مدونة حلمي العلق

أثر التسبيح

 | prayer

مقدمة

كنا قد تحدثنا في الحلقة السابقة عن معاني التسبيح، وأنه يمكننا أن نسبح الله باللفظ بعد أن يمتلئ بالمعنى، وقد تعلمنا أيضًا أن هناك عبارات تمجد الله وتسبحه دون أن تذكر لفظة التسبيح، ووجدنا أن مواقف التسبيح تعددت، فمنها ماهو استغفاري الاستداركي، ومنها ماهو تسبيح دائم لا ينفك عنه المؤمن ويتعايش معه ولا يخرج عنه، ومنه ما يمكن أن نسميه بالتسبيح الاستباقي الذي يقف كوقاية للإنسان من الغفلة والنسيان.

في هذه الحلقة نتطرق لدور التسبيح في الشفاء من هموم النفس وأمراض القلب، للمؤمن وللكافر الجاحد، لقد امتلأ القرآن الكريم بأصناف التسبيح لتذكير المؤمن والكافر على حد سواء بقدر الإنسان وقدر الله عز وجل، فنجاح هذه المعادلة لها تأثير كبير في نفس المؤمن أو المبتعد عن دائرة الإيمان في فهم لغة القرآن والمسار الذي يتحدث فيه.

لقد وجدنا في حلقة سابقة وفي آية التسبيح قبل غروب الشمس وقبل طلوعها، أن للتسبيح أثر على النفس فهو مزيل للهموم والغموم، ويعيد الاتزان للنفس المتعبة من مواجهات الحياة وأتعابها، نتذكر تخاطب الآية الرسول فتقول له :
**﴿**فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ طه (130)

في هذه الآية المباركة يوجه الله عز وجل نبيه بالصبر على إيذاء من يؤذيه بالقول، ثم يوصيه بالتسبيح على الدوام كما فهمنا سابقًا، ثم يبين الغاية التي سيصل إليها من ذلك التسبيح وهو الرضا، ومنه يمكن أن نفهم أن التسبيح هو سبيل ذلك الرضا وذلك الاطمئنان، كيف لا؟ وقد فهمنا من معنى التسبيح أنه وسيلة لسحب الإنسان من ساحة القدرة على التأثير في مجريات الأمور، إلى ساحة أخرى ينكر فيها المؤمن نفسه وقدرتها ليقر بكامل القدرة لله.

لا يقتصر دور التسبيح في تأثيره على المؤمن لتثبيته في حالة مواقف الشدة، ولا في بث الطمأنينة في القلب بسبب تزاحم الهموم، ولكن له دور أكبر من ذلك نتعرف عليه في هذه الحلقة إن شاء الله، فالتسبيح له تأثير كبير في علاج أمراض القلب المانعة للإيمان أو المقاومة للاستسلام لحقائق الكتاب.

لقد جاءت الرسالات السماوية من أجل إعادة القدر الحقيقي لله في النفوس وهو الذي في مؤداه يعني أنها جاءت لإعادة التسبيح الحق وإقامة الصلاة والكتاب، التسبيح يعيد قدر الله في النفوس، فإذا عاد ذلك القدر أقيمت الصلاة،ولا تقام الصلاة إلا بإقامة الكتاب، وبإقامة الكتاب تقام العدالة الربانية وينتفي الشرك. ولنا في الأمم السابقة العبرة وأخذ الدروس، وقد بين القرآن الكريم أن عدم تقدير الكتاب إنما منشأه عدم تقدير الله حق قدره. وهنا تكمن أهمية معرفة التسبيح، فإعادة ذلك القدر إنما يكون في أحد علاجاته الرئيسية بالتأمل والتسبيح الدائمين، الأمر الذي يشعر المؤمن بقدرة الله وقوته، فينكر نتيجة لذلك عزته وقدرته على أي شيء.

