مدونة حلمي العلق

القسط

 | quran-concepts

آية

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ آل عمران (18)
خلق الله سبحانه وتعالى السماوات والأرض بالحق ولم يخلقها عبثًا ، وسيحاسب الناس يوم القيامة على أساس أعمالهم وحقيقة مافي صدورهم ولا ميزة لأحد على أحد آخر ، وسيوفي الله كل إنسان بما يستحقه يوم القيامة.

مقدمة

ما الذي فعلته العقائد الدخيلة باسم الرسل والأنبياء والأوصياء؟ لقد حولت الرسل إلى طواغيت يحكمون بغير ما أنزل الله، وأدخل الشرك في الأمم الموحدة، وبدلاً من أن تعيش تلك الأمم التي جاءت من بعد نبي الله إبراهيم في حالة اقتراب من الكتاب المنزل ابتعدت عنه بسبب الأباطيل والكذب على الله وعاشت تلك الأمم الأماني التي تمنيها بالجنة فقط بسبب انتمائها، لقد مزقت تلك الأماني الأمم الموحدة والمتحدة على ملة واحدة، فأصبحت كل فرقة وكل طائفة تنكر الأخرى وتلغيها وتحتكر الهداية والنجاة والجنة لها فقط.

وهكذا تشكلت التشريعات الطائفية الخاصة التي تميّز كل طائفة عن الأخرى، فاليهودية تمتاز عن النصرانية لأن لها أقوال من خارج كتاب الله تعززها بين الطوائف، والنصرانية لديها من الأقوال ما يميزها عن غيرها، وقريش لديها من المعتقدات ما يجعلها الأقرب إلى الله وهكذا. ولكن الله سبحانه وتعالى ينزّل العلاج لهذه الطوائف ويأمر بالعودة إلى أصول ملة إبراهيم والتي نصّت أن الإنسان إنما يرى عمله يوم القيامة وليس له في ذلك اليوم إلا مقدار سعيه. وقد أرسل الله نبيه محمد (ص) وأمره باتباع ملة إبراهيم، ودعا كل المبتعدين عنها للعودة إليها وإلى قيمها الأساسية.

نتحدث اليوم عن القسط الرباني، ولكن قبل أن نبدأ في أخذ مفهوم القسط، نأخذ صورة عن الوضع الذي آلت إليه الأمم التي كانت على ملة إبراهيم، والتي ابتعدت عن كتاب الله واعتمدت على أقاويل وأباطيل في نجاتها يوم القيامة، وننظر كيف يخاطبها الله سبحانه وتعالى، نتعرف أولاً على ما هو عكس القسط، حتى نتعرف بعد ذلك على القسط الرباني. ونتساءل: كيف أصبح اعتقادهم في الله؟ وكيف أصبح قدره سبحانه وتعالى لديهم؟

القسط

الاعتقاد الباطل في الله لدى مشركي مكة

لقد ترسخت عقيدة النجاة لدى الطوائف في زمن الرسالة فقط بسبب اعتقادات وأفعال ما أنزل الله بها من سلطان، وبتزيين من الشيطان الرجيم، فأصبحت كل طائفة تدعي العظمة والإمتياز على الأخرى، وما عاد قول الله ولا أوامر الله ذات أهمية .

﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمْ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ۝ تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمْ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ النحل (62)-(63)

1- الآية تتحدث عن قريش الذين جعلوا لله من الملائكة بنات، لقد ابتدعوا أقوالاً حول الملائكة بكونهم مقربين من الله، واعتقدوا بأن توسلهم الملائكة سيكون وسيلة نجاتهم يوم القيامة، ويدّعون أن لهم الحسنى في ذلك اليوم، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول : " لا جرم أن لهم النار" ، ليس جريمة في حقهم أن يكون مصيرهم النار فهذا ما يستحقونه حقاً. وهذا القرار الرباني ليس بالشيء السهل المتقبل بالنسبة لهم. ولكن ما الذي جعلهم على الرغم من ذلك يعقتدون أن لهم الحسنى؟ هو أنهم أضاعوا القسط فاصبح لهم أكثر مما لغيرهم من الطوائف، وعليهم أقل مما على غيرهم، فأصبح الحساب في معتقدهم حساب خاص لأنهم مقربون لله بسبب توسلهم بالملائكة.

