مدونة حلمي العلق

سورة البقرة من آية 84 إلى آية 86

 | ayat | elbakara

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84))

متى أخذ هذا الميثاق؟ إنه ميثاق التوراة لهم، بأن لا يسفكوا دماء بعضهم بعضاً ولا يخرجون فريقاً منهم من ديارهم، والآية تقول بأنهم أقروا بهذا العهد في زمان نزول التوراة والذين ورثوا التوراة يشهدون بذلك، لأن التوراة هي شهادة عندهم من الله وفيها نص بذلك العهد.

( ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ َتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85))

وهاهم الآن ينقضون عهودهم مع الله، ويخالفون بينات التوراة، فقد نقضوا ذلك الميثاق بقتل بعضهم وإخراج فريقاً منهم من ديارهم بالتحشيد والتحالف مع عدو آخر ضدهم إثماً وعدواناً. على الرغم من أنكم تدفعون الفدية لتخليصهم من الأسر من جهة "وإن يأتوكم أسارى تفادوهم" وتتعاملون معهم أنهم منكم، ولكن في نفس الوقت تخرجوهم من ديارهم وهو محرم عليكم إخراجهم، فتنفذون شرع الله بالفدية ولا تنفذون عدم الإعتداء عليهم بالقتل أو الإخراج وهو الأصل.

وتعلق الآية على تلك الأفعال بقولها أنكم تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فتطبقون بعض تعاليمه وتخالفون البعض الآخر على علم، فما جزاء هذا الفعل إلا الخزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب على فعلهم هذا وما الله بغافل عما تعلمون.

(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (86))

لقد اشترى بين إسرائيل الحياة الدنيا بإسم الدين، اشتروا العلو والعزة والتمكين على حساب الآخرة، فليأخذوه ولكن العذاب ينتظرهم يوم القيامة.


مقال : فهم في آية (85) من سورة البقرة

تتحدث آية (85) من سورة البقرة عن تعامي بني إسرائيل عن أحد أهم الأوامر الربانية التي أمروا بها في الكتاب وهي أن لا يسفكوا دماء بعضهم البعض ولا يخرجوا أحداً من دياره بغير حق. ولكنهم لم يصمدوا بهذا الأمر أمام شهوة العلو والانتقام على الرغم من أنه أُخذ عليهم كميثاق لما له من أهمية ولضرورة الالتزام به.

وبغض النظر عن التفاصيل فإن الآية تناقش مزاحمة قيم ومبادئ - وقد تكون نصوصاً أخرى - للنص الأصلي النازل من رب السماء والذي واثقهم الله به بعد أن رفع فوقهم الطور ليأخذوا ما أوتوا بقوة ثم تولوا إلا قليلاً منهم وهم معرضون. وماهي تلك القيم الدخيلة التي زاحمت قيم العدالة في الكتاب ياترى؟ إنها قيم العلو والاستكبار والنزعة إلى أن يسود المعتقد والفكر الواحد في كل ديارهم! تلك القيم لم تزاحم النص الرباني وحسب بل إنها عمت القلوب عنه، فراحت إحدى طوائف بني إسرائيل تعلو على الأخرى، على الرغم من أن الطائفة الأخرى هي من بني إسرائيل وتؤمن بالتوراة أيضاً وإن يأتوهم أسارى يفادوهم طبقاً للتعاليم، ولكن تفريق الدين أدى إلى الخلاف و الاختلاف في التفاصيل فميّز طائفة أو قبيلة على أخرى.

﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ َتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [1].
والآية تتساءل لماذا تطبقون تعاليم الفدية لهذه الطائفة المعتدى عليها في حال الأسر ولا تطبقون تعاليم منع الاعتداء بالقتل أو الإخراج من الديار؟ أيصدق إيمانكم حين تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟

هذه الآيات التي جاءت عقب الحديث عن قسوة قلوبهم في قصة البقرة، تؤكد أن بني إسرائيل مخالفون لتعاليم الكتاب السماوي، ولا يمثلون بأفعالهم تلك تعاليم التوراة وما أُنزل عليهم، فهم ناقضون لعهودهم ومواثيقهم مع الله، وهي تؤكد أيضاً على براءة الله وكتبه من قتل الإفساد وإخراج الأبرياء من الديار والاعتداء الآثم على الغير، ويرجعهم في التحقق من ذلك إلى شهادتهم بالتوراة " وأنتم تشهدون"، أي أنكم تشهدون بأن الله لم يأمر بهذا بل أمر بالعدل والإحسان واحترام حقوق الآخرين وممتلكاتهم. ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾ [2] وفي الآيات بيان مهم آخر وهو أن تعاليم الكتاب لا تُجزأ فنأخذ منها ما يلائم ونستثني منها ما يجافي الأهواء فنؤمن ببعض ونكفر ببعض. وعلى من يتحمل مسؤولية حمل الكتاب أن يتحمل تبعاته، فإما أن يمدد الله أهله بأموال وبنين ويرسل السماء عليهم مدرارا ليأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم إن هم أقاموه وقدروه حق قدره، أو أن يقيموا أهواءهم بدلاً منه وينحرفوا عن بيّن آياته فينالهم نصيبهم من الكتاب بالتمزق والشتات ليذيق بعضهم بأس بعض ويكون مآلهم الخزي في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون.


هوامش

[1] سورة البقرة آية (85)

[2] سورة البقرة آية (84)

مواضيع ذات صلة

الظهار

الإثم

الفداء
فهم في آية (85) من سورة البقرة