مدونة حلمي العلق

أنواع القتل العمد في القرآن

 | القصاص

أنواع قتل العمد في القرآن

يمكننا أن نصنّف الأنواع التي تحدث عنها القرآن الكريم في القتل في العنواين التالية :

1- قتل الفساد : وهو القتل المقصود بالقتل بسبب ديني : ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فقد أحيا الناس جميعاً)

2- قتل الاعتداء : وهو القتل الجنائي : ( ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون )

3- قتل الأزواج : وهو أن يقتل أحد الزوجين الآخر بسبب عدم القدرة على التعايش أو القبول : في سورة النساء الحديث للرجل والمرأة لذا فإن الخطاب الخاص في الآية من سورة النساء هو موجه للزوج والزوجة بالتحديد ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ) ، ولكنه ينطبق على العموم أيضاً .

4- وأخيراً قتل الأولاد : وقتل الأولاد ينقسم إلى وأد البنات ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به إيمسكه على هون أم يدسه في التراب )

النوع الثاني : بسبب الفقر والذي يقال على أساسه ( ولا تقتلوا أولادكم من أملاق نحن نرزقكم وإياهم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً )

النوع الثالث : الثالث بسبب الزنا كما قالت الآية (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12))

الحكم في الكتب السماوية

تقول الآية التي اعتمدناها في إحكام موضوع القتل ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ... فمن تصدق به فهو كفارة له )

وهذه الآية الشريفة بدأت بقوله تعالى ( وكتبنا عليهم فيها ) وفيها تعود إلى التوراة ، بمعنى أن هذا الحكم المحكم هو في التوراة في الأصل، فهل نحكم به نحن المسلمون المؤمنون بالقرآن أيضاً ؟ أم لدينا حكم آخر ؟

نحاول أن نجيب على هذا السؤال من خلال التأمل في الآيات ما قبل هذه

لا حظ أولاً أن آية ( 32 ) ، تحدث بني إسرائيل عن موضوع القتل والإفساد في الأرض بالقتل، وتقول أن الله سبحانه وتعالى كتب على بني إسرائيل هذا الحكم على خلفية أن ابني آدم اقتتلوا حسداً من عند أنفسهم وبسبب رغبة أحدهم إلغاء الآخر والقضاء عليه لأنه امتاز بشيء من عند الله سبحانه وتعالى. ورغم أن الله سبحانه وتعالى بين لهم ذلك إلا أنهم أسرفوا في القتل.

وبعد ذلك عقبت الآية التالية ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ) بالحكم الذي يعلمه بني إسرائيل، أي أن هذه الآية تقول كما علمتم يا اتباع الكتب السماوية السابقة أن القاتل يقتل والمفسد يقتل فإن الله ينص الآن في كتابه أن جزاؤكم هو القتل لأنكم تعمدتم القتل للرسول والمؤمنين .

بعدها تأت الآية41 لتؤكد أن هناك فئة من أهل الكتاب لم يؤمنوا بالنبي وبرسالته .

وتتابع الآية 47 أنهم لا يطبقون المنهج القويم الذي أنزله الله سبحانه وتعالى في الكتب السماوية السابقة

آية 43 تقول : ( فاحكم بينهم أو أعرض عنهم )،

1- تخاطب النبي في تعامله مع المؤمنين بالكتب السماوية السابقة، احكم عليهم بالأحكام التي تعلمها في القرآن. ثم تقول الآية التالية : (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) ؟ وفي هذا إشارة إلى أن ما سيحكم به الرسول هو تماماً لما هو لديهم في التوراة، أي أن المطلوب هو حكم الله، ومن يأخذنا إلى حكم الله هو الكتاب السماوي.

2- والآية التالية تقول : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) .. ونهاية الآية تقول: ( ومن لم يحكم بما أنزل الله ) فحكم الله في الكتب التي أنزلها، والتوراة كتاب منزل من عند الله فيه حكم الله .

3- الآية 46 تقول : ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) ، والتي تعني أن الله سبحانه وتعالى جعل في الإنجيل حكمه الذي يريده من الناس.

4- الآية 47 تقول : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ) ، إذا القرآن والإنجيل مصدقين للتوراة ، وهذا يعني أن أحكام الله التي في الإنجيل والتي في القرآن هي نفسها التي في التوراة بلا أي خلاف .

5- نعود للآية المعنية وهي آية 45 : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) اختتمت بالقول (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) ، فحكم الله هو في أي كتاب سماوي أنزله الله سبحانه وتعالى .

الخلاصة : الحكم مذكور على أنه من أحكام التوراة لا يعني أنه ليس من أحكام القرآن بل نفهم أن الله سبحانه وتعالى جاء بالقرآن مصدق لما جاء في التوراة ، وكلمة مصدق يعني يطابق له في الأحكام ولا يخالفها في شيء ، بل إن القرآن جاء كاشفاً وفاضحاً لما أخفاه أهل الكتاب من أحكامه التي بينها القرآن بعد ذلك .

جاء في آية من آيات سورة المائدة وفي موضع سابق

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)) ، فإذا جاء القرآن مصدقاً لما كان في التوراة فهو جاء كاشف وفاضح لما تم إخفاءه والحمد لله على نعمته وهداه.

ويجدر بنا هنا أن نذكر الملاحظة التالية وهي :

أن الرسول يساوي الكتاب ، وما يقوله الرسول هو ما يقوله الكتاب .

ننظر للإنسجام التالي :

1- ( وإن حكمت بينهم فاحكم بينهم بالقسط ) يقابله ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ) وهذا يعني أن المتحاكمين أمامهم خيارين متقابلين ومتساويين في القيمة الأولى هي الرسول ، والثانية هي التوراة وكل منهما يحمل قيمة متساوية للآخر

2- ( وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم ومصدقاً لما بين يديه من التوراة ) يقابله ( وآتيناه الإنجيل فيه هدىً ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة ) مرة أخرى نبي الله عيسى في المقطع الأولى أصبح وكأنه كلمة بديلة عن كلمة الإنجيل في المقطع الثاني .

أي أنهما الإثنان (عيسى والإنجيل ) مصدقان للتوراة ، وهذا الإنسجام الثاني الذي يعطي تساوي الرسول بالكتاب.

يؤكد ذلك قوله تعالى للنبي محمد ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم ) إذا حكم الرسول في بداية الصفحة آية 42 هو حكم الله، وهذا ما يجعل أن الرسول يساوي الكتاب . والحمد