مدونة حلمي العلق

الأمنيات

 | quran-concepts

آية

﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ البقرة (111)
دخول الجنة بالعمل وجهاد النفس وإصلاحها، ولا يدخل المؤمن بالاعتقاد أن الله يحب طائفته وأنه سيدخل الجنة بالإنتماء.

مقدمة

لقد تعلمنا في الحلقة السابقة أن قول الرسول يطابق قول الله في كل شيء، في الأحكام والشرائع والعقائد، ولا يمكن للرسول أن يضيف أو يغيّر حقائق الكتاب، لقد وجدنا سابقاً أيضاً أن الرسول إنما هو تابع لملة إبراهيم هو دعوة أبيه إبراهيم الذي دعا بأن يرسل للناس من يعلّمهم الكتاب والحكمة فهذا الكتاب هو الرسول بين أيدينا، كل الآيات التي قالت (قل) بلغها الرسول للناس فمن أحب أن يسمع كلام الرسول وأن يسمع نداءه، هذه هي كلماته بين أيدينا قد حفظها الله لنا في كتابه العزيز. وحفظ لنا حتى خواطر أفكاره ومشاعره وحزنه وضيقه ورحمته ومودته للمؤمنين، ولا يوجد أصدق ولا أعدل من قول الله.

لقد كان للحلقة السابقة (الرسول) ربط بالحلقة التي سبقتها (الطاغوت)، فالرسول صفته أمام هذه الرسالة وهذا الكتاب المنزل أنه أول مؤمن بها "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون" وصفته أمام هذا الرسالة أنه أول المسلمين لها " وأمرت أن أكون أول المسلمين" ، والأنبياء والرسل ليسوا طواغيتاً حتى تكون لهم أوامر تخرج الناس عن الكتاب أو تحرفهم عن أوامره البيّنة.

عقيدة الأمنيات

من هذا المدخل الهام نريد أن نتعرف على أحد الأمراض الفتاكة التي تصاب بها الأمم الموحدة التي أنزل الله عليها كتاب سماوي، نزل الكتاب السماوي من أجل أن يُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولكن الطواغيت يخرجون الناس من النور إلى الظلمات، وقد أصيبت الأمم التي انحدرت في أصلها من ملة إبراهيم بمرض عقائدي خطير، على الرغم من أنهم أصحاب كتب سماوية وقد منّ الله عليهم بكلماته وهداه. ذلك هو مرض الأمنيات. فما هو مفهوم الأمنيات في القرآن الكريم؟

الأمنية هي الاعتقاد بدخول الجنة بالإنتماء الذي يقلل من قيمة العمل، الإنتماء إلى طائفة أو جماعة مرتكزة في ذلك على انتسابها إلى شخصية رسالية دينية ذات شأن في تأسيس الدين. نتحدث هنا في ثلاث محاور رئيسية :

1- مفهوم الأمنيات في القرآن الكريم.

2- تأثير عقيدة الأمنيات على قيمة الجنة.

3- عقيدة الأمنيات والخروج عن ملة إبراهيم.

مفهوم الأمنيات

﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ البقرة (111)

الآية المباركة تبين مفهوم الأمنيات التي عاشتها بعض الطوائف في زمن رسالة النبي محمد (ص) وقد عارضها الله في القرآن الكريم من أجل إصلاح حالها وإعادتها إلى حقائق الكتاب، هذه الطوائف تُمني الناس بقولها : كن يهودياً تدخل الجنة، وأخرى تقول كن نصرانيا تدخل الجنة، وقد قالوا أيضًا أن الآخرة خالصة لهم يوم القيامة من دون الناس ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ).

الأمنية والبرهان

الآية المباركة تأمر الرسول النبي محمد (ص) بأن يسألهم بقوله " هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين "، أأتوا بما يوافق هذه العقيدة من الكتاب المنزل الذي أنزله الله عليكم. وهذه العقيدة لا تستند إلى برهان، والبرهان هو من عند الله في الكتاب السماوي، وكما قال الله " أم لكم براءة في الزبر " ؟ هل برأكم الله وزكاكم في الكتب السماوية حتى تعتقدوا بنجاتكم عنده يوم القيامة، وهذه العقيدة إنما تستند على أقوال خارج الكتاب، وبالتحديد إلى أقوال تنسب إلى الرسول الذي نسبت له الطائفة أو الديانة، لأن اسم الرسول هو وسيلة الكذب على الله، ومن هنا يتحول الرسول من تابع لملة إبراهيم وللكتاب السماوي ومسلم له إلى مشرّع خارج العدالة الربانية، ويتحول من أول المسلمين للكتاب إلى طاغوت يشرع مع الله، وهو من ذلك براء.

والآن ندرس تأثير هذه العقيدة على قيمة الجنة.

