الصلاة والكتاب
| prayer# مقدمة
هناك أسلوب يستخدمه القرآن الكريم في أغلب المواضيع التي يتحدث فيها، وهو تبديل الكلمات أثناء الحديث في نفس السياق للتعبير عن ذلك الموضوع، واحدة من تلك المواضيع الحديث عن الصلاة، وما سنلاحظه في هذه الحلقة هو علاقة الصلاة بالكتاب المنزل، من خلال هذا التبديل بين هتين الكلمتين وفي أكثر من موضع في القرآن الكريم، وسنلاحظ ذلك جليًا في سورة المزمل ثم سورة العلق وأخيرًا في سورة هود في آيات تتحدث عن نبي الله شعيب.
كنا قد تحدثنا في الحلقة السابقة حول الذكر وعلاقته بالصلاة وتبين لنا أن الذكر موضوع واسع في القرآن الكريم، فإذا كانت الصلاة هي أحد مصاديق الذكر فهي بهذه السعة تحوي مواضيع واسعة تبعًا لاتساع معنى الذكر والنسيان.
للصلاة شكل ومضمون، ولا يمكن أن نقول أن الصلاة قائمة مالم تحوي هذا المضمون الواسع والكبير، الشكل الخارجي هو القيام والركوع والسجود، أما المضمون فهو الكتاب والتسبيح، أما النسيان فيقع بين هذين المكونين الأساسيين المتلازمين.
سنحاول في هذه الحلقة دراسة هذا الترابط بين الصلاة ومكونها الرئيسي وهو الكتاب في عدة آيات في القرآن الكريم لنلحظ هذا التزامن في التعبير والترواح بينهما، لنصل في النتيجة إلى أن الصلاة هي الكتاب والكتاب هو الصلاة، من خلال استقراء جزئي وليس كلي في أكثر من آية، ونبدأ في سورة المزمل.
# الصلاة والكتاب
# أولًا : سورة المزمل
يقول الله عز وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ المزمل (1) - (4)
الآيات الكريمة تتحدث عن قيام الليل، وتخاطب النبي ب ( يا أيها المزمل ) وتأمره بقيام الليل ثم تقول ( ورتل القرآن ترتيلًا ) أي أثناء قيامك الليل رتل القرآن ترتيلا، والآية تعطي اشارة لهذا الارتباط بين الصلاة وتلاوة القرآن، فتلاوة القرآن ركن منها، فهي تقول قم الليل بالصلاة، وأثناء قيامك في الصلاة رتل القرآن ترتيلا. يتأكد ذلك المعنى في الآية الأخيرة نفس السورة :
# ثانيًا : نهاية سورة المزمل
يقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ المزمل (20)
هذه الآية هي الآية الأخيرة من سورة المزمل، وهي تعقب على الآية الأولى منها والتي أمرت بقيام الليل، تقول الآية : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه) ثم تقول ( علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن) ، علم أن لن تحصوه أي أنكم لن تتمكنوا من قيام المدة التي حددها الله عز وجل في بادئ الأمر في الآية الأولى، نصفه أو زيادة على النصف أو انقص منه قليلا، لأن التعقيب على عدم القدرة على إحصاء المدة جاء بالنص التالي: ( فاقرءوا ما تيسر منه)، فبدلًا من أن تحدد الآية المدة التي سيتم فيها تخفيف القيام على غرار ما بدأ به في الآية في ذكر الأوقات التي كان النبي والذين معه يقومون فيها، قالت ﴿ اقرأوا ما تيسر من القرآن ﴾ ولم تقل قوموا ما يتيسر لكم من الوقت، لأن أصل الموضوع هو القيام لله بمدة. وهذا يشير إلى أن قراءة القرآن وتلاوة الآيات هي الوجه الثاني للصلاة، والعكس صحيح، وأن القرآن يستخدم إشارة قراءة القرآن للدلالة على الصلاة في نسيج من العبارات القرآنية المسبكة والتي تمر على القارئ دون أن يشعر بفارق بينهما أو بتغير في المعنى. يمكننا أن نستقرئ المعنى في آيات أخرى في سورة العلق:
# ثالثًا : سورة العلق
يقول الله عز وجل :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَه سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ العلق (1)-(19)
بدأت السورة بالأمر : "اقرأ باسم ربك الذي خلق" أي أن هذا أمر رباني للنبي ولكل مؤمن من بعده بهذا القرآن، وهو أن يقرأه باسم الله، فهذا حديث عن قراءة القرآن، ثم عطفت الآية الحديث حول الصلاة، في الآية (9) حين قالت: أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى، وهنا تحول الحديث بشكل مفاجئ عن الصلاة، فما الذي جاء بموضوع الصلاة بعد الحديث عن قراءة القرآن؟ إلا إذا كان الشروع في قراءة القرآن مرتبط بمعنى الصلاة الذي نبحث عنه. ثم نلحظ في الخاتمة تأمر الآية بعدم طاعة هذا الذي ينهى عن الصلاة وتأمر بالسجود، السورة بأكملها تربط بين قراءة القرآن والصلاة والسجود.
