أمر الله
| quranic-commands# مقدمة
حين ندرس القرآن الكريم نجد تشديدًا حول أهمية تدبر ودراسة القرآن، وقد تبيّن سابقًا ومن خلال دراسة الكثير من الآيات خطورة الابتعاد عن المنهج الرباني المرسوم في هذا الكتاب العزيز، القرآن بصفته كلام الله المتعال يحوي على علوم لا حصر لها ولا عد وفي شتى المجالات ومختلف العلوم الطبيعية منها والإنسانية فضلًا عن الدينية، ولكن السؤال هو : أي من تلك العلوم هو الأولى بالدراسة والبحث؟ وبأي اتجاه يُلزمنا ذلك الحث وتلك الدعوة الربانية لدراسة الكتاب؟ فقد نتوجه لدراسة القرآن ولكن نذهب للمهم ونترك الأهم! أو بمعنى آخر ننحى غير المنحى الواجب والذي ارتبطت معرفته والعمل به بنجاة الآخرة، فما هو الأهم الذي من أجله أُرسلت هذه الرسالة في ليلة هي خير من ألف شهر؟
لقد وقفنا في الحلقة السابقة عند المسؤولية الجماعية والفردية تجاه القرآن الكريم، وقد تبين أن لاحجة لأحد عن التنصل من تلك المسؤولية، في هذا الدرس نحاول أن نحدد الاتجاه الذي يحقق الاستجابة، ونطرح السؤال المحوري : ما هو أهم موضوع يناقشه القرآن الكريم؟ أو بصيغة أخرى : ما هو العلم القرآني الذي إن تركناه كانت عاقبة أمرنا خسرا؟ أو ماهو العلم الذي يرتبط القيام به بالنجاة من عذاب الآخرة؟
سنجد أن أهم موضوع هو ما يسميه القرآن الكريم "أمر الله" ، هو الرسالة التي يجب أن لا ننصرف عنها بالانشغال بمواضيع فرعية بالنسبة لهذا الأمر الأساس، هو الأمر الذي على أساسه سيحاسب الإنسان إن هو أهمله وتركه، تمامًا كما حاسب أهل الكتاب الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها.
لقد أُنزلت رسالة القرآن الكريم حاملة أوامر أساسية بصيغة متعالية، ولاشك أن تلك الصيغة لا تخلو من علوم شتى، ولكن لا يجدر بنا كمؤمنين بهذه الرسالة أن نلتفت للزيت الذي يوقد النار دون أن نستضيء به في ظلمات الطريق، أو أن ننشغل بتمجيده دون أن نصنع به المجد! فننشغل بوصف جمال البيت من خارجه دون أن ندخله ونعيش فيه، فنقضي أعمارنا في الحديث عن علوم القرآن الشتى دون أن نلتفت لمهمته العظمى أو نعي رسالته الكبرى التي تتفتح بها أبواب الجنان. للقرآن أوامر يجب النظر إليها والعمل بها، ويجدر بحملته أن يتعرفوا عليها ويتعلموها كي يحققوا مراد الله منهم قبل كل شيء.
نحاول أن ندرس هذه الحقيقة من خلال المقطع الأخير من سورة الطلاق، ثم نعاود النظر في الآيات الأول من السورة لفهم ذلك الأمر بصورة جلية.
# أمر الله
حملت سورة الطلاق موضوعًا أساسيًا وهو أوامر بينة في موضوع الطلاق، وبعد أن انتهت من سرد تلك الأوامر جاء في نهايات السورة :
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ الطلاق (8)-(12)
هذه الآيات تتحدث عن عاقبة القرى التي خالفت أوامر الله المنزلة، وأن العاقبة كانت هي الخسران، ندرس هذه الآيات في محاولة لإدراك الأهمية التي تمثلها أوامر الله المنزلة في كتبه السماوية.
