الطاغوت
| quran-concepts# مقدمة
القرآن الكريم لا يطلب منا أن نتعامل معه بتصديق فقط، بل بيقين، ومن لا يصل إلى اليقين لايزال الريب يتأرجح في قلبه، عدم اليقين بآيات الله وضعف الإيمان بها والارتياب بما أنزل الله يلجئ المؤمن لحاكم آخر غير كتاب الله فيحكم بغير ما أنزل الله.
أحكام الكتاب يجب أن تبين توضح تبلغ، لكن يجب أن لا تتغير ولا تتبدل ومن يعمل على تبيين هذه الآيات ونشر أحكام الكتاب السماوي فهو يعمل ضمن ولاية الله، أما من يعمل على مخالفة أحكام الله بأي شكل من الأشكال فقد خرج عن ولاية الله سبحانه وتعالى.
أما من نصب نفسه للتشريع بما يتوافق مع الأهواء وإن كان ذلك على حساب ما أنزل الله فقد عد طاغوتاً في المفهوم القرآني، و كلمة الطاغوت: من طغى وهو مجاوزة الحد في العصيان، ومن عبث في تشريع الله لم يعص الله فقط بل تجاوز حده في العصيان بتدخله في شأن هو مخصوص لله فقط، الإنسان ليس مدان لمخلوق آخر لأن الكل عبيد أمام الله سبحانه وتعالى ومدانون له وحده، ومن نصب نفسه للحكم بغير ما أنزل الله مدعياً أنه حكم الله فقد أصبح طاغوتاً.
حلقتنا اليوم تتناول موضوع الطاغوت في ثلاث عناوين رئيسية
1- مفهوم الطاغوت في الشرع
2- علاقة الطاغوت بالشرك
3- تمام الإيمان بما أنزل الله.
# الطاغوت
# مفهوم الطاغوت
الطاغوت هو جهة تحكم في الشرع بغير ما أنزل الله، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النساء:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ﴾ النساء (60)
الآية تتحدث عن فئة من أهل الكتاب في زمن الرسالة، أرادوا التحاكم إلى جهة أخرى غير ما أنزل الله . ما الذي جعل هؤلاء يذهبون لأخذ حكم من تلك الجهة التي أسماها القرآن طاغوتاً ؟ مع وجود الرسول والرسالة! هو ضعف يقينهم بالكتاب، وضعف عقيدتهم بما أنزل الله، واعتدادهم بالطاغوت على أنه يملك الحكم على الرغم من وجود كتاب الله البيّن بنوره الساطع. وقد عدتهم الآية بهذا الفعل أن إيمانهم بالكتاب إنما هو زعم وادعاء وليس حقيقة، لأنهم قد أمروا أن يكفروا بأي جهة تتزعم التشريع وتخالف ما أنزل الله، ولكنهم لم يكتفوا بكتاب الله وذهبوا لتلك الجهة التي تزعمت الحكم.
# علاقة الطاغوت بالشرك
لقد تعلمنا في الحلقة السابقة معنى الشرك، وهو المشاركة في أمر هو مخصوص لله فقط، ومن شارك الله في شيء عد شريكاً من قبل من نصبه، ومن شرع في قبال شرع الله فقد عد شريكاً لله في حكمه تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام
﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ الأنعام (121)
الآية تتحدث عن تغيير حكم من أحكام الطعام، وتحذّر المؤمنين من تغييره وتحذّر من الاستجابة لمن يحاول أن يغيّر هذا الحكم، و تقول إن أنتم أطعتم أولئك الذين يجادلوكم من أجل أن تغيّروا هذا الحكم فقد وقعتم في الشرك. والسبب في ذلك هو الإقرار بحكم غير الله، و الأخذ بحكم ما أنزل الله به من سلطان. وهنا لا نتحدث عن المعصية في مخالفة الحكم، ولكن نتحدث بالتحديد عن الإقرار بالحكم الذي يغيّر شرع الله.
من خلال هذه الآية نفهم معنى الطاغوت في الحكم وإن لم ترد كلمة "الطاغوت" بالتحديد، فالذي أوقع المؤمنين في هذا الشرك هو حكم واحد من أحكام الطعام بسعي ومجادلة من قبل جهة تريد أن لا يتم تطبيق أحكام الله، تلك الجهة هي الطاغوت، ونلحظ هنا:
# 1- الولاية
إما أن تكون بالله أو بغير الله، الولاية تكون بالله عندما يتخذ الكتاب كحاكم في الشريعة والحقائق، أما من خرج عن تلك الأحكام فقد كانت ولايته بغير الله، والآية الشريفة تسمي من يحكم بغير ما أنزل الله بأن ولايته للشيطان.