# رابعًا: قصة شعيب في سورة هود
في سورة هود، يتحدث نبي الله شعيب لقومه عن ضرورة الوفاء بالمكيال، وعدم بخس الناس أشياءهم، لنتأمل هذا ولنتساءل لنكشف الترابط بين الصلاة والكتاب، يقول الله عز وجل :
﴿ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ هود (85)-(87)
بعد أن أمر نبي الله شعيب قومه بأن يوفوا المكيال والميزان بالقسط، وأن لا يبخسوا الناس أشياءهم وأن لا يعثوا في الأرض مفسدين، يقول: " بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ " نتساءل أولًا مامعنى "بقية الله"؟ في الآية ثم نعود لدراسة الجزء الذي يتحدث عن علاقة الصلاة بالكتاب.
# بقية الله
وردت كلمة (بقية) في القرآن - في غير هذا الموضع – في موضعين آخرين، الأول في قوله تعالى:
﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ البقرة(248)
طلب بنوا إسرائيل من نبي لهم من بعد موسى أن يرسل لهم الله ملكًا من أجل أن يقاتلوا في سبيل الله لاسترداد بيوتهم وممتلكاتهم المنهوبة، فقال لهم نبيهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا، فاستنكروا وقالوا وأنى له الملك علينا ولم يؤت سعة من المال، قال إن الله قد آتاه بسطة في العلم والجسم، وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة، إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين، فما هذا التابوت الذي يحمل بقية مما ترك آل موسى وآل هارون؟ هل هي ممتلكات خاصة لموسى وهارون؟ إذا كانت ممتلكات خاصة فالأولى بها هم أهل هارون وموسى ولا علاقة لهذه الممتلكات الخاصة بالآية التي ينتظرها بنوا إسرائيل لملك طالوت، ولكن إذا قلنا أن التابوت يحوي شيء هام لبني إسرائيل، هذا الشيء خلفه موسى وهارون، فما تركه آل موسى هو كتابهم ودينهم المنزل عليهم، وكلمة (بقية) في هذه الآية تعني ما أبقاه الله لكم حتى تعودوا إليه وتحكموا به في شؤون دينكم.
الموضع الثاني في قوله تعالى:
﴿ فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ هود (116)-(117)
هذه الآية تتحدث عن الأقوام الظالمة التي أهلكها الله عز وجل، في المقابل أنجى فئة قليلة منهم لأنهم لم يظلموا بل اتبعوا ما أنزل الله، ولذلك أسماهم: (أولوا بقية)، تمامًا كما يقال أهل كتاب، وألوا :أي أصحاب، كما تقول الآية: أولوا بأس شديد، أي هم أصحاب بأس شديد، أي أن سمتهم هي البأس والشدة، فما يأتي بعد كلمة (أولوا) صفة مصاحبة للمعنيين بالحديث، وهؤلاء المقصودون في الآية هم: أولوا بقية، أي أصحاب بقية، هذه البقية هي التي أخرجتهم من الظلم الذي وقع فيه عموم قومهم، ومن خلال هذه (البقية) هم ينهون عن الفساد في الأرض، فهذه البقية هي ما أبقاه الله لهم، فهي وصية الله وهي كتابه المنزل إليهم، فهؤلاء كانوا يدعون للعودة لهذا الكتاب ولقيم هذا الكتاب، في حين كان أغلب قومهم في الظلم والفساد والابتعاد عنه.
