مدونة حلمي العلق

البرهان

 | خواطر قرآنية

مقدمة

يرشدنا القرآن الكريم أن لا نسلم وجوهنا للدعاوى التي نواجهها ولا نركن إلى عقيدة إلا من خلال مستند موثوق من عنده سبحانه وتعالى. أحد الطرق التي يرشدنا إليها القرآن لمواجهة الانحرافات هي المطالبة بالبرهان، فما هو البرهان؟ وما دلالة استخدام هذه الكلمة؟ وما تأثيرها على المؤمن والمتدبر في القرآن الكريم؟

البرهان: هو دليل لا يحتمل الخطأ لثباته وصدق مصدريته، هو أقوى الأدلة فلا دليل فوقه، ويكتسب البرهان ثباته من بيانه الذي لا التواء ولا عوج فيه، وأما مصداقيته فلأنه وارد من أعلى المصادر مصداقية.

هذا الدرس يرتكز على نقطتين:

الأولى : في أن كلمة البرهان هي أحد مسميات آيات القرآن، ونحاول أن نفهم ذلك بالتأمل في آية 174 من سورة النساء

الثانية : حول دحض الدعاوى الباطلة بالمطالبة بالبرهان، ونحاول أن نقترب من ذلك من خلال آية 111 من سورة البقرة.

البرهان

1- البرهان هو الآيات

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ﴾ النساء (174)

" يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم"

الآية تخاطب الناس وتقول لهم قد جاءكم برهان من ربكم، فما المقصود بهذا البرهان؟ المقصود هو القرآن الكريم، هو النور المنزل من عند الله، هذا الكتاب العزيز برهان، برهان على ماذا؟ هو برهان لأنه هو الدليل القاطع البيّن الذي لا يمكن أن يلتبس فيه أحد ولا يمكن أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في العقائد وفي الأحكام وفي الشرائع.

باستشعار هذه الآية ندرك الدرجة العالية التي يريد منا الله سبحانه وتعالى أن نعتبرها لهذا الكتاب، والتي يجب أن نحملها في قلوبنا تجاه كلماته، نحن عندما نتمسك بالكتاب فنحن لا نتمسك بشيء عادي وإنما نتمسك بالنور المبين الساطع الذي به تنال براهين الله الكافية، لذا فالتمسك به هو تعبير عن الإيمان الحقيقي بالله، وهو التجسيد الحقيقي للاعتصام به، وهذا ما تبينه الآية التالية:

2- التمسك بالبرهان والإيمان

﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً ﴾ النساء (175)

" فأما الذين آمنوا بالله"

تأتي هذه الكلمة في سياق الحديث عن القرآن الكريم والذي وصفته الآية السابقة أنه برهان، وهذه الآية واصلت الحديث عن الإيمان بالقرآن الكريم بصيغة الإيمان بالله، لأن الإيمان بالكتاب والتمسك به والتعامل معه على أساس أنه برهان هو مصداق الإيمان الحقيقي بالله.

" واعتصموا به "

هذه صفة من تعامل القرآن على أساس أنه يحمل قوة البرهان، وهي صفة المتمسك به، فهو متمسك به اعتصامًا به، وهذا التعبير فيه دلالة قوية على درجة الثقة التي يحملها المؤمن في قلبه تجاه هذا الكتاب، فالإنسان لا يؤي إلى شيء يعصمه من الخسران أو الضرر إلا إذا كان واثقاً فيه.

" فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطًا مستقيما"

نتيجة اعتبار أن آيات الله هي البرهان، ونتيجة الإعتصام بها، أن الله سبحانه وتعالى يدخل هؤلاء المؤمنون في رحمة منه ويهديهم إليه صراطًا مستقيما.

خلاصة :

ما هو البرهان في الدين؟ هو الدليل الصادر من عند الله في كتابه المنزل، وقد علمنا ومن خلال الحلقة السابقة أن القرآن الكريم سلطان، والسلطان إذا تحدث كان كلامه برهانًا، لأنه مصدر القوة والهيمنة وهو مصدر الأمر والنهي، ولهذا تكون المطالبة بالبرهان في الجدالات الدينية تعني الإتيان بآية منزلة في كتاب سماوي، كما هو الحال في آية (111) في سورة البقرة التي تتحدث عن موضوع المطالبة بالبرهان.