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً ﴾ الطلاق (8)
الآية تبدأ بالتعبير القرآني " وكأين " والذي تعني التعميم الذي لا استثناء فيه، فلا يوجد أحد مستثنى من القاعدة التي ستذكر بعد هذه الكلمة ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ﴾، فكل القرى السابقة والتي أنزل الله لها أمرًا ثم عتت عنه أي تمردت عليه وعلى رسل الله – كلها – كان مآلها شيء واحد وهو أن حاسبها الله حسابًا شديدًا على تلك المخالفة وعلى ذلك العتو وعذبها عذابًا نكرًا ﴿ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً ﴾ العذاب النكر هو العذاب الذي ينكره كل من رآه أو سمع به، إذ لا يتصور أحدُ أن يكون هذا هو المآل لمن خالف أمر الله، وهذه العبارة لها دلالة أخرى أننا قد لا نتصور حجم الذنب الذي يرتكبه من يقوم بمخالفة أمر الله المنزل من السماء، وهذا يشير إلى أن البشر قد يستهينون بأوامر ربانية وهم لا يشعرون!
﴿ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً ﴾ الطلاق (9)
الآية تتحدث عن عقاب الدنيا ﴿ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا ﴾ الذوق للآكل، وإما أن يكون طعم ما أكله طيبًا أو سيئًا، والوبال هو العاقبة المرة السيئة التي تأتي كمترتب لشيء ما، فهم ذاقوا وبال أمرهم أي ذاقوا طعم العذاب الذي لا يرغب فيه أحد، كنتيجة لأنهم عتوا عن أمر ربهم ﴿ وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً ﴾ الأمر في الآية السابقة والذي جاء في قوله تعالى " أمر ربها " جاء بمعنى الأمر الذي يتطلب التنفيذ والتطبيق من المأمور، وجمعه أوامر، أما في هذه الآية فالأمر هنا بمعنى الشأن والذي جمعه أمور، فالآية تقول وكان عاقبة شأنها وجزاء ما فعلته هو الخسران، والعاقبة هي نتيجة تتبع فعل.
هذه الآية تتحدث عن عقاب الدنيا الناتج عن العتو عن أمر الله، وهذا العقاب ينذر أهله – بطبيعة الحال - بوجود خطأ في مسيرتهم الإيمانية من أجل أن يصححوه قبل فوات الأوان ومجيء عقاب الآخرة، ومن المفترض أن تحدث هذه الخسارة الدنيوية رغبةً في البحث عن ذلك الخطأ والسؤال عن الخلل من أجل التصحيح، إذ لا زال أمامهم متسع من الوقت قبل حلول الآخرة لتصحيح مسارهم، وتعديل ما اعوج من أمرهم مع كتاب الله، ولكن هذه الخسارة – الإنذار – لم تٌفلح في كسر حاجز الكبر في قلوبهم، لما تعتريه قلوبهم من كبر وتعالي، لذا تأتي بداية الآية التالية لتبين ما ينتظرهم في الآخرة.
﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ﴾ الطلاق (10)
﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً ﴾ إعداد الشيء هو تجهيزه قبل حلول وقته، والكلمة تحمل معاني الوعيد والانتقام الرباني بأنه عذاب مخصص لمن تعمد عدم الاستجابة، وإذا كان كذلك فهو ليس عاديًا، لكثرة ما حذّر وأنذر في كتبه، ثم بعد ذلك أعطى مؤشرات من خلال الخسارة الدنيوية، وبالإنذار في الكتاب والخسارة الدنيوية في الواقع تكون حجة الله اكتملت فوجب بعدها العذاب الشديد في الآخرة.
