مدونة حلمي العلق

السلطان

 | خواطر قرآنية

مقدمة

يقول الله سبحانه وتعالى على لسان نبي الله يوسف (ع) :﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40)﴾

عنوان خاطرتنا هو السلطان، وهذا المسمى هو أحد أسماء كلمات الله وآياته، فما هو السلطان؟ وما معناه؟

السلطان

هو القوة التي تجعل من صاحبها غالباً لا يقهر، فما دلالة هذه الكلمة في التنزيل، وفي آيات الله؟ نتأمل في مدلول هذه الكلمة في آيتين من آيات القرآن الكريم الآية الأولى في سورة الروم والثانية في سورة الصافات.

أولاً : آية 35 من سورة الروم

﴿ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾ الروم (35)

الآية المباركة تتساءل مستنكرة على المشركين إدخالهم في الدين ما ليس فيه وما لم ينص عليه كتاب، وتقول بما مضمونه لم ننزل عليهم سلطان حتى يفعلوا ما يفعلون ؟ ونقف أمام هذه الآية الشريفة وقفتان:

  1. أن القرار في العقائد الدينية والغيبية هو عائد إلى الله سبحانه وتعالى لا لغيره، هو الذي يفعل ما يشاء ويقرر ما يشاء، وأن الإقرار بمعتقد لم ينزله الله من عنده هو إيذان بالدخول في الشرك.
  2. أن ما ينزّله الله سبحانه وتعالى من عنده في كتبه السماوية إلى الناس يجب أن يعتبر سلطان عليهم، ولهذا التعبير دلالة هامة يجب أن توضع في عين الاعتبار وهي أن هذه الكلمات لها القوة والغلبة على أي كلام آخر فإذا جاءت تسلطت بقوتها وغلبتها على المؤمن، ويجب أن تعتبر بهذا الاعتبار، وما ينزل من السماء من عند الله هو الذي يملك السلطة لا غيره. فهذا السلطان إذا تكلم بشيء أصبح منصوصًا ومأموراً به من قبل سلطة الخالق العظيم..

ثانيًا : آية 156 من سورة الصافات

الآية تتحدث عن أهل مكة الذين عبدوا الملائكة واعتبروهم بنات الله سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرا، وتوجه النبي محمد (ص) أن يستفتيهم:

﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ ۝ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ ۝ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ۝ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۝ أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ۝ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ۝ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ۝ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ۝ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾سورة الصافات (149) - (157)

نقف مع هذه الآيات الكريمة ثلاث وقفات:

  1. 1- " أم لكم سلطان مبين"

    بعد التساؤل حول عقيدة أن الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، تتسائلهم الآية " أم لكم سلطان مبين" أم أنكم تقولون ذلك في الملائكة وتفعلون معهم ما تفعلون لأن لديكم "سلطان مبين" السلطان هو القوة والهيمنة التي تلزم للإنسان، وحين تقول الآية أنه "مبين" فهي تقصد أنه يبيّن أن ما هم عليه هو الحق، والآية تقول لهم :هل هناك قوة أجبرتكم وتسلطت عليكم حتى تعتقدوا بهذا وتقولون بهذا القول؟ والذي نفهمه من سياق الآية أنهم لا يملكون هذا السلطان. أما الآية التالية تفرض حصرية أن يكون السلطان في آيات الله المنزلة فتقول:

  2. " فأتوا بكتابكم"

    فإن كان هناك ما هو متسلط عليكم فلا بد وأن يكون من عند الله لأنه صاحب السلطة، لأن المقصود من الكتاب هنا هو الكتاب السماوي الذي أنزل الله فيه أوامره، ونص فيه على المعتقدات، وبهذا فإن الآية تحصر السلطان في الكتاب المنزل وفي آيات الشريفة.

  3. "إن كنتم صادقين"

    العقائد الدينية لا تؤخذ بالادعاءات بل يجب أن يكون لها مصدرية من عند الله في كتبه وفي آياته، وكتاب الله سلطان على الجميع فلا يستطيع أحد أن ينفلت من سلطته.

خلاصة

1-آيات القرآن الكريم سلطان على البشر لأنها مرسلة من عند الخالق، ولا تملك أي كلمات أخرى هذه الصفة، ولا يمكن مقارنتها أو مساواتها بأي كلمات أخرى لأن في ذلك تقليل من قدر الخالق عز وجل. والقرآن الكريم يوجه سؤاله استنكارًا للذين يستجيبون لغير ما أنزل الله: هل هناك سلطان عليكم من أحد حتى تعتقدوا ما تعقتدون؟ ويؤكد بأن السلطة لكلمات الله لا لغيرها ! فلا شيء يمكن أن يتسلط عليك في الدين بحيث يأمرك بحكم أو عقيدة إلا هذا الكتاب.

2- الالتفات إلى هذا المسمى وهذا الوصف يضع لهذا الكتاب العزيز الاعتبار الأكبر في قلب المتدبر لكتاب الله، والمتأمل لهذه الكلمات النورانية، ويحدد طبيعة العلاقة بين المؤمن وبين هذا الكتاب العزيز، فالمؤمن مأمور ومأسور مُتَسلّط عليه من خلال الآية وإن خرج من هذه السلطة فقد فسق عن أمر ربه وظلم نفسه وعرّض نفسه لخطر مساءلة عدم الامتثال وعدم الانصياع لأوامر الله ولذا نجد أن رد الرسول (ص) بهذا المستوى من الخشية والمخافة:

﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ يونس (15)

اللهمَّ اجعلنا ممن يعتصم بحبل القرآن، ويأْوى من المتشابهات إِلى حرز معقله، ويسكن في ظل جناحه ويهتدى بضوءِ صباحه، ويقتدى بتبلُج إِسفاره، ويستصبح بمصبحه، ولا يلتمس الهدى في غيره.