مدونة حلمي العلق

القراءة

 | quran-concepts

آية

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ سورة العلق(1)
أوجب الله سبحانه وتعالى قراءة القرآن، فهل نقرأه لكي نتبرك به فقط أم من أجل أن نفهمه ونطبقه؟ القراءة تعني التفكير والقدرة على التحليل واتخاذ القرار.

مقدمة

وجدنا في الحلقة السابقة أن الاتباع يكون للمعرفة والحقيقة وليس للشخص والرمز، الرجال تعرف بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، وعلى هذا الأساس تتحدث آيات كثيرة في القرآن : ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ﴾ سورة طه (123)، الترتيب الصحيح هو الحقيقة أولاً ثم الشخص ثانياً، الحقيقة المبنية على التفكير والمعرفة لا على أساس الاتباع لأحد قبل معرفة الحقيقة وتقيمه على أساسها.

موضع حلقة اليوم هو القراءة، والقراءة لا تنفك في هدفيتها عن موضوع الاتباع، فإذا كان الاتباع مبني على الحقيقة، فمعرفة الحقيقة يعتمد على القراءة الواعية والمتفحصة لحقائق الدين. حديث هذه الحلقة في ثلاث نقاط رئيسية:

1- موقف القرآن الكريم من التبعيات المانعة للقراءة

2- مفهوم القراءة في القرآن الكريم.

3- النتيجة الإيمانية للقراءة الحقيقية.

لهذا أمر الله سبحانه وتعالى المؤمن أن يقرأ لأن القراءة هي تفكر وتأمل، وكانت البداية أن يقرأ الإنسان كتاب الله أن يتعرف عليه. القراءة في معناها الشامل في القرآن الكريم هي الصلة أو الصلاة وهي أن تبني علاقة قوية وحقيقية مع صاحب الكتاب وهو الله سبحانه وتعالى ثم تقرأ، أن تقوم لله تقرأ ثم وتصلي ثم تسجد لتقترب منه سبحانه وتعالى، وحالة الإقتراب يعني ليس شيء أقرب لك منه، لا أحد يهديك سواه لأنه هو الهادي، والثقة في القراءة هي ثقة في الله وليست ثقة بالنفس، هي إيمان بأنه الهادي القريب، وليست اعتداد أو اعتماد على مواهب الإنسان وقدراته، القراءة الواعية الصحيحة تبنى على أساس الإيمان بالله والكفر بالطاغوت وأول أولئك الطواغيت هي النفس.

مفهوم القراءة في القرآن

يقول الله عز وجل

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ﴾ سبأ (31)

موقف القرآن الكريم من التبعيات المانعة للقراءة

تستعرض السورة في بدايتها مشكلة عدم الاستجابة لكتاب الله ولآياته من قبل مجتمع ما ، ثم تتحدث عن تقسيم ذلك المجتمع إلى قسمين: الأول مستضعف والثاني: مستكبر، والمستضعف يشير بإصبع الإتهام يوم القيامة ويوم الحساب ومواجهة الحقيقة للمستكبر على أنه كان سبباً مانعًا له عن الاستجابة للإيمان، وفي بداية الآية تتحدث عن قول الذين كفروا " لن نؤمن بهذا القرآن " وهذا يعني أن مشكلة عدم الإيمان كانت متمركزة حول التعامل مع القرآن الكريم بإيجابية، وقراءته قراءة واعية، ولكنهم لم يقرأوه بسبب وقوف المستكبرين كمانع بينهم وبين القرآن، والقرآن الكريم ومن خلال هذه الآية ومن غيرها يرفض أن تكون هناك تبعية تستضعف الإنسان وتهيمن عليه وتمنعه من القراءة ومن أخذ الهدى بنفسه.

