مدونة حلمي العلق

التقوى والعمل

 | faith

تمهيد

بعد أن تعرفنا في سورة الذاريات عن علاقة الإنذار بالإيمان، ننتقل إلى التعرف على علاقة الإنذار بالآيات ومن ثم علاقة التقوى بالآيات. نتحدث أولًا عن التقوى ، يقال عن أحدهم أنه تقي إذا كان يخشى الله ويخافه ويطبق التعاليم النازلة في الكتاب من عند الله، والمصدر الذي تنطلق منه مادة التقوى هي الوقاية، وعندما يقي الإنسان نفسه من شيء فهو يحميها من مكروه أو خطر، وهذا المعنى منسجم مع ما فهمناه في معنى الإنذار والإيمان، فالإنذار هو إعلان مسبق بخطر قادم، والإنسان المتقي هو الذي يقي نفسه هذا الخطر من خلال اتباع إجراءات أو تعاليم محددة.

نحاول الآن ومن خلال آيتين في سورة الأعراف أن نفهم ماالعلاقة بين الآيات والإنذار أولًا، ثم ما علاقة الآيات بالتقوى.

علاقة الإنذار بالآيات

يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)﴾ الأعراف

(يابني آدم) الآية الشريفة تبدأ بالتذكير بأبينا آدم عليه السلام الذي هبط من الجنة، ثم تقول: (إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي) لتحدد وظيفة هامة للرسل وهي قص الآيات المنزلة من عند الله، هذه هي وظيفتهم الأساسية، إيصال هذه الكلمة إلى الناس،( فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) تتحدث هنا الآية عن ردة الفعل الإيجابية والتي تقي الإنسان خطر هذا الإنذار، بإن هذه الفئة لا يعتريها الخوف، ولن تحزن كونها استجابت، لأنها استقبلت هذا الإنذار بالتصديق.

أما الاتجاه الآخر فهو الذي سيكون عرضة لخطر العذاب، هم الذين كذبوا بهذا الإنذار ( والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). فأصبحنا أمام اتجاهين الاتجاه الأول هو التصديق، أما الثاني فهو التكذيب، الأول في أمان، والثاني في خطر.

نلحظ في هتين الآيتين ظهور مفهوم الإنذار ، ونلحظ بجلاء الإجابة على السؤال المطروح، وهو أن الآيات الشريفة هي مصدر الإنذار، لأن الرسل إنما ينذرون أقوامهم بالآيات: كما قالت آية في سورة الأنبياء ( قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون). ولكنّ الآية الأولى (35) قيدت النجاة بالتقوى والإصلاح، ومن هنا يأتي السؤال الثاني:

علاقة التقوى بالآيات

التقوى تنبع من الخوف، والخوف ينشأ من المعرفة، والمعرفة بدأت من الإنذار الذي يُنذر الله به الناس عبر رسله. المتقي يتشدد تمسكًا خوفًا من الله، خشية الإنذار، وهو يقي نفسه النار التي توعد الله بها المخالفين لأوامره. أما الآيات هي التي تُنذر الإنسان، عندما يقول الله سبحانه وتعالى : ( أفغير الله تتقون ) يعني أفغير كلمات الله تخافون؟ أفغير إنذار الله تخشون؟

المؤمن الذي دخل في الإيمان بهذه الآيات يتقي من الآيات ويتقي بها، يتقي إنذارها بالشعور بالخوف، ويتقي بها بالعمل بها، ودعنا نلاحظ ذلك من نفس منطوق الآيات الشريفة :

﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)﴾

والتي توضح اتجاهين في تلقي الآيات، هما التقوى والاستكبار، التقوى تكون بالإصلاح والإصلاح يعني تغيير المعتقدات والأحكام والسلوك بناءًا على ما بينه الله في كتابه، أما الاستكبار هو عكس ذلك.

خلاصة

1- كان الرسول شاهداً يقص الآيات، والآن الآيات شاهدة تقص عن الرسول الذي أصبح في الغيب فلا نراه، وأصبحت الآيات هي التي تخبر عن الرسول وتخبر عن الملائكة و عن الله سبحانه وتعالى. والمؤمن الذي لا يرتاب في الكتاب يصدق بذلك كله.

2- الله يرسل للملائكة والملائكة توصل للرسول، والرسول يوصل للناس رسالة الله، رسالة الله هي إنذار وبشرى، إنذار بالمخالفة، وبشرى لمن عمل على أساس ما أنزل الله، هذا الإنذار يُحدث في قلب المؤمن التقوى، والتقوى تدفعه للعمل على أساس ما أنذر به، الآيات هي مصدر الإنذار، وهي موضوع الإنذار أيضًا، أي أنها هي التي تصف العذاب لمن خالف، وهي التي تصف المطلوب من عقيدة وعمل.

3 - هل استلمنا رسالة الإنذار من عند الله؟

هل استلمنا القرآن الكريم بصفة أننا منذرين؟ أم بصفة أننا قوم لا يعنينا إنذار الله؟ ولا يعنينا وعيده ولا تخويفه؟ فكيف نكون من المؤمنين ونحن نقرأ عن المؤمنين في القرآن أنهم من عذاب ربهم مشفقون؟ هل استلمناه بقتوى أم ببرود وهدوء واطمئنان في جنب الله؟ هل استلمناه استلام المطلعين الذين يدرسون القرآن متفرجين على مافيه للاطلاع فقط دون أن يخرجوا منه بإيمان ولا مخافة من الله. إذا كان الأمر كذلك فلم نقرأ رسالة الإنذار بعد، بل نحن متفرجون نتفرج كيف أنذر الله الذين من قبلنا، ونطالع ذلك الإنذار لمجرد المعرفة، ولم نقرأها قراءة من تعنيه الرسالة.

4- إذا استملنا القرآن الكريم، فكيف درسناه؟

على طريقة استلام الكتاب تكون طريقة الدراسة، فإذا استلمناه استلام المُنذرين، تكون دراستنا دراسة النجاة، والنجاة تعني تَحمل مسؤولية أخذ الكتاب أخذًا يُفضي للتقوى، والتقوى تنطلق من اتهام النفس لإخراجها من مأزق الإنذار، والإنشغال عن الآخر والترفع عن المناكفات والمشاحنات والبغي، والتوجه نحو الموضوع الأهم في حياة الإنسان في هذه الحياة الدنيا والذي يتحدث عنه هذا الكتاب الكريم، التوجه نحو موضوع النجاة، التوجه نحو العمل وترك الأمل والأمنيات.

5- للإيمان مدخل هو الإنذار، والإيمان بالله يتجسد في أخذ كلماته بحق، ويجب أن نوحد الله في الخشية فلا نخشى غيره، نوحده في الخوف فلا نخاف غيره، ولا نخاف من أحد في الإنذار سواه لأنه الآمر الأوحد.

علاقة التقوى بالآيات

الآيات هي مصدر التقوى، الرسول يأتي بالإنذار، والإنذار يبعث الخوف في قلوب الناس، والخوف يدفع الإنسان للإيمان بما أرسل من عند الله سبحانه وتعالى بعد إعمال العقل والتفكر بما جاء به الرسول.