذه الفتنة إلى سفهاء معارضون لحكم النبي، أما العلماء فينقسمون إلى عالم ساكت عن الحقيقة، أو معاند لها وبالتالي هو معاند للرسول ويعمل على نثر الحقيقة المغايرة لما يعلمه من الكتاب.
أما الذين استسلموا للحقيقة فهم من المؤكد من الفئة القليلة التي تبعت الرسول.
لقد جاءت الفتنة في بدايتها لتسعد السائرين على الإنحراف، ولكن الله حين استبدل الحكم الأول بالحكم الثاني الحقيقي وهو المسجد الحرام انقلب الكثير من الذين تبعوا الرسول
الرسول هو الحقيقة وليس الشخص المادي .