الفرقان
| خواطر قرآنية# مقدمة
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾ الفرقان (1)
فهمنا ومن خلال آية (104) من سورة المائدة في الدرس السابق ما آل إليه حال بعض الأمم من حيث ابتعادهم عن الكتاب السماوي، فوصلوا إلى درجة الاستغناء عنه والاكتفاء بما وجدوا عليه آباءهم فأصبح موروثهم هو حسبهم وهو كفايتهم، فبه يقتدون ومنه يهتدون، وإليه تكون مرجعيتهم لتمييز المعقولات من غير المعقولات، ومن خلاله يفرقون بين الحقائق فيقبلون ما يتوافق معه، ويرفضون ما يتعارض معه.
تحدثنا في حلقات سابقة عن اسمين من أسماء القرآن الكريم الهامة، هما البرهان والسلطان، وهذين الاسمين يعطيان دلالة واضحة على أن ما في هذا الكتاب العزيز من آيات شريفة دليل لا يحتمل الخطأ وفي أعلى مستويات الوضوح والثبات، وفي هذه الحلقة نتعرف على اسم هام آخر من أسماء القرآن الكريم والكتب السماوية بصورة عامة وهو الفرقان، ولهذا الاسم دلالته وأهميته، فلم يسم الكتاب السماوي بهذا الاسم إلا من أجل أن ننحاز له ونتعامل معه على هذا الأساس، نحاول أن نتعرف على دلالة هذه الكلمة من خلال آية في سورة الأنفال أولًا، ثم ندرس آية أخرى وهي آية شهر رمضان والتي تسمي القرآن بالفرقان.
# الفرقان
# يوم الفرقان
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال
﴿ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ الأنفال (41)
يوم الفرقان هو أحد الأيام الهامة التي عاشها المؤمنون، هو يوم معركة بدر الكبرى حين التقى الجمعان، وتكمن أهمية ذلك اليوم في كونه كان فارقًا بين الحق والباطل، ففي ذلك اليوم انقسم الناس إلى فرقتين، فرقة مؤمنة وأخرى كافرة، في جهة وقف المؤمنون، وفي جهة أخرى وقف الكافرون، وفي ذلك اليوم امتاز المؤمن برسالة النبي محمد(ص) عن الكافر، هو يوم عظيم وهام في تاريخ الإسلام، لذا أسماه القرآن الكريم بيوم الفرقان.
ولأن ذلك اليوم أحدث ذلك التفريق الواضح، سمي بيوم الفرقان، فالفرقان هو ما يفرق به بين شيئين، وبالمثل فإن القرآن الكريم فرقان، لأنه يميّز بين الحق والباطل، وكيف يكون ذلك؟ من خلال الإيمان به، والتمسك بآياته يمكن للإنسان أن يفرّق به بين الحق والباطل، وأن يتعرف على حقيقة ما يجد نفسه عليه، لأنه النور الذي يُستضاء به في الظلم. هذه هي حقيقة الكتب السماوية وقد وصف الله سبحانه وتعالى ما أنزل على نبي الله موسى من صحف بالفرقان، وكذلك وصف هذا القرآن العظيم بالفرقان أيضًا، ولفهم أهمية هذا الاسم ندرس آية الصيام في سورة البقرة.
# بينات من الفرقان
يقول الله سبحانه وتعالى
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ البقرة (185)
لقد فرض الله سبحانه وتعالى صيام شهر رمضان شكرًا على نعمة إنزال القرآن الكريم، ولقد وصف الله سبحانه وتعالى هذه النعمة العظيمة بأنها هدًى للناس، فهو كتاب يهدي من شاء الله أن يهديه، الكتاب نفسه إمام للمتقين الذين يبتغون أن يصلوا إلى الله سبحانه وتعالى والذين يريدون أن يتمثلوا بقيمه المنزلة.
# الفرقان
تقول الآية المباركة بأن هذا الكتاب يحوي بيّنات، بان أي ظهر وتمايزت ملامحه عما غيره فأصبح واضحًا جليًا للعيان لا يرتاب فيه أحد، القرآن الكريم (حسب الآية الشريفة) يحوي نوعين من البينات: الأول: بيّناتُ من الهدى، والثاني: بيناتُ من الفرقان، فمن أراد أن يهتدي بهدي الله فالهدى بيّن واضح لا لبس فيه في هذا القرآن الكريم، والبيّن يكون بينًا بذاته لا بغيره، وهدى القرآن بيّن غير خاف أو مبهم، ولا يحتاج إلى إجلاء أو إيضاح .
أما من أراد الفرقان، من أراد أن يفرق بين الحق والباطل فمطلبه في هذا الكتاب، وفرقان الكتاب هو آياته البيّنات التي يمكن للمؤمن من خلالها أن يفرق بين الحق والباطل، وفرقان بيّن أي غير خاف فلا يحتاج إلى إبراز أو توضيح. والله سبحانه وتعالى بعد أن يذكر حقيقة القرآن باحتوائه على بيّنات الهدى وبيّنات الفرقان، يوجب سبحانه صيام شهر رمضان شكرًا على إنزاله للناس، فإذا كنا نشكر الله على شيء صيامًا في كل عام علينا أن ندرك ذلك الشيء جيدًا.
# خلاصة
كما أن يوم الفرقان ميّز بين فرقتين ووضع الخط الفاصل بين جماعة المؤمنين والكافرين، فمات من مات عن بينة وهلك من هلك عن بينة ، كذلك القرآن الكريم هو فرقان، هو الذي يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعني أن القرآن أداة هامة أنزلها الله سبحانه وتعالى للناس ليميّزوا بين الحقائق المختلطة في واقعهم.
وقد رأينا في آية (104) من سورة المائدة في الحلقة السابقة والتي كان عنوانها الاستغناء عن الكتاب أن الابتعاد عن الكتب السماوية يُوقع الأمم في كارثة الابتعاد عن الحق، لأن الكتاب السماوي هو الحصانة ضد الباطل وهو الفرقان، وهو الذي يفسّر الواقع، هو الذي يضع الحق في جهة ويضع الباطل في جهة أخرى، وكل الأمم التي أنزل الله عليها الكتاب تحتاج إلى هذا الفيصل الهام لأن الشيطان لا يسكن ولا يهدأ حتى يلبس الحق بالباطل ويخلط على الناس أمرهم، ويوقعهم في حيرة من دينهم فلا يرون الحق حقًا فيتبعوه، ولا يرون الباطل باطلًا فيجتنبوه. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال التي ذكرت يوم الفرقان مخاطبًا فيه المؤمنين :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ (29)
اللهم أرنا الحق حقاً، وازرقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا واجنبنا اتباعه ، والحمد لله رب العالمين.