# 2- سعي الشيطان
في إحراف الناس عن الكتاب ولو في حكم واحد، لأنه يعلم أن إقرار الناس ولو بحكم واحد في غير ما أنزل الله هو شرك والشرك ذنب عظيم.
# 3- وسيلته
أن وسيلة الشيطان هي أن له أولياء موالون لمشروعه الهادم لتمسك الناس بكتاب الله، وهؤلاء الأولياء لن يتركوا المؤمنين بالكتاب على سجيتهم في التمسك بما أنزل الله، وأنهم يستخدمون أسلوب المجادلة من أجل إبعادهم عن هذا الكتاب، والمجادلة تستخدم أدوات الإقناع منها الأفكار المنمقة والقواعد العقلية التي يعجب بها الإنسان، ولولا أن لتلك المجادلة تأثيرها على النفس ما حذر القرآن منها، والآية تبيّن حقيقة ما قد يقع فيه المؤمن إن هو أطاع هذا الجدال، فحقيقته أن المؤمن قد وقع في الشرك من حيث لا يعلم.
# 4- قاعدة
يفرض القرآن الكريم قاعدة هامة وهي رفض ( ما لم ينزل الله به سلطانا ) ، سلطانك هو ما أنزله الله وليس غير ذلك، وأن التزامك بالقرآن الكريم هو المنجاة من الوقوع في حبائل الشيطان وأفخاخه.
# تمام الإيمان بالله
الإيمان هو في حقيقته كفر وإيمان، وليس إيمان فقط، كفر بالطاغوت ثم إيمان بالله كما تنص على ذلك الآية التالية
﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ البقرة (256)
1- تمام الإيمان بالله هو كفر بالطاغوت وإيمان بالله : " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله"
2- القرآن الكريم بكل ما فيه من حقائق وأحكام وشرائع لا يكره أحد على الالتزام بها " لا إكراه في الدين" ويسمي ما يبينه في كتابه بأنه "رشد " لأن الذي يتبعه ويلتزم به يحتاج إلى رشد والرشد عكس السفه، والسفيه هو الذي يترك كتاب الله ويولي أمره إلى غيره " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ". والرشد هو تمام الشعور بالمسؤولية " فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم " كما جاء في موضوع اليتامى.
3- " فقد استمسك بالعروة الوثقى" : العروة هي الرابطة أو المقبض الذي يقبض عليه الإنسان بيده حتى لا يسقط أو لا يهوي ، وهذا ما يسعى إليه الإنسان في الدين وهو أن يكون قد يأوي إلى ركن شديد لا ينهار به في الدنيا ولا في الآخرة، وفي الآخرة يتبين للمرء حقيقة ما تمسك به هل كان متماسكاً أو أنه ينفصم فيهوي بصاحبه في مهاوي الردى، والله سبحانه وتعالى يعطي الضمان للموقنين بكتابه بأنكم إن استمسكتم بهذا الكتاب إيماناً بالله فقد استمسكتم بعروة موثوقة لا تخشون الوقوع بعدها.
4- بهذا يمكن أن نقول أن الشيطان هو الطاغوت الأكبر لأنه يسعى من خلال من يواليه أن يدفع المؤمنين للتحاكم عند غير الله، وما يسعى إليه الشيطان أن يجعل ضماناً ولو جزئياً ولو في حكم واحد من أحكام الكتاب في موضع آخر في غير كتاب الله حتى يردي بالمؤمنين في المهالك يوم القيامة. وهذا الطاعوت الأكبر يتخفى - كما في الآية السابقة – عبر أدواته وأولياءه في أشكال قد منمقة يقبلها الإنسان، لذا وجب على المؤمن أن يكون متمسكاً بكتاب الله يقظاً من الصور المزيفة التي قد يظهر فيها الطاغوت.
# آية
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ﴾ النساء (60)
الإيمان التام هو إيمان بالله وكفر بالطاغوت، إيمان بما أنزل الله في الكتاب، وكفر بالطاغوت الذي يتزعم الحكم في قبال حكم الله النازل في كتبه.
# إثــــــــــــــراء
1- في آية (60) من سورة النساء، هل للطاغوت علاقة بما أنزل الله ؟
2- هل للطاغوت علاقة بالتحاكم لغير الله؟
3- كيف يمكن للمؤمن أن يجتنب الطاغوت ؟