لقد واجه بعض أهل الكتاب رسالة القرآن بالرفض، ولقد عالجت الآيات ذلك الرفض في أحد أساليب مواجهته بالتسبيح، بشكل يوحي أن المشكلة ليست في عدم توافر الحجة والبرهان العقليين، ولكن المشكلة تسكن في القلب، أحد ظواهرها الاغترار والاعتزاز بالذات، ومؤداها رفض أي شيء لاينتمي لدائرة الأنا، وبالتأمل نجد أن القرآن الكريم قد احتوى على نسبة كبيرة من التسبيح وبأساليب عدة من أجل إحياء القلوب لتعيد قدر الله في القلب، لأن المشكلة تكمن في معادلة القدر بين الأنا وبين الله عز وجل.

نستعرض في هذه الحلقة آية تبين اختلال ميزان القدر لدى أهل الكتاب الذين رفضوا رسالة القرآن، لنستنتج أن أحد الأسباب البارزة هو أنهم لم يقدروا الله حق قدره، ثم ننتقل بعد ذلك لعرض نموذج لمعالجة قرآنية تسبيحية مؤداها الاعتراف بصدق الرسالة والدعوة القرآنية، لنقطف بعد ذلك ثمرة هذا التأمل في أنفسنا لاستخدام التسبيح القرآني للتأمل وتقوية الإيمان بكل مضامين الرسالة ومضامين القرآن الكريم.

ما قدروا الله حق قدره

﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ الأنعام (91)

في البداية نلحظ أن الآية تخاطب أهل الكتاب الذين أنزلت عليهم التوراة، وتسألهم ﴿ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ ﴾؟ وهذا يشير إلى أن المخاطبين هم أهل كتاب، ولكن عندما نزل عليهم القرآن على يد النبي محمد كفروا به، والله عز وجل يقول عنهم أنهم لم يقدّروه حق قدره ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾، ولو أنهم كانوا يقدرون الله حق قدره لآمنوا بالله ورسوله وكتابه : ﴿ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ﴾، الله لا ينزل على البشر كتب سماوية؟ ومحمد بشر ، لذا فالقرآن افتراء منه.

من خلال هذه الآية ندرك خطورة عدم تقدير الله حق قدره فمؤدى ذلك حسب الآية هو عدم الإيمان بالرسالة والرسول، وندرك من ذلك أهمية التسبيح، لأن تقدير الله حق قدره هو نتاج التسبيح، ولذا جاء القرآن ليعيد التسبيح الحقيقي إلى الأمم التي ضعفت علاقتها بالله، فإن هي أعادت التسبيح الحقيقي وأعادت قدر الله في النفوس كان الإيمان بالرسالة وبالقرآن تلقائيًا لا يحتاج إلى تكلّف، أما ما يحصل من احتجاج أو اعتراض على الرسالة فما هو غير مؤشر على تراجع قدر الله في النفوس ومن ثم تراجع التسبيح الحقيقي. وهذا يشير إلى معنى مهم، وهو أن التسبيح إنما هو وسيلة للاقتراب من الله، والاقتراب من حقائق الغيب والوحدانية، وفي النقيض فإن قلّ التسبيح كان البعد عن الله ونتيجته ظهور الأمراض التي لا تتغلب عليها قوى المنطق ولا نظريات الفلسفة ولا أساليب المحاججة.

لقد جاء القرآن الكريم ليذّكر أهل الكتاب (الذين هم مؤمنون في الأصل بكتبهم السماوية) بضرورة إعادة التسبيح في النفوس، ليكون ذلك أساسًا قويمًا لتصحيح الأمراض العقائدية بشكل تلقائي وبلا تكلف، فالعلاقة مع كتاب الله تنكشف وتتجلى أكثر كلما اقترب الإنسان من حقيقة قدر الله، فقدر الكتاب من قدر صاحبه. وهذا ما يفسر لنا اشتمال القرآن الكريم في قسم كبير منه على التسبيح، ولقد لاحظنا في الحلقة السابقة والتي كانت تتحدث عن التسبيح بالمعنى كيف أن التسبيح كان معنًى أكثر من كونه لفظًا، وهذا ما نريد أن ندقق عليه ونلحظه بشكل أكبر في هذه الحلقة.

والآن نأخذ مثالًا للإجابة على السؤال : كيف عالج القرآن الكريم إنكار أهل الكتاب للرسالة بواسطة التسبيح؟ نأخذ لذلك مثالًا من سورة الواقعة.