ثم إن الآية نفسها تتوجه للمؤمنين بالتذكير ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ قوا أنفسكم يا أولي الألباب، الوقاية هي الحاجز الذي يدفع العقوبة أو العذاب القادم، أما أولوا الألباب فهم الذين يذهبون بتفكيرهم إلى لب الأشياء لا قشورها، القشر هو الوجه الخارجي للثمرة أو الأمر أو الموضوع، أما اللب فهو المحتوى أو المضمون أو المعنى من الداخل، فأولي الألباب هم الذين يدفعهم خوفهم من الله في التفكر في مضامين الأشياء، يتأملون في المعاني في محاولة لإنقاذ أنفسهم ووقايتها من العذاب الشديد.
تختم الآية الكريمة بالقول ﴿ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ﴾ والذكر هو أحد مسميات الكتاب، والآية تحث المؤمنين أولي الألباب لتفعيل عقولهم في التفكر في هذا الذي أنزله الله إليهم حتى لا يكونوا كالذين من قبلهم الذين أعد الله لهم عذابًا شديدًا، ولقد أسماه الله عز وجل في هذه الآية بالذكر ، ذلك لأن الذكر ملازم للمدوامة والتذاكر والتكرار ، وهذه الملازمة دليل على قوة التمسك خوف النسيان أو التهاون، ولهذا اللفظ دلالته العملية حيث يمكننا أن نفهم أنه من الواجب حتى لا نكون تحت طائلة ذلك العذاب الشديد أن نداوم على التفكر والتأمل في هذا الكتاب ودراسته ونسارع في تطبيق أوامره.
﴿ رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً ﴾ الطلاق (11)
الآية السابقة ختمت بكلمة الذكر وهذه الآية تبدأ بكلمة الرسول، ولو ربطنا الكلمتين ببعضهما البعض يكون التعبير " ذكرًا رسولًا"، والمعنى أن الله أنزل إليكم أيها المؤمنون ذكرًا وهو القرآن، وقد أنزل الله إليكم رسولًا، فالذكر هو رسالة الله، والرسول هو حامل هذه الرسالة، فهما – أي الرسول والقرآن - وجهان لحقيقة واحدة، ولا يمكن أن نفصل بينهما أو أن نفرق بينهما، فإذا كان الرسول بدل عن القرآن، فهذا يعني أن القرآن هو الأصل، والرسول هو البدل فالذكر هو ما بين أيدينا اليوم بين دفتي هذا الكتاب، والرسول في زمن التنزيل كان يتلو الآيات على الناس فيؤمن من يؤمن ويكفر من يكفر ﴿ رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ ﴾ ولقد قام الرسول بمهمته في إيصال هذه الرسالة إليهم من خلال تلاوة الآيات التي كانت تبين حقيقة ماهم عليه في ذلك الزمان وبيّنت الأوامر التي يأمر بها الله.
ولقد قام الرسول بهذه المهمة من أجل تحقيق غاية في المؤمنين وهي أن ينير لهم طريق الإيمان الحقيقي بعد أن كانوا في ضلال عنه ﴿ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾، وهذا الماضي ممتد لكل زمان، وإخراج المؤمنين من الظلمات إلى النور كان بواسطة أداة ووسيلة ، أما الأداة فلازالت باقية وهي كتاب الله المُبين، وأما الوسيلة فهي تلاوة الآيات ودراستها، والنتيجة هي الخروج من ظلمات الجهل إلى نور العلم والإيمان بإذن الله، أما البيئة الحاضنة لهذه الأداة فهي الإيمان والعمل الصالح وفق أوامر الله ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً ﴾ وتنفيذ أوامر الله هو مصداق للإيمان بالله، وأما النتيجة فهي ﴿ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً ﴾.
التوجه لأوامر الله بما تستحقه مرتبط بقدر الأمر في نفس المؤمن، فكلما ازدادت أهميته كلما ازداد الإهتمام به وبدراسته وتطبيقه، هذه الآيات الكريمة توجهنا لتقدير أوامر الله، وتبين أهميتها وتحذر من مخالفتها أيما تحذير، الآية التالية والتي ختمت هذا المقطع وكذلك ختمت السورة المباركة تتحدث عن قيمة وقدر ما يأمر الله به.
