مدونة حلمي العلق

ففروا إلى الله

 | faith

تمهيد

لدعوى الرسل عبارة وصيغة، فما هي عبارتهم؟ وما هي صيغة دعوته؟ وما الذي يجعل الناس يُقْبِلون على دعواهم فيؤمنوا بها؟ هل يدعون الناس إلى منهجهم كما يدعوا أصحاب الأفكار المختلفة إلى مناهجهم وأفكارهم؟ الرسول صاحب رسالة من عند أحد آخر لأنه ليس مجرد مصلح سياسي واجتماعي ولكنه مجتبى للأصلاح من قبل الله، إنه واسطة الإصلاح من قبل الله، هو لا يحمل دعوة من عنده، هو مبلغ لدعوة أحد آخر هو الله سبحانه وتعالى.

الرسول يدعو إلى رسالته دعوة عرض لمن يريد أن يستقيم ويستجيب، هي دعوة تبليغ وليست دعاية، الرسول لا يجمّل في دعوته من أجل أن يُقبل عليها الناس، بل هو يدعوهم إليها دعوة المشفق الخائف على قومه، وما على الرسول إلا البلاغ المبين. هو يدعو على أساس متين فما هو هذا الأساس؟

أساس دعواه هي الإنذار والتبشر، فالرسول هو بشير و نذير. يبشر من يؤمن بالغيب ويعمل على أساسه، ويُنذر من لا يستجيب لذلك الغيب، ثم بعد أن يبلّغ رسالتَه يَتولى عنهم، فمن خاف مقام ربه واستجاب فلنفسه، ومن لم يخف فقد ضل، ومن ضل فإنما يضل عليها.

أولًا : الإنذار

﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)﴾ سورة الذاريات.

الآيات تنذر الناس وتحثهم للفرار إلى الله، والذي يبلّغ هذا الإنذار هو النبي محمد(ص)، يُبلغه إلى كافة الناس وليس إلى طائفة دون أخرى ولا لجماعة دون أخرى. هو يُنذرهم من الله ويدعوهم للفرار إليه:

1- الفرار إلى الله

﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)﴾ الفرار: هو الاستجابة السريعة المنطلقة من مشاعر الخوف من خطر محدق، يقول الله سبحانه وتعالى في شأن المنافقين الفارين من القتال: ﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (16)﴾ هؤلاء يفرون من الحرب يبتعدون مسرعين عنها خوفا من الموت، والله يقول لهم لا فائدة من هذا الفرار. وتشبّه آية أخرى الفارين من الدعوة : ﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)﴾ هذه الحمر وهي حيوانات برية تذهب سريعًا خوفاً خطر محدق وهو خطر الأسود الضارية التي ظهرت فجأة، فتفر منها خوف أن تقضي عليها وتنهش في لحمها. هكذا يكون الفرار ، سريعًا لا تباطؤ فيه ولا تأخير.

2- فما هي دعوى الرسول إلى الناس؟

إنه يدعوهم إلى الفرار إلى الله، ولكن مم يفرون؟ يفرون من الله إلى الله، منه الخوف وإليه المهرب، فلا مهرب منه إلا إليه، يفرون منه خوفًا من العقاب الذي قد يصيبهم إن هم لم يستجيبوا لدعوته، وما هي الدعوة؟ هي دعوة عبادة إله واحد، ( ولا تجعلوا مع الله إلهًا آخر إني لكم منه نذير مبين)، وهذه هي دعوى جميع الرسل إلى أقوامهم، أن يعبدوه وحده ولا يجعلوا له شركاء، وهذا الأمر هو إنذار وليس أمر عادي.

ثم إن الرسول يقول لهم : (إني لكم منه نذير مبين) والإنذار هو التحذير المسبق قبل وقوع العاقبة، الرسول هو النذير، وهذا النذير مبين، أي واضح لا لبس فيه، ولا شك فيما يقول، لأن أصل حقيقة الله هي حقيقة بيّنة لا لبس فيها لمن تأمل وتفكر، وإذا كانت هذه الحقيقة كذلك فلا يُشكُ فيمن يدعو بهذه الدعوة، لأن الدعوة صادقة بذاتها لا تحتاج لأحد كي يبينها، فكلنا يجب أن نخشى هذا الإله، فإذا جاء من يحذرنا منه، فدعواه بينه.

