التفريق بين الرسل
| ملة إبراهيم# مقدمة
تقول الآية (133) من سورة طه : ( وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه، أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى)
أولاً : (وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه ) يحتج القرآن على اليهود والنصارى أنهم يطلبون آية من الرسول.
ثانياً : ( أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى) فهو يحاججهم بأن ما يطلبونه ليس من أساسيات الإيمان حسب البينات في الصحف الأولى، فهم على بينة من ربهم من خلال تلك الصحف، في كيفية التعامل مع الرسول.
إذاً : القرآن الكريم هو مصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل ومن الصحف الأولى، ويعتمد على الحكمة والبينات الواردة في تلك الكتب، وكذلك على الأحكام الشرعية أيضاً .
ولقد أورد القرآن الكريم وبصريح العبارة بأن ما لدى اليهود في التوراة من حكم هو نفسه مافي القرآن الكريم، وهذا ما يدخلنا للعنوان التالي وهو الأحكام الواحدة في الكتب السماوية.
( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين )
كيف يحكمونك أنت رسول الله ورسالتك (القرآن) ؟ وعندهم التوراة أي أن الحكم لدى التوراة، ولكن المشكلة فيهم أنهم لا يطبقون ما أنزل إليهم .
وهنا نرى أن هتين الصفحتين تعرضان آيات بينات في أن الأحكام الواردة في التوراة والإنجيل هي نفسها الواردة في القرآن الكريم، وقد ذكرت هذه الآيات في خصوصية أحكام القصاص
أولاً: آية (43) : (كيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله )، لا داعي لأن يحكموك وعندهم التوراة ففيها حكم الله، و أنت تحكم بالقرآن الذي فيه نفس الحكم؟ وهنا ملاحظة هامة وهي حالة التطابق بين كلمة الرسول والرسالة، فالرسول يعني الرسالة ، فالرسول ييحكم، وفي المقابل التوراة تحكم أيضاً بنفس الحكم، وما هذا إلا لأن الرسول في الحالة الأولى يعني القرآن.
ثانياً : آية (47) ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) حيث تأمر أهل الإنجيل بأن يحكموا الإنجيل في حياتهم. وهذا يعني أن القرآن لم يأتي لاغياً لأحكام الله في الكتب السماوية السابقة ولكنه جاء آمراً بها مؤكداً عليها.
ثالثاً : آية (48) (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق) في هذه الآية نلحظ أن أهل الكتاب لا يتبعون الكتاب ولكنهم يتبعون أهواءهم، وأن القرآن الكريم هو مهيمن على الكتب السماوية السابقة، وهذا شيء طبيعي أن يكون القرآن مهيمناً على الكتب السماوية السابقة لأنه جاء من بعهدهم، فقد روى حقيقة ما جرى بعد تلك الكتب السماوية .
نريد أن نؤكد على أن الرسول يعني الرسالة والتي فهمنها في آية ( وكيف يحكمونك ) ؟ ولكن بآية أخرى في سورة الأحقاف..
الرسول والرسالة
في آخر صفحة من سورة الأحقاف صفحة ..
﴿ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِي اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) (43)﴾
تعرض هذه الآيات أمر الجن حين استمعوا القرآن الكريم فتقول ( وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن .. (*) قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى ) ثم تقول الآيات التالية ( ياقومنا أجيبوا داعي الله) فهذا الحديث عن القرآن الكريم ككتاب سماوي ولكن نلاحظ التعبير المهم في موضوعنا هذا : ( إنا سمعنا كتاباً من بعد موسى) .
الرسول والرسالة
( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى )
فمن المفترض أن يقال: (إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد التوراة) ، ولكنه عبر عن التوراة هنا بنبي الله موسى، وهذا ما يمكن أن نتحقق منه في آيات أخرى في القرآن الكريم، وما يمكن أن نستوعب منه مفهوم مهم جداً، وهو عدم التفريق بين الرسالة و الرسول. أي أن الرسول يأتي بالرسالة وملتزم بالرسالة وهذا ما سنفهم أبعاده فيما بعد.
التفريق بين الرسل
في سورة آل عمران وفي صفحتي (61 ، 62 ) وهنا الحديث الملة كما اتضح في الحلقة السابقة، حيث استعرضت الصفحة 62 حكم الطعام وأول بيت وضع للناس في هذه الملة. وما يهمنا الآن هو الحديث عن التفريق بين الرسل والذي جاء في بداية الصفحة 61 في الآية : ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) .
﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)﴾ آل عمران
التفريق بين الرسل
أولاً: في آية (84) ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على ... ) الإيمان بكل ماجاء في الرسالات السابقة بدءً من نبي الله إبراهيم. ( لا نفرق بين أحد منهم أي لا نفرق فيما أنزل عليهم جميعاً . ( ونحن له مسلمون ).
ثانياً : في آية (85) ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ) تحدثنا عن تغيير المسمى والصبغة .
ثالثاً : في آية (86) (كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق) وما كانت شهادتهم أنه حق إلا لأنه مصدق لما معهم ولأنه جاء بما كان في التوراة والإنجيل، فلا فرق بين ماجاء به الرسول أي القرآن وبين ما جاء به موسى أي التوراة.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ﴾ سورة النساء 1500
أمة واحدة وليسوا أمم
أولاً:
1- نبي الله إبراهيم جاء بالصحف.
2- ومن ثم موسى جاء بالتوراة .
3- وبعده عيسى جاء بالإنجيل.
4- ومحمد (ص) جاء بالقرآن الكريم.
كل هؤلاء الرسل جاءوا من ذرية واحدة ، والكتب جاءت مصدقة لما بين يديها ومفصلة لما قبلها. فبالتالي لا يصح أن نقول أن هؤلاء الرسل أسسوا أمم ولكن الصحيح أن نقول أن هذه أمة واحدة (إن هذه أمتكم أمة واحدة ).
ثانياً:
والصواب ليس ما نراه أمامنا الآن بما يمثل رسل متفرقة وكتب لا علاقة لبعضها البعض ولكن الصحيح أن هذه الرسل التي جاءت من بعد إبراهيم هي استجابة لدعوته، وأن الكتب جاءت متتالية بالتفصيل .
ثالثاً :
يقول الله سبحانه وتعالى : (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله)
يتجسد التفريق بين الله ورسله في التفريق بين الكتاب والرسول، و الله يؤكد أن الرسول لن يأتي بغير الكتاب. وقد اتضح ذلك المعنى في آيات سابقة في قوله ( وكيف يحكموك) ، ( إنا أنزل إلينا كتاب من بعد موسى).