الأمنيات وقيمة الجنة

هذه العقيدة تقلل من قيمة الجنة وترخِصها، وبدلاً أن يسعى المؤمن بالرسالة السماوية إلى تحقيق المطالب الربانية التي نصّها الكتاب السماوي يفتتن بتلك العقيدة ويكتفي بتحقيق الإصطباغ بصبغة الطائفة حتى يضمن النجاة المزعومة يوم القيامة، وبدلاً من أن يزكّي نفسه على أساس "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" ، و بدلاً من تنقية قلبه على أساس "إلا من أتى الله بقلب سليم" يكتفي بتأكيد الانضمام إلى طائفته التي ضَمنت لكل أفرادها النجاة يوم القيامة من النار، والدخول إلى الجنة على أساس بطاقة الإنتماء إلى هذه الطائفة أو تلك.

﴿ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى ۝ فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى ۝ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ النجم (24) - (26)).

1- الآية تتساءل: هل يكون للإنسان ماتمناه في أن يحظى بدخول الجنة وبالدرجات العلى يوم القيامة وهو بعيد عن أوامر الله وبعيد عن ما يطلبه الله منه؟ فتكون الأجابة " فلله الآخرة والأولى" الآخرة لله، له الملك فيها وله القرار فيها، ولا يشاركه في الحكم في الدنيا والآخرة أحد.

2- وعند استكمال الآيات نجد أن للمشكلة امتداد وأصل آخر وهو الاستشفاع بالملائكة، على أن لهم شيء في حكم الآخرة وأنهم قد يشاركون الله سبحانه وتعالى في انقاذ أحد من النار أو الإقرار بدخوله الجنة، فكانوا هم وسيلة ذلك التمني.

وهنا تكشف الآيات حقيقة ما في الضمائر، أن هذا الذي يخالف ما أنزله الله من متطلبات للجنة إنما يخالفها لأنه يعتقد أن هناك من سيُنجيه بالشفاعة يوم القيامة من سوء عمله، ولذلك قالت الآية أن لله الآخرة والأولى، حتى لا يتصور الإنسان أن الآخرة بيد غيره، ويبني على الظنون والأوهام والخيال.

الأمنيات وملة إبراهيم

واحدة من العقائد الأساس في ملة إبراهيم والتي توصي أتباعها بالالتزام بها هي هذه الكلمات النورانية والتي لها أبعاد كبيرة في حياة المؤمن، كما أن ضياعها له تأثير كبير أيضاً في ضياع الطائفة المنتمية للملة:

﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ۝ وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى ۝ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى ۝ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ۝ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ۝ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ۝ وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ۝ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ۝ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى ۝ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ النجم (33)-(42)

1- صحف إبراهيم وموسى

في هذه الكلمة دلالة مهمة في أن هذه هي صحف إبراهيم الذي هو أساس الملة، وهي نفسها صحف موسى التي قد ينسب له مالم يقله، وبدلاً من أخذ المنقول عنه، وجب الأخذ بالموثوق به من الصحف الربانية التي يتعبد إلى الله بها، فيها الحقيقة، والقرآن الكريم يحفظ لنا نفس تلك النصوص النورانية.

2- أن لا تزر وازرة وزر أخرى

وعلى ماذا نصت صحف إبراهيم وموسى؟ هذه الآيات تبين أنه "لا تزر وازرة وزر أخرى" رداً على أن الذين توسلوا بالملائكة من قريش، أو الذين توسلوا بعيسى أو عزير على أن لهم المغفرة والنجاة يوم القيامة بسبب هذا الاستشفاع وهذا التوسل، ولأنهم من المفترض أن يكونوا من أتباع ملة إبراهيم فالله يعيدهم إلى أصل ملتهم التي نصّت على أنه لا أحد يحمل وزر أحد يوم القيامة، وأن ليس للإنسان إلا ماسعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى وأن إلى ربك المنتهى؟ هذه هي نصوص ملة إبراهيم نصوص الصحف التي أنزلت على إبراهيم ومن بعده على موسى ومن بعدهما أنزلت على نبي الرحمة محمد (ص) حتى يبلغها لمن انحرف عن هذه الملة وعن قيمها.

3- أفرأيت الذي تولى؟

ما نتيجة هذا المعتقد؟ هو الفساد في الدين، هو إرخاص قيمة الجنة ونتيجة ذلك الرخص، تولي عن أوامر الله سبحانه وتعالى في الكتاب المنزل، وضعف في الأداء والعمل من أجل فكاك الرقبة وعتق النفس من النار، فالآيات تبين أن الوقوع في هذا المرض يؤثر على العمل لأن صابحه ضَمِن الآخرة.

خلاصة

1- الأمنية : هي عقيدة تمني الجنة بالشفاعة أو ماشابه بما يؤدي إلى ضعف العمل.

2- عقيدة ملة إبراهيم هي: "ليس للإنسان إلا ماسعى".

3- ليس للأنبياء و الرسل قول يخالف ملة إبراهيم.

إثــــــــــــــراء

1- في آية (111) من سورة البقرة ، هل قبل الله من اليهود والنصارى اعتقادهم بانحصار الجنة على طائفتهم؟
2- ما سبب وقوع المؤمن في هذا المعتقد حسب الآية ؟
3- لماذا ينفي بعض من أهل الكتاب – حسب الآية – أن يدخل الجنة غيرهم ؟