مدونة حلمي العلق

ملة إبراهيم والسفاهة

 | ملة إبراهيم

مقدمة

ما العلاقة بين الرغبة عن ملة إبراهيم والسفاهة ؟ تقول الآية (130) من سورة البقرة

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ ﴾ البقرة (130)

هذه الدراسة تبين أين نجد ملة إبراهيم اليوم؟ وما هي السفاهة بصورة عامة ؟ وما هي السفاهة في الدين؟ وما هي ا لمقومات الأساسية لاتباع ملة إبراهيم (ع)؟

إذا سئلت ما هو دينك؟ ستجيب الإسلام ، وإذا سئلت ماهي ملتك؟ فماذا ستجيب ؟ الملة هي ملة إبراهيم عليه السلام. ولكن أين نجد هذه الملة اليوم؟ وماعلاقة الملة بالسفاهة حين قال الله سبحانه وتعالى (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه)؟ فما هو السفيه ؟ وما هي السفاهة في الدين؟ وهل نحن مأمورن باتباع هذه الملة؟ وما هي مقومات اتباع ملة إبراهيم؟

ملة إبراهيم والسفاهة

تصف آية (130) من سورة البقرة من يرغب عن ملة إبراهيم بالسفه، تقول الآية الشريفة

﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ ﴾ البقرة (130)

فماهي علاقة السفاهة بالرغبة عن الملة؟ قبل أن نجيب على هذا التساؤل نحاول أن نتعرف على السفاهة بصورة عامة من آية كتابة الدَّين الآجل، تقول الآية في أحد مقاطعها ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾ البقرة (282) ، فالسفيه حسب الآية غير قادر على إدارة شؤون حياته، معزول عن وظائفه الرئيسية في الحياة قد لا يستطيع أن يملل الدَّين الذي عليه، لا يقرأ لأنه لايستطيع القراءة ولا يستوعب الأحداث حوله، وبسبب ذلك الضعف فهو لا يتمكن من إدارة شؤون حياته، ويحتاج إلى أحد يتولاه في إدارتها ويتحدث بالنيابة عنه.

بالمثل فإن السفاهة في الدين هي أن يكون الشخص مغيّباً عن الواقع، معزولاً عن وظائفه الرئيسية، لا يستطيع التمييز ولا القرار، غير قادر على إدارة شؤونه الدينية، ولا على الكلام في الدين، لأنه لا يرى الحقيقة وماذا يتوجب عليه. وهو بحاجة لأن يولي أمره لأحد آخر، يقرأ، يميّز، يتحدث، ويقرر بالإنابة عنه ويملي عليه واجباته وماذا يتوجب عليه أن يفعل من أجل أن يدخل الجنة.

تقول آية تبديل القبلة ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ البقرة (142) . هذه الآية تتحدث عن الفترة التي تبدلت فيها القبلة، كان التبديل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أولاً ثم أعيدت القبلة إلى المسجد الحرام، وكانت تلك الفتنة من أجل معرفة من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وهذه العودة هي عودة للحق الذي أراده الله، وهو ما نصّت عليه الكتب السماوية السابقة بدليل قوله تعالى ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ البقرة (144). كيف علم الذين أوتوا الكتاب هذه الحقيقة؟ لقد علموها من الكتاب السماوي الذي بين أيديهم، ولكن كثير من أهل الكتاب بدّلوا هذه الحقيقة وافتعلوا جهات أخرى غير جهة المسجد الحرام تبعاً لأهوائهم، فاتبعهم الناس على عمى.إذاً الحقيقة بيّنة ساطعة في الكتاب، ولكن بعض علماء أهل الكتاب كتموا الحق، لذا فإن الأميين من الناس اعتمدوا ما اعتمده أهل العلم منهم وظنوا أنها الحقيقة. من هنا جاء التعبير "سيقول السفهاء" فالسفهاء من الناس يظنون أن هذه القبلة ليست القبلة الحقيقية التي نص عليها الله سبحانه وتعالى، وأنها ليست القبلة الحقة وذلك لأنهم اتبعوا غير الكتاب دون علم أو اطلاع بما أمر الله ، على الرغم من أن أوامره بيّنة واضحة في كتبه السماوية، فما الداعي للانحراف عنها وهي أمامهم؟

توضح آيات تبديل القبلة معنى السفاهة في مواضيع الدين، وعليه يمكننا أن نفهم علاقة السفاهة بالرغبة عن ملة إبراهيم (ع). في آية ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ نلاحظ أولاً أن المخاطب في الآية هو شخص يدّعي أنه تابع لملة إبراهيم وليس خارجاً عنها، ويمكن أن يتضح ذلك جلياً من خلال السياق فالآيات تخاطب أهل الكتاب الذين يتبعون ملة إبراهيم بصورة شكلية فقط. ثانياً عبارة "سفه نفسه" لا تعني أن الشخص سفيه في الأصل، ولكنها تعني أنه أَنزل نفسه منزلة السفيه ورضي بذلك. ثالثاً العبارة "يرغب عن ملة إبراهيم" تتحقق حين يرغب الإنسان إلى شيء آخر، والرغبة عن ملة إبراهيم هي رغبة عن قراءة البينات في الكتاب ورغبة في تصديق الكذب والزور والرضى بنصوص أخرى غير النص الأصلي والأساسي في الدين.

التعبير "سفه نفسه" يلقي باللوم على متبع الملة لعدم تحمله مسؤولية نفسه حين رغب عنها، لأنه قادر على قراءة النص وفهم البينات والاستسلام لها، لكنه احتجب عن الحقائق وأنزل نفسه منزلة السفه وأسلم أمره لمن يتحدث باسم ملة إبراهيم ولكنها ملة مزيفة مخلوطة بالكذب والأهواء. من هنا كان الرشد قاعدة أساس يجب أن يتمتع بها المؤمن بالملة حتى يكون من اتباعها، وحتى يصنع من رشده سداً منيعاً أمام هجمات اختطاف العقل، وعمليات الاحتيال لسلب الإرادة في الدين وتعطيل الإسلام للحقائق الربانية في كتبه السماوية.