وقبل أن ننتقل للنقطة التالية، نقف عند الدلالة اللغوية لكلمتي المستضعف والمستكبر، المستضعف تعني أن هناك من استضعفه وهيمن عليه وتمكن منه وجعله في الدرجة الثانية والطبقة الأدنى في اعتبارات التفكير واتخاذ القرار في أمر الدين، ومن خلال منطوق الآية يتبين أنهم قبلوا بهذا التصنيف فكان ذلك سبباً في عدم تجرؤهم على التعامل المباشر مع كتاب الله وقراءته، أما الفئة الثانية وهم المستكبرون فيبدو ومن خلال التسمية ومضمون الآية أنهم استكبروا على حقائق الكتاب فلم يذعنوا لها لأنها لاتتساير مع أهواءهم ومارسوا هيمنتهم على الطبقة الأدنى على أساس أنهم من الدرجة الأولى والطبقة الأعلى في إبعادهم عن مصدر الهدى وهو القرآن الكريم. الآيات التالية لهذه الآية وفي نفس السورة تكمل هذا الحوار الهام في موضوع التبعية المذمومة في القرآن الكريم ولكننا نكتفي بالإشارة إلى هذه الآية الشريفة.

إذًا القرآن الكريم يرفض كل تلك التبعيات المانعة للقراءة، والتي تقف حائلاً بين المؤمن وبين كتاب الله، والآن ننتقل إلى المفهوم الأساسي للقراءة.

قراءة باسم الله

المفهوم الأساسي في قراءة القرآن الكريم هو أنها قراءة باسم الله، بإذنه وبأمر منه، وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى سيتولى القارئ لهذه الكلمات بالهداية وإيضاح الطريق. للقراءة مستلزمات المعرفة العامة والأدوات العقلية والملكات الإنسانية المختلفة ولكن الأساس في هذه القراءة هو الإيمان بهذا التولي الرباني لهداية هذا الإنسان.

إذًا الأساس في قراءة هذا الكتاب العزيز هو أن لهذا الكتاب أفعال مع المؤمن هذه الأفعال تكون بإذن من الله ورعاية مباشرة منه سبحانه، والله لا يعجزه شيء، لا يعجزه أن يوصل الهدى لمن لا يملك الملكات الإنسانية، ولا يعجزه أن يمنع الهدى عن من يمتلكها بأعلى مستوياتها.

القراءة والطغيان

قراءة القرآن لاتخرج عن إطار الحاجة، هي حاجة المربوب للرب، حاجة الضعيف للعون والمساعدة، حاجة الضال للهدى، ألا ترى كيف يخاطب الله سبحانه وتعالى الإنسان في هذه السورة بالإشارة إليه بأنه الخالق، وبالإشارة إلى الإنسان أنه كان في لحظة من اللحظات علقة في رحم أمه، فمن الذي رعى هذه العلقة حتى أصبحت رجلاً؟ إنه هو الله بلطفه وكرمه، وقبل أن يسويه رجلاً كان يعلن عن حاجته الماسة للربوبية في شربه وطعامه ومعاشه، ولكنه اليوم نسي ما كان عليه من ضعف وشعر بالقوة والغنى عن أي مساعدة، ومالم يعيد الإنسان لنفسه الذكرى في تلك الحاجة على أنها دائمة مستمرة فلن يشعر بالفقر الذي يدفعه لربوبية دائمة أبقى وأدوم من ربوبية والديه الذان ربياه في صغره.

والآن بعد أن أصبح رجلاً فإن خالقه وربه الحقيقي الذي رباه في صغره يريد أن يكرمه يتم عليه نعمته بالهدى وبالصيرة في الدين والدنيا فيأمره بأن يقرأ، فكما رعاه في صغره مذ كان علقة فإنه سيرعاه بالتعليم وبالهدى، هذا فقط إن اعترف هو بالحاجة الماسة لهذا الهدى، وأن لا أحد يهيده إلا الله.

وبهذا يتأكد أن قراءة القرآن مبنية على أساس أن الله هو الرب الهادي، وليس على أساس أن الإنسان يمتلك القدرة والملكات في استظهار الهدى مهما كانت صعوبة الكلمات وتعقيد تراكيبها.

" كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى "

نتيجة القراءة

﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ الأنعام (122)

إثــــــــــــــراء

1- في آية (1) من سورة العلق، هل أمر القراءة مقتصر على شخص النبي محمد (ص)؟

2- وماذا يعني أن يكون المؤمن قارءًا لكتاب الله؟

3- وهل لهذا الأمر علاقة بالإيمان ؟