مدونة حلمي العلق

سورة البقرة من آية 281 إلى آية 283

 | ayat | elbakara

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282))

( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)

يضع الله سبحانه وتعالى في هذه الآية قانون التعامل بين المتداينين، ويقول يا أيها الذين آمنوا اكتبوا الدين الذين يجري بينكم. في الآية السابقة كان الحديث عن الربا وتقول وأن تصدقوا خير لكم، أما إذا تحول إلى دين وتعسر فنظرة إلى ميسرة، وهنا تؤكد على وجوب أن يكتب الدين ويثبت. والآية تقول إذا تداينتم إلى أجل مسمى، فهذا يعني أن الدين يطول مدته وليس على المدى القريب.

(وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله)

ولأن الكتابة تحتاج إلى كاتب، فلابد من إحضار كاتباً عادلاً، والعدل هي إشارة لتعادل التعامل بين الدائن والمدين، وتصف الآية أن الكتابة علم علمه الله سبحانه وتعالى للإنسان وعليه أن لا يأب في أن يمارس دور الكاتب لأنه علم من عند الله إليه، وفي هذا إشارة إلى أن المهارات التي يمتلكها الإنسان هي مواهب من عند الله، ويجب أن يوظفها الإنسان في الخير ولا يبخل بها.

(فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه، ولا يبخس منه شيئاً ).

ليكتب هذا الكاتب، وليتق الله، ولا يبخس من هذا الدين الذي يملى عليه أي شيء.

( فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل )

هذه حالات عدم قدرة الذي عليه الدين أن يملي على الكاتب وهي السفه، الضعف، أو عدم القدرة على الإملاء، وهنا تعطي عناوين عامة يكون لها مصاديق كثيرة. وعليه يكون الإملاء على الولي .

( واستشهدوا شهيدين من رجالكم )

اطلبوا الشهادة من الرجال حتى يشهدوا حادثة إملاء المداينة.

( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى )

أن تضل إحداهما أي أن تنسى ويشتبه عليها الدين، فإذا كان معها امرأة أخرى كان للمرأة الأخرى تأثير في تذكيرها بحقيقة الدين وتفاصيله.

( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا )

لا يأب الشهداء أن يحضروا إذا ما دعوا لإدلاء الشهداء إن كان هناك اشتباه أو إنكار للدين.

( ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله )

السأم قد يكون بسبب التثاقل والشعور بالكلفة في شيء يبدو أنه تافه، والله يأمر بأن لا يتم تغافل كتابة شيء من هذا الدين سواء كان صغير أو كبير إلى أجله، فقد يرى صاحب الكاتب أو المدين أو الدائن بأنه لاداعي لتدوين شيء ما من هذا الدين لأنه صغير وسوف يتم تذكره، أو كبير وسوف لن ينسى، فالله يؤكد على ذلك لمعرفته بهذا الإنسان، وطبيعة الأمر الذي هو فيه، وهذا ما يحصل من الإنسان أنه يستسهل بالشيء في بداية الأمر، ولكن حين تمر الأيام تتبدل الأحوال فيبدأ الخلاف.

( ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا )
وهذا تعقيب على المقطع السابق من الآية، فكتابة كل شيء وعدم تغافل أي جزء منه هو أقسط عند الله والقسط هو إعطاء كل شخص حقه، وأدنى أن لاترتابوا أي أقرب إلى عدم الإرتياب بين المتداينين. وهنا يتضح معنى كلمة (البخس) الذي أشارت له بداية السورة في قوله "ولا يبخس منه شيئاً"، وهنا استخدام لكلمات عامة ليست مختصة بالنقد فالدين ليس مخصوص بأخذ المال النقدي، فمن الممكن أن يكون الدين أشياء عينية أو ماشابه. و
هذه الآية تشير إلى الحكمة هذه الإجراءات التي تأمر بها الآية.

(إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم)
في هذا المقطع تستثني الآية وجوب كتابة الدين في حالة التجارة الحاضرة التي تدار بين طرفين، أو أكثر. والتجارة التي تدار بين عدة أطراف تعني أن هذه الأطراف تستفيد من خلال تحريك المال وهو البيع والشراء، فيكون أحد الأطراف ممول للبضاعة مثلاً والثاني مسوق لها، وعلى هذا الأساس يأخذ كل طرف حقه في تجارته، فحركة البضاعة من الطرف الأول إلى الطرف الثاني بحضور الإثنين هي عملية دين آجل، ولكن الآية تقول ليس عليكم جناح ألا تكتبوها، وذلك لأنها حركة سريعة التنفيذ ويعود فيها الحق إلى الطرف الأول الممول بشكل مباشر بعد أن ينتهي الثاني من بيعها فيأخذ حقه ويعطي الطرف الأول حقه.
"وأشهدوا إذا تبايعتم" المبايعة هي عملية تبادل شيء بشيء، من أجل إثبات أن القيمة قد استلمت، فقد يكون من أجل عدم إنكار الاستلام أو عدم إنكار المبلغ، أو من أجل عدم تراجع أي طرف بين البائع والمشتري، أو بسبب عدم وجود الثقة بين التاجر الأول والتاجر الثاني الذي يبيع لصالحه، وهكذا فإن الأسباب قد تكون كثيرة، ولكن المطلوب هو الإشهاد، كما أن الآية لم تحدد الإشهاد في هذه الحالة كما سبق بإحضار رجلين، فالمهم فيه تحقق الإشهاد فقد يكون بإشهار البيعة بين الناس فيتحقق رفع الريب.
في هذا المقطع يتضح أن الآية كانت تتحدث من البداية عن مداينة بصورة عامة تشمل النقدي والعيني والتجاري. وفي هذه الحالة تم استثناء التجارة الحاضرة التي يقبض فيها الطرفان حقهما بشكل مباشر دوري على أنه لا أجل بعيد فيها، وهذا يعني أنه إذا كانت تجارة آجلة فستدخل ضمن نطاق حكم الدين في وجوب الكتابة. ومن نفهم قوله تعالى في بداية السورة ( إلى أجل) أي إلى مدة تطول عن الأمد القريب المتعارف عليه فلابد من الكتابة حتى يرفع الارتياب بعد انقضاء تلك المدة.

( ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم)
ليس على الكاتب ولا على الشهيد أي ضرر بسبب الخلافات بين المتداينين، فالشاهد ليس عليه إلا أن يشهد والكاتب ليس عليه إلا أن يكتب بحيث تتم قراءة ما كتبه فيما بعد وحسب.

( وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283))

وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة"
لماذا حدد عدم وجود الكاتب في السفر فقط؟ السفر تصعب توفير الأشخاص المتمكنين في الكتابة، وهذه هي أجواء الزمن القديم، فرهان مقبوضة: أي أن تقبض بيدك شيء ترهنه من أجل إثبات هذا الدين حتى تذكر الدائن بأن ما لدي هو شيء لك ولكني أخذته بسبب الدين الذي كان بيننا ولم نثبته بالكتابة، فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي أتمن أمانته" أي هذا الذي أخذ الرهان المقبوضة في يده وهو الدائن عليه أن يعيد هذا الرهن إلى صاحبه في حال أمنه واطمئن له، أو في حال أعاد الدين، أو في حال تمت كتابة الدين، وهذا الرهن لا يكفي بل يجب أن يكون هناك شهود أيضاً على هذه الحادثة حادثة الدين الذي لم يسجل وأخذ الرهان المقبوض، وهنا تأمر الآية هؤلاء الشهداء بأن لايكتموا الشهادة فلم يعد لدى الدائن أي شيء يثبت به دينه غير علامة من المدين بأخذ هذا الذي رهنه، واعلموا أن الله بما تعملون عليم.

سورة البقرة آية 283
الدين بالنقد أو بالتجارة والتجارة نوعين حاضرة وآجلة الحاضرة ليس عليك جناح ألا تكتبها. وأشهدوا في حالة التبايع،
بالنقد إذا كان دين حاضر، فليس جناح بالكتابة
التجارة الحاضر فلا جناح ألا تكتب
التجارة الآجل لابد من كتباتها.
واشهدوا إذا تبايعتم، في حال تبادل المال يتم الإشهاد.
" وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي أوتمن أمانته"
يؤخذ هذا الرهن كإثبات على وجود حالة دين بين الطرفين بسبب عدم وجود الكاتب،
هناك من يأخذ رهان على ما يعادل المبلغ ولكن هذا الرهان من أجل إثبات حقيقة الدين الذي جرى بينكما. هنا سلفة وهذا إثبات أن العملية تمت، وهنا تباين في الرهن وبين الدين في القيمة
فقد يرهن الإنسان شيء ثمين من أجل أن يأخذ مبلغ أقل منه، ولهذا الآية تؤكد الوفاء بالأمانة.
" وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعلمون عليم"
هنا لم يتم إسقاط الشهادة مع انعدام الكتابة، ويؤكد أن يتقي الشهداء الله في شهادتهم وعدم كتمها.

" لله ما في السماوات والأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"
تبدأ الآية بالحديث عن ملكية الله لهذا الكون، وهذه الآية تتحدث بالعموم على محاسبة الله سبحانه وتعالى لما في نفس الإنسان، وهو الآن يختم الأحكام في سورة البقرة بهذا الأمر الذي يشير فيه
إلى أن محاسبة الإنسان ليست بالشكل الذي يؤديه، ولكن لابد من تحقيق الأمر بالنية الصادقة لله، فالحكم الشرعي له إيمان قبل أن يكون له عمل. ولهذا بدأ بالملكية حتى ينزع ملكية الإنسان من الأشياء
فإذا نزعت الملكية من نفسه للأشياء التي حوله أصلح ما في نفسه، ومن له مافي السماوات له أن يحكم في أحكامه، فلأحد ما
" فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير "

الله يريد من الإنسان أن يطهر نفسه، وهذا هدف سامي لصالح الإنسان وليس لضرره، والنتيجة يوم القيامة هو أن يعذب إن لم يصلح هذه النفس.