2- ما حصل لهم أن الشيطان عبث في معتقداتهم وزين لهم أعمالهم، وهو من تولى إفسادهم في الدنيا لذا هو من سيتولاهم في يوم القيامة وسيلقون عذاباً أليماً.

الاعتقاد الباطل في الله لدى أهل الكتاب

﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ المائدة (18)

1- وهاهم اليهود والنصارى الذين هم معروفون بعلم الكتاب يعتقدون أنهم أبناء الله وأحباؤه؟ لماذا؟ لأنهم ينتمون إلى ابن الله: عزير ، وابن الله عيسى ، سبحانه وتعالى عما يشركون، ولأن الله كرمهم و (جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ (20)) وعلى هذا الأساس هم أيضاً يعتقدون أن لهم الحسنى يوم القيامة، وأن تعامل الله معهم مختلف عن بقية الناس،

2- ولكن الله يعارضهم على هذا المعتقد ويصدمهم بحقيقتهم عنده ويأمر نبيه محمد أن يقول لهم : " فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق " ، وقوله سبحانه وتعالى أنكم بشر ممن خلق دليل على الدرجة التي يعتقدونها في أنفسهم أنهم صفوة خلقه، وأن الله قد كرمهم على غيرهم، وأنه سبحانه يتعامل معهم في الدنيا وكذلك سيتعامل معهم في الآخرة بشكل مختلف.

اختلال القسط الرباني في المعتقدات هو أحد نتائج الخروج عن كلمات الله، ومن لم يعرف نفسه لم يعرف ربه، ونتيجة للأكاذيب والأماني. أما كتب الله السماوية فتصدح بالحق ، فما هي العقيدة الصحيحة والتي هي عقيدة ملة إبراهيم في مفهوم القسط الرباني؟

مفهوم القسط الرباني

يقول الله عز وجل:

﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ آل عمران (18)

1- قائماً على هذه السماوات والأرض بالقسط، والقسط هو إعطاء كل ذي حق حقه، إن في العقوبة أو في الثواب، فهو سبحانه يجازي صاحب الإحسان بإحسانه، ويجازي صاحب الإثم بما يستحقه من العقوبة ،لا أحد فوق القانون، ولا أحد مستثنى من هذه القاعدة، ولا يوجد مخلوقات يمكنها أن تخرق هذا القانون أو أن تخرج أحد من طائلته. الله سبحانه وتعالى يتعامل بسنن ثابتة، لا تتبدل من أجل أحد من البشر، وأن المسافة بينه وبين كل البشر هي مسافة واحدة، وأن الجميع أمامه عبيد، وحسابهم يوم القيامة بالحق، لا تتمايز طائفة عن أخرى، ولا بشر عن آخر.

2- هو سبحانه يشهد بذلك في كتبه السماوية، والملائكة يشهدون، وأولو العلم الذين أنزل عليهم كتاب وتعلموا منه يعلمون أن الله سبحانه وتعالى قائم بالقسط.

معرفة الله الحقة في قلوب المؤمنين

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ ۝ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ آل عمران (190)-(191)

الآيات في نهاية سورة آل عمران تستعرض الإيمان الحقيقي، للفئة المؤمنة والملتزمة بذكر الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم، والمنشغلون بالتفكر في خلق السماوات والأرض، هذا الخلق العظيم الذي يبعث في قلوبهم الرهبة منه سبحانه وتعالى، ليدركوا ببصيرة قلوبهم أن الله سبحانه وتعالى : " ما خلقت هذا باطلاً " ، لم يخلقها بالباطل أي أنه سبحانه خلقها بالحق، وكيف يكون ذلك الحق؟ عندما يحاسب الإنسان أي إنسان على أساس الحق الرباني وليس على أساس قربه من أحد من المخلوقات أو لمكانته الخاصة عند الله، لذا فهم يدعون الله بعد امتلاء قلبهم بهذه الحقيقة بقولهم " سبحانك فقنا عذاب النار" خوفاً من المحاسبة الحقيقية لهذا الرب العظيم.

﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ۝ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ ۝ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ آل عمران (192)-(194)

إثــــــــــــــراء

1- في آية (18) من سورة آل عمران، هل هناك من يؤمن بالله، ولكنه يعتقد أن الله سيعامل الناس بغير القسط؟
2- هل تقبل الآية أن يؤمن المؤمن بالله بغير عقيدة "القسط الرباني"؟
3- هل تجد لهذه العقيدة علاقة بعقيدة الأمنيات ؟