نعود الآن إلى الآية محط البحث والدراسة وهي آية "أصلاتك" نبي الله شعيب في سورة هود. أرسل نبي الله شعيب إلى قومه لينذرهم من مشكلة التطفيف في المكيال، وهي عملية يقوم بها البائع في العبث في ميزان البيع لتغيير المكيال الحقيقي من أجل تقليل كمية ما يبيعه للمشتري ولكن بنفس القيمة لتزداد بذلك – حسب ظنه – أرباحه، ولقد نقلت لنا سورة هود هذه القضية، ونقلت دعوة نبي الله شعيب في هذا الأمر، تقول الآيات الكريمة على لسان نبي الله شعيب :
﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ هود (85)-(87)
لقد ناداهم نبي الله شعيب: أن أوفوا المكيال والميزان بالقسط، المكيال هو العبوة المعتمدة بين البائع والشاري والتي تحدد حجم ما يتم شراؤه من حبوب أو حنطة وما شابه، أما الميزان فهو ما يمكن أن نراه بصورة كفتين تحمل في إحداهما وزن متفق عليه بين الطرفين ليتم وزن كمية من الثمار أو ماشابه فيأخذ المشتري الكمية ويدفع ثمنها على أساس اتفاق بينهما أن الوزن الفلاني بكذا دينار أو قنطار. وعندما يأمرهم نبي الله شعيب أو أوفوا المكيال والميزان، أي لا تعبثوا في هذه الأجهزة أو هذه الأدوات ولا تفسدوا في أدائها من أجل التقليل من حق المشتري.
هي مشكلة الإنسان غير المنصف أن يميل بالكفة لنفسه دائمًا، دون مراعاة لحقوق الآخرين، ليزيد من نصيبه على حسابهم، فإن باعهم قلل من حقهم، وإن اشترى منهم بخس من قيمة ما يشتري، أي قلل من قيمتها بإظهار عيوبها أو بأي وسيلة كانت حتى يحصل عليها بأقل الأثمان ليميل بالكفة إلى نفسه إيضًا، لذا يوصيهم نبيهم بأن : لا تبخسوا الناس أشياءهم، أي لا تقللوا من قيمتها من أجل أن تحصلوا عليها بأقل الأثمان.
أما في الآية التالية فنبي الله شعيب (ع) يقول لهم : "بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين" فهو يحث قومه للتمسك بالكتاب المنزل، فما أبقاه الله لهم هو وصاياه في التمسك بحقائق الدين وبأخلاق الدين التي تأمر بأن لا يبخس المؤمن ممتلكات الناس ولا يظلمهم، ومجرى الكلام مع أناس لديهم بقية من كتاب سماوي أنزله الله على من هم قبلهم، فأصبح الكتاب بقية الله.
ولقد دعاهم شعيب، أنكم انحرفتم عن هذا الكتاب، فإن كنتم مؤمنين بما أنزل الله فتمسكوا به، وطبقوا تعاليمه بأن لا تبخسوا الناس أشياءهم، فهذا حرام غير جائز في كتاب الله، أما قوله لهم "خير لكم" فهي كلمة مقارنة بينه وبين مصادر أخرى أباحت لهم ماهم فيه، فظنوا أن هذا جائز لهم. لذا كان ردهم :
" قالوا ياشعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا " فالصلاة في هذا الرد أخذت موقع الكتاب، فالحديث في الأصل عن ضرورة التمسك بالكتاب، وعليه يكون الرد الحقيقي: هل كتابك يأمر بهذا؟ ولكن الصلاة حلت محل كلمة الكتاب، لتكون الوجه الآخر والظل المعنوي للكتاب. ليكون المعنى: بأن الكتاب يأمر بصريح الكلام، والصلاة تأمر بمضمون العلاقة والصلة بين العبد وربه، فإذا كانت العلاقة قوية كان تنفيذ التعاليم قوي أيضًا، وبمعنى آخر من لا التزام له بالتعاليم لا صلاة له.
ثم يقولون : " أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء" وهذه العقيدة الباطلة التي استندوا عليها في هذا التطفيف الباطل، فهم يشرعنون إلى أنفسهم جواز هذا الأمر من خلال هذا القانون، أن من حقهم أن يفعلوا ما يشاءون في أموالهم، لهم كامل التصرف وكامل الحرية، لذا فإن تصرفوا في ذلك من أجل زيادة الأرباح فهو انطلاقًا من كون أن هذا المال مالهم وهم يعملون فيه ما يشاء.
# خلاصة
أدخلت الآية المباركة الصلاة في موضوع الكتاب، وفي موضوع الالتزام بالقيم والمبادئ التي تجعل من المؤمن محافظ كل الحفاظ على حقوق الآخرين كما يحفظها لنفسه. ونرى أن هذا الانسجام متوافق مع بقية الآيات التي تم ذكرها في هذه المحاضرة والتي ربطت بين الصلاة وبين حقيقة الكتاب.