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ الطلاق (12)
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾ لم يصدر هذا الأمر الذي بين أيديكم من أحد غير الله، إنه رسالة عظيمة من رب العالمين منزلة من السماء إلى الإرض، فلكي نعطي لهذا الأمر قدره جاءت الآية لتحث على التأمل في السماوات التي لاحد لاتساعها ولا لأبعادها، وإلى هذه الأرض وإلى حجمها وما فيها من نعم وإمكانات، سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، وبعد أن نُدرك هذا الحجم العظيم، نتذكر أن الله هو الذي خلقهن، وهذا الخالق العظيم هو الذي يحدثنا في هذا القرآن وهو الذي أنزله إلينا من سابع سماء وأنزل فيه أوامر ربانية ﴿ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ﴾ هذه الأوامر تتنزل بين السماء والأرض، حتى لا يكون في ظنكم أنه خلق هذا الكون وليس بقادر على إدراته أو الإحاطة بكل مافيه ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ فآياته تدعو لتسبيح الله وتقديره حق قدره، فإذا قدرنا الله قدرنا أمره وعملنا به.
فهمنا ومن خلال هذه الآيات الكريمة التي جاءت في آخر أربع آيات في سورة الطلاق الأهمية الكبرى لأوامر الله ، يبقى أن نفهم أن هذه الآيات جاءت في الأصل كتعقيب لأمر أساسي نزلت به هذه السورة، وبالرجوع لذلك الأمر نفهم أكثر، ما هو المقصود بأمر الله أو أوامر الله، فحين نعود إلى بداية السورة نجد العبارة القرآنية " أمر الله " تشير إلى قضية بدأت السورة بالحديث عنها، ومن خلال ذلك نأخذ نموذجًا من أوامره .
# بداية السورة
بدأت سورة الطلاق بالحديث عن الأوامر الربانية المتعلقة بموضوع الطلاق، وبقوله تعالة :
﴿ يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾ الطلاق (1)
وأعطت التفصيل فيه حتى وصلت إلى آية (5) فقالت ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ ﴾
يقول الله عز وجل في الآية (5)
﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ﴾ الطلاق (5)
قوله تعالى ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ ﴾ أي أن الأوامر السابقة في موضوع الطلاق هي أمر الله، وهذا الأمر أنزله الله إليكم من سابع سماء ﴿ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ﴾ حتى تقيموه ولا تخالفوا شيئًا منه، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ﴾.
# الخاتمة
علمنا أننا مسؤولون عن دراسة القرآن، ثم تساءلنا أي شيء هو الأولى بالدراسة والتوجه؟ فوجدنا أننا أمام أوامر ربانية أنزلها الله عز وجل كي يستجيب لها الإنسان، لقد درسنا الآيات الأربع الأخيرة من سورة الطلاق والتي بيّنت خطورة عدم الالتزام بأمر الله المنزل في كتبه، وأن جزاء ذلك هو الخسارة في الدنيا والعذاب في الآخرة، وكان ذلك تعقيبًا لما بينته سورة الطلاق في بداياتها من أوامر تتعلق بهذا موضوع الطلاق.
وقد وجدنا في الآية (10) أنها تصف المؤمنين في بأولي الألباب الأمر الذي يمكن أن نفهم منه الدراسة المتأنية المتعمقة في الأمور ، فالتفكر في اللب هو عملية تحتاج إلى وعي وجهد للوصول للمعنى الحقيقي للشيء، وهذا ما يكشف للمؤمن الفتنة، وما يبين الالتباس بين الحق بالباطل، وهو الذي يظهر له الواقع على حقيقته. وقد خاطب الله عز وجل المؤمنين في هذه الآية بقوله ﴿ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ لأنهم آمنوا بالكتاب، ولكنهم قد يغفلون عن تفعيل التفكر والتأمل لاكتشاف مصاديق ما يتحدث عنه القرآن في واقعهم.
والحمد لله رب العالمين.