التسبيح والإيمان بالكتب

يحوي القرآن الكريم على نسبة كبيرة من تمجيد الله وتسبيحه، وتلتقي تلك الآيات في سياقها مع الآيات التي تتحدث لمنكري رسالة القرآن، نحاول هنا وفي هذا المقطع المبارك من سورة الواقعة أن نستشعر معنى التسبيح، ثم نربط ذلك بإثبات صدق الرسالة بواسطة ذلك التسبيح. ندرس الآيات من سورة الواقعة من آية (57) إلى آية (82)، هذه الآيات طرحت أربع تساؤلات، نعرضها في أربع مقاطع، ثم نعرض المعنى من تلك التساؤلات وأخيرًا نعرض المطلب أو النتيجة منها،

1- التساؤل الأول في قوله تعالى

﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ ۝ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ۝ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ۝ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ۝ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ ۝ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ ﴾ الواقعة (57) – (62)

في هذا المقطع المبارك يذّكر الله عز وجل الإنسان بنعمة الإيجاد في هذه الحياة الدنيا، ويسمي الحياة التي نعيشها الآن بالنشأة، ويلفت النظر إلى الكيفية التي خلق الله فيها الإنسان، قائلًا ﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ ﴾، ثم يشير إلى خلق الإنسان من ماء مهين ثم يضع الإنسان في موضع لا تصح فيه المقارنة ولكن كي يُعيده إلى رشده فيقول ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ۝ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾، لينفي عن الإنسان قدرته عن الخلق والإنجاب بعد أن أثبتها له عز وجل.

ما يلفت النظر في هذا النص المبارك طرح التساؤل التسبيحي الذي طالما لاحظناه في موضوع التسبيح ﴿ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾؟ هل تملكون القدرة على إحداث الخلقة؟ أم أنها عند الله وحده؟ هذا التساؤل يعيد الإنسان لنفسه ليعرف قدرها، وفي المقابل يعرف قدر الله وذاك هو معنى التسبيح.

2- التساؤل الثاني

﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ۝ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ۝ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ۝ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ۝ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ الواقعة الواقعة (63) – (67)

ثم ينتقل إلى موضوع آخر وهو الزراعة التي يتمتع من خلالها الإنسان بشتى أنواع الثمار، وقد ينسى الإنسان نفسه فيتصور أنه إنما يجني ثمرة زرعه هو؟ والله يقول إنما أنتم تحرثون الأرض، أما الزراعة فأمرها غيبي، هي تنبت وتزهر وتنمو بإذن الله، هو الذي يزرعها وينبتها ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ۝ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾؟ ومرة أخرى يطرح السؤال التسبيحي الذي يوقظ القلب من خلال الملاحظة والتأمل، ليتأمل الإنسان في أمر هذا النبات؟ فالإنسان مهما بلغت به القدرة ومعرفة الأسباب لا يستطيع أن يبث الحياة في هذه البذرة، وهذا التأمل يكشف للإنسان أنه خال القدرة، لتفتح له أفق التفكير في قوة الله الغيبية وراء كل تلك التحولات : ﴿ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ۝ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ۝ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾.

3- التساؤل الثالث

﴿ أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ۝ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ۝ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ ﴾ الواقعة (68) – (70)

ثم ينتقل للتذكير بنعمة لا يقل أهمية وهو الماء، عصب الحياة وقوامها بالنسبة للإنسان والنبات وبقية الكائنات الحية، ويلفت النظر إلى إنزال الماء بطريقة تساؤل أيضًا، يُخرج فيه - ومن خلال هذا التساؤل – قدرة الإنسان من أن يكون له أي دور في قرار إنزاله من السماء إلى الأرض ﴿ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ﴾؟ ويذكره أنه هو الذي جعله سائغًا للشرب، وبمشيئته أن يغير طعمه أجاجًا فلا يشرب ولا يستغنى عنه، فسبحانه : ﴿ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ ﴾.

