مدونة حلمي العلق

الإسلام

 | quran-concepts

آية

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران (102)
الإسلام هو صفة يكتسبها المؤمن نتيجة لتطبيقه أوامر الله المنزلة في الكتب السماوية، وليس مجرد اسم انتساب لجماعة.

مقدمة

خاتمة حديثنا في هذه الدورة هو الإسلام، لأن الإسلام هو غاية الأنبياء والرسل، كما ورد عن نبي الله يوسف في القرآن الكريم في نهاية سورة يوسف " توفني مسلماً وألحقني بالصالحين" ، كما أن الله سبحانه وتعالى يأمر المؤمنين " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون " ، كل الحلقات التي أخذناها سابقاً كانت تشير إلى أهمية القرآن وأهمية كلام الله، ونختم الدورة في نفس المسار ولكن بأهم عنوان وهو الإسلام.

الإسلام

مدار الإيمان ومدار الإسلام

مدار الإيمان هو التصديق، أي أن موضوعه في التصديق أو عدم التصديق، أما مدار الإسلام فهو الطاعة، أي أن يطيع المؤمن أو لا يطيع. تحدثنا في الحلقة السابقة عن الإيمان وبيّنا أن الإيمان سلسلة أولها الإيمان بالكتاب لأنه الشيء الوحيد الذي في عالم الشهادة أما الباقي فهو في عالم الغيب.

فإذا صدقنا الكتاب فهذا يعني أننا آمنا به، وتمام الإيمان به هو عدم تصديق غيره، وهو ما يسميه القرآن الكفر بالطاغوت. وإذا قلنا أننا أطعنا الكتاب فهذا يعني أننا أسلمنا له، وأحسن الإسلام وكماله هو عدم طاعة غيره، ويسميه القرآن إسلام الوجه لله.

تسلسل الكتاب هي قراءة ثم تصديق ثم تطبيق، وبالمثل فإن تسلسل كتاب الله هو : قراءة فإذا قرأ بوعي أبصر ، ثم تصديق وهو الإيمان ثم طاعة وهو الإسلام ، نقرأ كلام الله أي نبصر، ثم نصدق أي نؤمن ثم نطيع ما صدقناه أي نسلم له. لنشاهد ذلك في كتاب الله.

مفهوم الإسلام

﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ النمل (81)

قبل أن يسلم فقد آمن وقبل أن يؤمن بالآيات فقد أبصرها ووعاها.

1- " وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم"

يا محمد (ص) لن تهدي من لا يبصر من لا يقرأ هذه الآيات، ولن تستطيع أن تخرجه عن ضلالته.

2- " إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون"

أن تسمع فقط إلا من أبصر، ومن هو الذي أبصر؟ هو الذي قرأ ثم صدق فآمن، ثم استجاب للأمر بالطاعة والتطبيق فهو مسلم.

نعيد التسلسل الإيماني الذي تحدثنا عنه سابقاً : تبصر الآيات ثم تصدق أي تؤمن ثم تطيع أي تسلم. ونعطي لذلك مثالاً من القرآن الكريم في قصة ملكة سبأ مع نبي الله سليمان في قصة الطير المعروفة.

إسلام ملكة سبأ لنبي الله سليمان

نريد أن نطبق التسلسل الإيماني في مفهوم الإسلام، في قصة ملكة سبأ مع نبي الله سليمان، نقول ذلك باختصار أولاً ثم نستعرض الآيات التي تؤكد ما ذهبنا إليه: ملكة سبأ استقبلت رسالة من عند نبي الله سليمان قرأتها، فصدقت بها ، ثم أطاعت مافيها من أمر . في الأولى قرأتها يعني أبصرت، الثانية صدقت يعني آمنت بما فيها ولم تكذب شيئاً منها، في الثالثة أطاعت يعني أسلمت للرسالة وهذا يعني أنها أسلمت لسليمان، تطبيق ذلك على الآيات:

﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ۝ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ النمل (29)-(31)

1- " إني ألقي إلي كتاب كريم "

حين استلمت ملكة سبأ الكتاب صدقت بأنه من عند ملك يدعى سليمان، وصدقت بأن لديه القدرة والقوة الكافية في السيطرة على مملكتها وأن ليس لها من الأمر من شيء، وهذا التصديق بكل مافي الرسالة هو بمثابة الإيمان التام.

2- "وأتوني مسلمين "

دعاها نبي سليمان للحضور إليه وسمى استجابتها لأمره طواعية ودون إكراه أو مقاومة ودون أن يُظهر لها قوته وجنده ودون أن يقهرها فعلاً، أسماه إسلام. إذا امتثال ملكة سبأ لأمر نبي الله سليمان هو إسلام، وقد أسماه نبي الله كذلك حين علم أنهم قادمون إليه، ﴿قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ النمل (38)

استجابة ملكة سبأ إسلام وليس إستسلام

﴿قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ النمل(38)

إتيانهم إلى نبي الله سليمان كان إسلاماً وليس إستسلاماً، لأن الإسلام يكون بالاختيار ودون استخدام القوة بشكل فعلي، ولقد جاءت ملكة سبأ مختارة لأنها لم تر البأس بعد ولكنها صدقت به وعلمت على أساسه.

﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ النمل (44)

كان إسلامها في البداية لنبي الله سليمان ثم تحول إلى إسلام لله سبحانه وتعالى، عندما تحققت من أن هذا هو عرشها ، أسلمت لله رب العالمين، هو ذاته الخضوع التام والطاعة التامة لأوامر الله سبحانه وتعالى، وهي درجة أخرى من الإسلام، في الأولى أسلمت لسليمان حين قرأت كتابه، وفي الثانية أسلمت لله حين رأت إسلام سليمان لله.

الإسلام لله

الإسلام هو أن تخضع وتمتثل ولا تقاوم، من الداخل والخارج، من الداخل يكون الخشوع، ومن الخارج الامتثال لما أمرت بتطبيقه. أرسل الله لنا كتاباً وتوعد فيه من يكفر: من قرأ هذا الكتاب ووعاه فقد أبصر، ومن صدقه فقد آمن، ومن طبق مافيه فقد أسلم له.

وهذا الإسلام يختلف عن إسلام الفرد لتيار المجتمع أي مجتمع، فالفرد ينسجم مع التيار الذي وجد فيه، فهذا إسلام للتيار وليس لله، والإسلام الحقيقي هو الذي يكون نابعاً من إيمان حقيقي بالله وبالكتاب. وبهذا نحصل على ارتباط وثيق بين الإيمان والإسلام والكتاب.

الإيمان والإسلام بالكتاب

1- إذا صدقنا الكتاب نكون قد آمنا به ، أما إذا أطعنا الكتاب فنكون قد أسلمنا له

2- بالمثل لأننا قبلنا بالكتاب فأصبحنا مدانين لما في الكتاب، فإذا قبلنا بهذا الدين فإننا مؤمنون، وإذا وفينا به نكون مسلمين.

هذا هو مفهوم الإسلام،فما هو كمال الإسلام ؟ هو أحسن الدين و هو إسلام الوجه لله، فماذا يعني إسلام الوجه لله؟

إسلام الوجه لله

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾ النساء (125)

لا يوجد أحسن من هذا الدين وهو إسلام الوجه لله واتباع ملة إبراهيم التي هي تعاليم الله في الكتاب، إسلام الوجه لله هو انقطاعه عن أي وجهة أخرى، وهذا يعني أن لا ينظر باتجاه آخر غير الله، فكما أن الصلاة لا تقبل في اتجاه آخر غير الكعبة، كذلك إسلام المؤمن لا يقبل إلا إذا كانت وجهته لله وحده ولكلماته وحدها. فهو ينقطع بها عن غيرها. فلا احسن من هذا أي لا زيادة عليه في الكمال. وهذا التوجه يجسد تمام العبودية لله، فالمؤمن لا ينتظر لأمر أحد غير أمر الله، وبذلك لا يشارك الله في أمره ونهيه أحد، ولا يسمح لأحد أن يشارك الله فيه. والمثال عليه في مثال الشركاء المتشاكسون.

مثال : سلامة العبد من الشركاءب

الإسلام وسلامة المؤمن من الشركاء، وهو من قولنا أن هذا الشيء سليم أي خال من العيوب، خال من المنغصات والمكدرات التي تكدر صفو نقاوته وخلوه من المعايب، المؤمن يسلم وجهه لله ويسلم وجه لله، ويكون سلماً لله سبحانه وتعالى أي أن يكون خالياً من أي شريك يشارك الله فيه. على أساس مبدأ العبودية أنك لك سيد واحد، وكفيل واحد، ولأن لديك سيد واحد فلا تتقبل أن تسمع أوامر من سيد آخر، ولا يشارك الله فيك في أمرك ونهيك غير الله، بل تأخذ أوامر فقط من سيدك فقط، والآية تقول :

﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ الزمر (29)

كيف تقيم وضع العبد الأول، والعبد الثاني ؟ العبد الأول يستقبل أوامر من أكثر من سيد، ولذا قد تتضارب أوامر السادة فلا يعرف أين يتوجه؟ أما الثاني فهو "رجل سلماً لرجل" أي أن هذا العبد يقبل الأمر من سيد واحد وهو خالقه سبحانه وتعالى، ولا يقبل أمر غيره ولا ينفذه مهما كان هناك من سادة يفرضون أنفسهم

إثــــــــــــــراء

1- في آية (102) من سورة آل عمران، هل هناك علاقة بين الإسلام والتقوى؟
2- هل تجد علاقة بين الإسلام وآيات الله؟
3- كيف يمكن أن تربط المفاهيم السابقة في هذه الدورة بالإسلام؟