مدونة حلمي العلق

التفكير الحر

 | مقال

مؤسسو العلوم الأوائل سبروا أغوار العلم حين تنبهوا عن غيرهم من الناس إلى الحقائق من حولهم، تماماً كما تنبه نيوتن إلى سقوط التفاحة فأومضت في عقله تلك الحادثة بارقة التساؤلات وقادته لاكتشاف قانون الجاذبية الشهير. إلا أن الطالب في مؤسساتنا التربوية يبدو غائباً عن الوعي، فتراه يقوم بأفعال بلا قناعة ويحفظ قوانين علوم لا يفهمها ولا يدرك أساسها.
لقد تسبب عرضنا للعلم بكم من المصطلحات إلى وقوع طالب العلم في حالة من رهاب المصطلح العلمي، وحجّم ذلك الأسلوب من قيمة الإدراك الفطري لديه وجعله في خانة الجهل والصغر. لقد عزلت المصطلحات (ذات الصبغة الاختصاصية) عموم الإنسان عن الحقائق وأطفأت في ضميره نار الحيرة وقوة طرح السؤال. فقد تحل الحيرة وتطرح الأسئلة، لكن العقل المفتون بهالة المصطلح يغيّب تلك التساؤلات لأنها تبدو تافهة صغيرة وغير متوافقة مع ذلك الكم الهائل من المصطلحات والقوانين. ونتيجة لذلك ابتعد الإنسان عن التأمل لأنه اقتنع بأنه يخطئ حين يتساءل عن شيء ليس من اختصاصه، وأن من هم في الاختصاص أولى بالإجابة والفهم. المؤسسات التربوية مسؤولة عن حث النشء على التفكير الحر، بوضعهم في دائرة الحيرة التي تُوقِظ العقل وتنير الفكرة كما أوصلت العلماء الأوائل وقادتهم إلى استنتاج القوانين بلا مصطلحات، لا أن يُقذف في أدمغتهم مصطلحات جامدة تعيقهم عن كسر جمودها باحترامها لحد التقديس، يجب أن يدرك الطالب أن المصطلح إنما هو وسيلة اختصار يمكن استبدالها بمصطلح آخر ليس أكثر، وليست معياراً لقياس التحصيل لديه. وهذا يتطلب وجود مثيرات هي المقدمات الحقيقية للعلم بدلاً من وجود مصطلحات هي عبارة عن خلاصات للنتائج، إن البداية الحقيقية للعلم تبدأ من المثير، وتلقين المصطلح يجعل من الطالب مستقبلاً للنتائج دائماً لا مشاركاً حقيقياً في فهم العلم وتوسيعه. المثيرات تعني تجارب ومشاهدات متقنة، تعين المعلم من أن يتحول من ملقن لمجموعة على القوانين والمصطلحات إلى مرشد لمتعلمين. وهذا بدوره يقودنا إلى ضرورة وجود أدوات ومعامل مخصصة لإيجاد المثيرات الحقيقية والملائمة لجيل اليوم.


نشر في صحيفة الشرق بتاريخ 14 / 8 / 2013
نشر في جهينة الأخبارية بتاريخ 1 / 9 / 2013
نشر في سعورس