4- التساؤل الرابع

﴿ أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ۝ أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ ۝ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ ﴾ الواقعة (71) – (73)

وأخيرًا وليس بآخرًا يطرح تساؤلًا حول اشعال النار التي يستفيد منها الإنسان: من الذي أنشأ الشجرة التي تستفيدون من حطبها لإشعال النار؟ نحن أم أنتم؟ ﴿ أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ ﴾

ثم يختم تبارك وتعالى تلك التساؤلات الأربعة بأمر يكشف ما هو ملخص تلك التساؤلات؟ وما هو عنوانها؟

التساؤلات والتسبيح

﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ الواقعة (74)

يختم الله عز وجل تلك التساؤلات بهذا الأمر للنبي وللمؤمن وهو أمر التسبيح، وهذا يؤكد على أن تلك التساؤلات التي جرت على أساس النفي والإثبات إنما كانت من أجل تسبيح الله بالمعنى، وذلك من خلال نفي القدرة عن الإنسان في تلك المواضع المذكورة، والإقرار بها لله، بأسلوب تساؤل: أأنتم أم نحن؟

فإذا ما وصل الإنسان إلى حقيقة نفسه، عرف بالتالي حقيقة خالقه، وإذا وصل إلى هذه الموازنة عاد إلى جادة الصواب، وكان تسبيحه لله تسبيحًا حقًا بمعرفة القدر وليس بمجرد لفظ. فإذا وصل المؤمن إلى حقيقة "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وأن لا نشأة للإنسان لولا أن الله أنشأه وخلقه، ولا زرع يزرع إلا بإذن الله، ولا ماء للشرب ينزل من السماء إلا بحوله وقوته، ولا نار تشعل إلا بإذنه، حينها يسبح باسم ربه العظيم بحق معنى العظمة، لأن قلبه حينها يكون قد احتوى كل تلك المعاني، واستشعر كل تلك النعم ونسبها للمنعم الحق.

بعد أن يصل المؤمن لتلك الحقيقة ويصل إلى تقدير الله حق قدره، يكون قد سمح للآيات أن تشافي مافي صدره، لتكون النتيجة أن يؤمن بالقرآن ويتعلق بآياته بلا مقاومة ولا معاوقة ولامحاججة ولا اعتراض، وهذا هو ما تتحدث عنه الآيات التالية :

آيات صدق القرآن

﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ۝ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ۝ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ۝ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ۝ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ۝ تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ۝ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾الواقعة (75) - (82)

جاء الحديث بعد التساؤلات والمعاني التسبيحية عن صدق رسالة القرآن الكريم، على أنه الكتاب منزل من عند الله، مبتدءًا الحديث بقسم عظيم عن مواقع النجوم، ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ۝ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ ليؤكد على أن ما بين أيديكم هو قرآن كريم من عند الله عز وجل ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ۝ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ۝ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ۝ تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾. إذا استشعرنا التسبيح السابق، فسنصل إلى حقيقة كلام الله في القرآن، وأنه تنزيل من رب العالمين، وليس اختراعًا ولا حديثًا مفترى، بل هو الحق، فلا يصح لمتأمل أن يشكك فيه، ﴿ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) ﴾ .

خاتمة

أهل الكتاب كانوا أهل علم، ولكن لم يكن علمهم ذاك وسيلتهم للوقوف على الحق كما يجب منهم، وقد عالج القرآن مشكلة نكرانهم بالتأمل في حقيقة قدرهم أمام قدر الله عز وجل. ومن خلال هذا المثال نريد أن ندرك حقيقة وهي أن جزء من القرآن الكريم تسبيح لله، كما ونريد أن ندرك أهمية التسبيح في كونه يعالج ضعف الإيمان في الإنسان، لأنه يعيد قدر الله في النفوس، فإذا عاد، كان الإيمان بالرسالة سهل يسير. إذا أدركنا هذه الحقيقة كان لزامًا أن نتعامل مع القرآن على أنه شفاء لما في الصدور من خلال التأمل في آياته والتسبيح لله عز وجل، وأن نعتبر أن ذلك التسبيح رافدًا أساسيًا في تقوية الإيمان والاقتراب من الله، ومن ثم الاقتراب من كتاب الله، وإذا اقتربنا من كتاب الله اقتربنا من الصلاة والعكس صحيح.