مدونة حلمي العلق

الاتباع

 | quran-concepts
﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ الزمر (18)
مقدمة: الأساس في الاتباع هو للحقيقة، والقرآن يريد من المؤمن أن يستمع ثم يفكر فيما استمع إليه ثم يتبع الأحسن.

مقدمة

س/ كيف أخذنا القرآن الكريم واستلمناه من الذين قبلنا؟ وكيف عرفنا أنه كتاب الله؟

هناك طريقان لأخذ القرآن: الطريق الأول هو الوراثة دون تمحيص ، الطريق الثاني: ورثناه عظيماً واقتربنا منه واستشعرنا عظمته فآمنا به. وعندما نقول بالوراثة فهذا يعني أننا تعاملنا مع القرآن بافتراض أننا على صواب فلا داعي من التعامل معه أو التحقق من عظمته، أما الطريق الثاني فهو بالاقتناع أي أخذنا القرآن لنؤمن به وهذا يعني أننا تتعاملنا مع القرآن مباشرة.

الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نتعامل مع القرآن وأن نأخذ القرآن باقتناع بإيمان وأن نوّرثه لمن بعدنا بإيمان تام وقناعة تامة بما فيه من حقائق، هكذا يجب أن نستقبله، أما كيف نحمله وكيف يجب أن نوصله للأجيال اللاحقة طريقان أيضاً كما تبينه آية (5) من سورة الجمعة:

كيف نحمل القرآن الكريم؟

في الآية (5) من سورة الجمعة:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ الجمعة (5)

وبالمثل فإنه بالإمكان أن نقول " مثل الذين حمّلوا القرآن "، ولكن بماذا شبهتهم الآية؟ لقد شبهتهم بالحمار الذي يحمل أسفاراً لا يعلم ما في هذه الأسفار، وهذا هو حمل الوراثة، لأننا ننقل هذه الأسفار لمن بعدنا دون أن نعلم ما فيها، وهذا الحمل ليس الحمل الذي يريده الله سبحانه وتعالى منا وإلا لما انتقد أهل الكتاب الذين من قبلنا، الله سبحانه وتعالى يريد منا حملاً للمواثيق وللعهود التي تضمّنها هذا الكتاب، وهو ذات المعنى الذي تتحدث عنه الآية : ﴿ إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ﴾

الكتاب يؤخذ بقوة ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (63) فمن الممكن أن نحمل القرآن بتذكر، ومن الممكن أن نحمل القرآن بنسيان. والتذكر يكون عندما نأخذ القرآن بتأمل وتفكر وتدبر، وفي المقابل يمكن أن نأخذ القرآن بتلاوة لا تفكر فيها فننسى ما فيه من حقائق وننسى العهود التي يريدها الله منا.

ومن هنا نفهم أن الحمار يحمل تلك الأسفار للضفة الأخرى لكن دون أن يعلم بحقيقة ما يحمله، وهذا ما يحصل بالنسبة للكتاب السماوي، فهو إما أن ينقل على الظهور ويوصل بدون دراسة من الذي أوصله، أو أن يحمل في الصدور فيبلغ للأجيال القادمه وتأخذه بإيمان وحرص وتطبيق.

ولكن هؤلاء الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ولم يدرسوها ولم يبلغوها للأجيال التالية، ماذا كانوا يتبعون ؟ كانوا يتبعون أهوائهم، كانوا يتبعون ما ألفوا عليه آباءهم، هم أهل توراة لكنهم لم يكونوا أهلاً له لأنهم بدلاً من أن يبتعوه ويتبعوا النور الذي أنزل فيه والحقائق الربانية اتبعوا ما ألفوا عليه آباءهم، ومن هذا المنطلق نريد أن نتعرف على مفهوم الاتباع في القرآن الكريم، فأساس الاتباع هو الإنصات والاستماع الحسن والتفكر.

﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ الزمر (18)

مفهوم الاتباع في القرآن الكريم

أساس الاتباع في القرآن الكريم هو للحقيقة وليس للأشخاص، وحتى الذين اتبعوا الرسل اتبعوهم بعد أن تلمسوا منهم الحقيقة وليس لأنهم يملكون الخوارق. وحتى الذين اتبعوا النبي محمد (ص) لم يتبعوه على أساس مكانته الاجتماعية فقد قال بعضهم " وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)" فهؤلاء المتبعون الذين آمنوا به اتبعوه لعظمة الرسالة التي بين يديه وليس لعظمته الشخصية ولا لمكانته الاجتماعية العالية في قومه، وعندما أمره الله سبحانه وتعالى أن يبلّغ لقومه :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ آل عمران(31)

فهو يأمرهم باتباعه على أساس أنه جاء مصدقًا لما معهم، فمناط الاتباع للحقيقة هي الفيصل في اتباع الدين : ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾ يوسف (108) فالرسول على بصيرة، والذين اتبعوه أيضاً على بصيرة.

إذاً الرسول متبوع لأنه يهدي إلى صراط ربه، ولأنه على بصيرة من أمره، وهو لا يجبر أصحابه وأتباعه أن يتبعوه بقوة السلاح ولا بقوة السيطرة وإعجاز العقل وإلغاؤه، ولكن لأن الكلمة ذات تأثير ولأنها نافذة للقلب دون عوائق.

وهكذا فإن اتباعنا للقرآن الكريم هو على هذا الأساس، إننا نتبع القرآن الكريم لأننا وجدنا فيه الحق ووجدناه عظيماً لا لأننا ورثناه عظيماً هكذا، بل يجب أن نستشعر عظمته، يجب أن نحمله حملاً حقيقياً واعياً متبصراً حتى يكون اتباعنا له اتباعاً حقيقياً واعياً مدركاً لا شلكلياً . وبعد أن تتأسس علاقة صحيحة وحقيقية مع هذا الكتاب على أساس هذه العلاقة يمكننا أن نتبع الأشخاص على بصيرة من أمرنا، فاتباع أي شخص لا يكون للرمزية التي يحملها هذا الشخص أو ذاك ولكن يكون لانطباق دعواه مع ما يأمر به الله في الكتاب، وهذه هي ذات الحجة التي تحدث بها النبي محمد (ص) وأمر أهل الكتاب أن يتبعوه على أساسها وهي أنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر مصدقاً لما معهم من التوراة والإنجيل.

نعم لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتبع الصالحين والأئمة، ولكن تمييز الصلاح هو النقطة الأهم، وتمييز الإمام هو البداية الصحيحة، على المؤمن أن يمتلك الحقيقة ويمتلك الكشاف الذي يضيء له الطريق قبل أن يتبع، وهذا هو مضمون الدعاء : اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، كيف تتعرف على الرسول؟ كيف تتعرف على الإمام ؟ كيف تتعرف على الصلاح؟ هي النقطة التي يريد منك القرآن الكريم أن تحملها وتأخذ بها قبل أن تسير في هذه الحياة.

﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ الأنعام (122)

مآل الاتباع الأعمى

يبين القرآن الكريم وفي أكثر من موضع مآل الاتباع الأعمى الذي يعمي الإنسان عن البين من آياته، واحدة من هذه الآيات هي في سورة الأعراف

﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ ۝ وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ۝ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴾ آل عمران (38) - (40)

الآيات تصف دخول الأمم المتتالية إلى النار، كل أمة تتبع الأمة التي سبقتها دون تفكير ودون تمحيص في صورة تعبر عن الاتباع الأعمى كما تبينه آيات أخرى بقولها " إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار " ، هذه الأمم التي كانت يتبع اللاحق فيها السابق تأخذ دون تفكير، بل إنهم تكبروا على الحقائق البينة والواضحة في الكتاب العزيز وتركوا اتباع الحقيقة لحساب اتباع الموروث وهذا الذي أوقعهم في هذه المشكلة الكبرى يوم القيامة.

ملخص

1- القرآن يحمل على الظهور أو يحمل في الصدور – سورة الجمعة (5)

2- أساس الاتباع هو للحقيقة ، للقول الأحسن – سورة الزمر آية ( 18 )

3- كتاب الله نور يشكف الظلمات – سورة الأنعام آية (122)

إثــــــــــــــراء

1- حول آية (80) من سورة الزمر، على ماذا ترتكز الآية في موضوعها على القول أم القائل؟

2- هل هناك إشارة للقائل ؟ ما هو صنفه ؟ أو ماهو انتماؤه؟

3- هل يمكن للمؤمن أن يأخذ الحقائق بلا تأمل وبلا تفكير؟