أنواع القتل
| القصاص# حق القتل
# إحكام آيات القتل
في قصة ابني آدم في سورة المائدة : تقول الآية :
﴿ لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ المائدة (28)
على أن القاتل هدد أخيه بالقتل إلا أن أخاه المتقي لم يقتله خوفاً من الله وقال : ( إني أخاف الله رب العالمين ) وذلك لأن الأخ الذي تم تهديده لا يمتلك الحق في أن يقتل أخاه، فما هو حق القتل ؟ متى يحق لأحد أن يقتل أحد آخر ؟
لا يكون ذلك إلا عند القتل، من سلب نفساً يحق لولي المقتول أن يسلب حياة القاتل كما قالت الآية:
﴿ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً ﴾ الإسراء (33)
إذا لدى ولي القتيل سلطان له الحق في أن يقتل القاتل، له الحق أن يسلب روح القاتل كما سلب القاتل روح القتيل. وتظهر الآية (33) من سورة الإسراء أن النفس محرمة، والنفس في عمومها وليست مخصوصة بطائفة أو ديانة أو قوم أو طبقة اجتماعية وإنما النفس بعمومها محرمة، وتقتل بالحق، وهذه الآية هي صورة أخرى لمقطع الآية في سورة الأنعام في الوصايا العشر التي تقول
﴿ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ الأنعام (151)
في سورة المائدة بعد أن تحدثت الآيات عن قصة ابني آدم وأن الابن المقتول لم يبسط يده لقتل أخيه لأنه لا يملك الحق في قتله لمجرد تهديد ، جاءت الآية (32) لتقول :
﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ المائدة (32)
في المقطع (بغير نفسٍ أو فساد في الأرض) يتضح أن المحرم هو أن تقتل نفسًا بغير نفس، يعني بغير أن تقتل نفساً، وبغير فسادٍ في الأرض، فأي فساد تقصد هذه الآية؟
﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ﴾ المائدة (45)
تقول الآية: (وكتبنا عليهم فيها) وتقصد بني إسرائيل، والمكتوب فيه هو التوراة : كتب فيها (أن النفس بالنفس)، هذه آية محكمة يمكن من خلالها إحكام معاني الكلمات من خلالها : وهي أن حق النفس هو النفس، إذ لا يمكن أن تؤخذ نفس إلا إذا قامت هذه النفس بزهق روح، فيكون لولي القتيل الحق في سلب القاتل نفسه كما سلب نفس المقتول.
# قتل الفساد
وبالعودة إلى الآية السابقة ( أو فساد في الأرض ) نفهم أنه يجب أن توضع هذه الكلمة في هذا الإطار المحكم وهو أن الفساد هذا هو قتل ولكن سمي فساداً، هو قتل ولكن بعنوان آخر ، ففي القتل هناك ما هو قتل جنائي والذي يكون بسبب خلاف شخصي، ومنه ما قد يكون بسبب آخر، والذي أسمته الآية فساد في الأرض. وبهذه الآية المحكمة يمكننا أن نفهم بقية الآيات كما هو في الآية التالية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمعروف وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ البقرة (178)
هذه الآية تدخل ضمن إحكام الآية السابقة والتي قضت بأن (النفس بالنفس) ، لذا يمكننا أن نفهم ( الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) كردع لمن يحكم بشيء من عدم التكافؤ بنفس مكان نفس، فإن لهذه التقديرات الاجتماعية تضييع لهذا الحكم بأن المقام العالي اجتماعياً لا يؤاخذ حين يكون له اعتداء على من هو أقل منه اجتماعياً ، والآية تؤكد على أن النفس بالنفس ، ويأتي الحديث عن الحر بالحر بنفس نسق الحديث عن النفس بالنفس ، وبالمثل في الحديث عن العبد بالعبد والأنثى بالأنثى ، والذي يعني أن : الحر القاتل يقتل بالحر المقتول ، والعبد القاتل يؤخذ بقتله لعبد مقتول ، والأنثى تؤخذ بالأنثى ، وهذا يعني أن نفس الحر ليست بمنأى عن قانون النفس بالنفس، وأن العبد ليس بمنأى عن القصاص منه لأنه قتل عبداً أقل درجة ( كما قد يعتقد المستكبر ) ، وأن الأنثى ليست بمنأى عن القتل إذا ما قتلت أنثى، بالنظر إلى أن الواقع هو أن الحر يتجرأ على الحر في القتل ، وقد يظن أنه في مهرب ، والعبد يتجرأ على عبد مثله ويظن أنه قد لا يحاسب، والأنثى تقتل الأنثى تجرأً وقد تظن بأنها قد تفلت من المحاسبة.
إذا هي الأصناف التي تظن أنها قد تفلت من قانون ( النفس بالنفس ) الذي كتبه الله سبحانه وتعالى، والآية تأتي في سياق الاختصار ليفهم القارئ ما وراء تلك الأصناف بفهمه لمحكم الآية وهو ( النفس بالنفس ) في أن الحر بالحر ، والحر بالعبد ، والحر بالأنثى ، العبد بالعبد والعبد بالحر والعبد بالأنثى ، الأنثى بالأنثى والأنثى بالحر و الأنثى بالعبد.