عندما بدأت دعوى النبي محمد بهذا القرآن ولهذه الدعوة، بدأت بإنذار ، بدأت بدعوى الفرار إلى الله، الإنذار هو إخبار عن شيء مخيف كعاقبة لمخالفة الأمر قبل وقوع حدث ما، وأما الحدث في هذه الدعوة فهو يوم القيامة، والرسول هو مبلغ لهذا الإنذار.

3- إجابة أغلب الناس

لكن ردة فعل الإنسان (كانت في الغالب) هي رفض الدعوة، والنظر إلى قائلها من يكون بدلًا من النظر إلى ذات الموضوع، ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) ينشغلون بالقائل بدلًا من النظر إلى ما يقول ويتهموه بالسحر والجنون، ( أتواصوا به بل هم قوم طاغون) أتواصوا به ؟ هل وصى بعضهم ببعض، هل وصت الأقوام السابقة الأقوام اللاحقة بطريقة الكفر وأسلوبه، لأن الاتهام هو ذات الاتهام، متكرر عبر الأزمان، وكأن السابقين أوصوا اللاحقين بأن إذا جاءكم رسول فأنكروه واتهموه بالجنون، لكن الآية تبين سبب تطابق ردود الأفعال بين السابقين واللاحقين أنه الطغيان: (بل هم قوم طاغون)، الطغيان الذي عاشته الأقوام السابقة، هو ذات الطغيان الذي تعيشه هذه الأمم لذلك كانت الإجابة متكررة، والموقف واحد.

4- إجابة المتقين

(فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين) المؤمن يتذكر حين ينذر، لأنه يشعر بخطورة هذا الإنذار ، فيفر إلى الله يلجأ إليه، ويأوي إلى حرز الكتاب المنزل، ويستظل بظله ويعتصم بآياته خوفًا من أن يدركه خطر هذا الإنذار القادم لا محالة. وبهذا الفعل نقول أن هذا الإنسان قد آمن بكلمات الله، أي جعل فيها أمانه من الخوف القادم الذي يخشاه، وبهذا يكون الإنذار هو دافع الدخول إلى باب الأمان والإيمان، ونقول أن تصديقه بهذا الإنذار دفعه للتقوى ، والتقوى تدفعه للعمل. المؤمن يصدق فيؤمن فيتقي.

علاقة الإنذار بالإيمان

الإنذار هو دافع أساس في الإيمان، فالإيمان هو لجوء إلى جهة تضمن لهذا المؤمن النجاة من عاقبة ذلك الإنذار. فالرسول يأتي منذرًا فيحدث الخوف في قلوب من وصلهم الإنذار، ثم إن هذا الخوف يدفهم لتصديق الدعوى والأخذ بها، والعمل بمقتضاها، خوفًا من التبعات.

واستعرضنا لهذا المفهوم الآيات من سورة الذاريات، كأنموذج من نماذج الدعوة، فهذه هي صياغة حديث المنذر حين يبلغ رسالة الله إلى الناس، كل الناس. ولو أن النبي محمد (ص) كان متواجدًا في زماننا هذا لأنذرنا نحن بنفس هذا الإنذار أن فروا إلى الله.

أولًا : الإنذار

﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)﴾ سورة الذاريات.

الآيات تنذر الناس وتحثهم للفرار إلى الله، والذي يبلّغ هذا الإنذار هو النبي محمد(ص)، يُبلغه إلى كافة الناس وليس إلى طائفة دون أخرى ولا لجماعة دون أخرى. هو يُنذرهم من الله ويدعوهم للفرار إليه:

1- الفرار إلى الله

(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)) الفرار: هو الاستجابة السريعة المنطلقة من مشاعر الخوف من خطر محدق، يقول الله سبحانه وتعالى في شأن المنافقين الفارين من القتال: (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (16)) هؤلاء يفرون من الحرب يبتعدون مسرعين عنها خوفا من الموت، والله يقول لهم لا فائدة من هذا الفرار. وتشبه آية أخرى الفارين من الدعوة : (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)) هذه الحمر وهي حيوانات برية تذهب سريعًا خوفاً خطر محدق وهو خطر الأسود الضارية التي ظهرت فجأة، فتفر منها خوف أن تقضي عليها وتنهش في لحمها. هكذا يكون الفرار ، سريعًا لا تباطؤ فيه ولا تأخير.

2- فما هي دعوة الرسول إلى الناس؟

إنه يدعوهم إلى الفرار إلى الله، ولكن مم يفرون؟ يفرون من الله إلى الله، منه الخوف وإليه المهرب، فلا مهرب منه إلا إليه، يفرون منه خوفًا من العقاب الذي قد يصيبهم إن هم لم يستجيبوا لدعوته، وما هي الدعوة؟ هي دعوة عبادة إله واحد، ( ولا تجعلوا مع الله إلهًا آخر إني لكم منه نذير مبين)، وهذه هي دعوى جميع الرسل إلى أقوامهم، أن يعبدوه وحده ولا يجعلوا له شركاء، وهذا الأمر هو إنذار وليس أمر عادي.

ثم إن الرسول يقول لهم : (إني لكم منه نذير مبين) والإنذار هو التحذير المسبق قبل وقوع العاقبة، الرسول هو النذير، وهذا النذير مبين، أي واضح لا لبس فيه، ولا شك فيما يقول، لأن أصل حقيقة الله هي حقيقة بيّنة لا لبس فيها لمن تأمّل وتفكّر، وإذا كانت هذه الحقيقة كذلك فلا يُشكُ فيمن يدعو بهذه الدعوة، لأن الدعوة صادقة بذاتها لا تحتاج لأحد كي يبينها، فكلنا يجب أن نخشى هذا الإله، فإذا جاء من يحذرنا منه، فدعواه بينه.

عندما بدأت دعوى النبي محمد بهذا القرآن ولهذه الدعوة، بدأت بإنذار ، بدأت بدعوى الفرار إلى الله، الإنذار هو إخبار عن شيء مخيف كعاقبة لمخالفة الأمر قبل وقوع حدث ما، وأما الحدث في هذه الدعوة فهو يوم القيامة، والرسول هو مبلغ لهذا الإنذار.

3- إجابة أغلب الناس

ردة فعل أكثر الناس لهذه الدعوى، هي رفضها، والنظر إلى قائلها من يكون بدلًا من النظر إلى ذات الموضوع، ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون)، (أتواصوا به بل هم قوم طاغون) الآية تتساءل، هل وصى بعضهم ببعض، هل وصت الأقوام السابقة الأقوام اللاحقة بطريقة الكفر وأسلوبه، لأن الاتهام هو ذات الاتهام، متكرر عبر الأزمان، وكأن السابقين أوصوا اللاحقين بأن إذا جاءكم رسول فأنكروا عليه واتهموه بالسحر والجنون، لكن الآية تبيّن سبب تطابق ردود الأفعال بين السابقين واللاحقين أنه الطغيان: (بل هم قوم طاغون)، الطغيان الذي عاشته الأقوام السابقة، هو ذات الطغيان الذي تعيشه هذه الأمم لذلك كانت الإجابة متكررة، والموقف واحد.

4- إجابة المتقين

( فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين ) المؤمن يتذكر حين ينذر، لأنه يشعر بخطورة هذا الإنذار ، فيفر إلى الله يلجأ إليه، ويأوي إلى حرز الكتاب المنزل، ويستظل بظله ويعتصم بآياته خوفًا من أن يدركه خطر هذا الإنذار القادم لا محالة. وبهذا الفعل نقول أن هذا الإنسان قد آمن بكلمات الله، أي جعل فيها أمانه من الخوف القادم الذي يخشاه، وبهذا يكون الإنذار هو دافع الدخول إلى باب الأمان والإيمان، ونقول أن تصديقه بهذا الإنذار دفعه للتقوى ، والتقوى تدفعه للعمل. المؤمن يصدق فيؤمن فيتقي.

خلاصة

أعطت هذه الآيات الشريفة أنموذجًا لصورة الدعوة، هكذا يسلّم الرسول الكتاب إلى قومه، بهذا الإنذار؟ أن هذا الذي تؤمنون بملكه وقدرته في هذا الكون يدعوكم لأن تؤمنوا به ويجب أن تذهبوا له فارين خوفًا من عقابه وطمعًا في جنته. فنصل إلى التلخيص التالي

الرسول يأتي بالإنذار، والإنذار يبعث الخوف في قلوب الناس، والخوف يدفع الإنسان للإيمان بما أرسل من عند الله سبحانه وتعالى بعد إعمال العقل والتفكر بما جاء به الرسول.